شنت طائرات الجيش السوداني قصفًا جويًا عنيفًا على مدينة نيالا، كبرى مدن إقليم دارفور، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، بينهم نساء وأطفال. في الوقت نفسه، تشهد مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم، معارك هي الأعنف منذ بدء النزاع.
ووفق مصادر محلية، سقط 24 قتيلًا على الأقل وأُصيب أكثر من 200 شخص جراء القصف الجوي الذي استهدف أحياء سكنية في نيالا ظهر الإثنين، وسط نقص حاد في الخدمات الطبية وانهيار شبه كامل للمنشآت الصحية.
جثث متفحمة ونزوح واسع.. دارفور تحت القصف المستمر
أكد شهود عيان أن القصف كان عنيفًا ومدمرًا، حيث أدى إلى تفحم عدد من الجثث، وترك العديد من المصابين في حالة حرجة، في ظل نقص الأدوية والمعدات الطبية.
وفي مدينة الفاشر، اشتدت المعارك بين الجيش السوداني، المدعوم بمجموعات متحالفة معه، وقوات الدعم السريع، التي أعلنت عبر منصاتها الإعلامية توغلها في المناطق الجنوبية والشرقية والغربية للمدينة، مما تسبب في حالة فرار جماعي للسكان الذين وجدوا أنفسهم محاصرين وسط نيران القتال.
وأفادت تقارير ميدانية أن الفاشر تحولت إلى مدينة أشباح، حيث نزح معظم سكانها، ولم يتبقَ فيها سوى أقل من خمس سكانها الأصليين، الذين يعانون من نقص شديد في الغذاء والمياه.
دارفور.. صراع طويل ومعاناة مستمرة
يعتبر إقليم دارفور من أكثر المناطق استراتيجية وحساسية في السودان، وهو الإقليم الذي شهد أطول حرب في القارة الإفريقية منذ عام 2003، ما أدى إلى مقتل أكثر من 300 ألف شخص وتشريد الملايين.
وتحتل الفاشر موقعًا استراتيجيًا مهمًا، كونها آخر مدينة رئيسية لا يزال الجيش السوداني يحتفظ فيها بوجود عسكري، بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على أكثر من 90% من أراضي دارفور، وهو ما يجعلها ساحة معركة حاسمة للطرفين.
يقول أحد النازحين، ويدعى أحمد إبراهيم، الذي فرّ من الفاشر باتجاه الحدود التشادية:
"لم يعد هناك أي مكان آمن في المدينة، القصف الجوي والاشتباكات البرية لا تهدأ، والناس يموتون بسبب الجوع والعطش أكثر من القنابل".
من جهتها، قالت آمنة أيوب، وهي معلمة فرت مؤخرًا من الفاشر:
"معالم المدينة تغيرت تمامًا، الأحياء السكنية تحولت إلى أنقاض، والمباني التاريخية دُمرت بالكامل.. الأسر التي لا تزال عالقة تواجه مأساة إنسانية في ظل انعدام الغذاء والدواء".
الفاشر.. آخر قلاع الجيش السوداني في دارفور
في الوقت الذي تزداد فيه حدة المعارك في دارفور، فإن الفاشر تمثل مفتاح السيطرة على الإقليم، إذ أنها المدينة الوحيدة التي لا تزال تحت سيطرة الجيش السوداني، فيما تمكنت قوات الدعم السريع من فرض سيطرتها على باقي المناطق في الإقليم.
ويعد إقليم دارفور بوابة السودان الغربية، حيث يرتبط بحدود شاسعة مع تشاد، ليبيا، إفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وهو ما يجعل السيطرة عليه مسألة استراتيجية هامة لكل الأطراف المتصارعة.
وفي ظل استمرار القصف الجوي والمعارك البرية العنيفة، يتوقع مراقبون أن الأيام المقبلة قد تشهد سقوط الفاشر بالكامل بيد الدعم السريع، وهو ما قد يغير مسار الحرب بشكل جذري، ويزيد الضغط على الجيش السوداني في مناطق أخرى مثل الخرطوم والجزيرة.
تصاعد الأزمة وسط تحركات سياسية في نيروبي
في ظل تصاعد الصراع العسكري في دارفور، ظهرت تقارير تشير إلى استعدادات تُجرى في العاصمة الكينية نيروبي لعقد اجتماعات سياسية تناقش مشروع إقامة حكومة مدنية موازية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، وهو الأمر الذي أثار خلافات داخل تحالف تنسيقية "تقدم"، حيث تعارضه بعض القوى السياسية السودانية.
وترى بعض الأطراف أن أي حكومة موازية قد تعمق الانقسام الداخلي، بينما ترى جهات أخرى أن وجود إدارة مدنية في المناطق الخارجة عن سيطرة الجيش قد يكون خطوة نحو إنهاء الحرب وبناء عملية سياسية جديدة.
لكن في الوقت نفسه، لا تزال المعارك في الميدان تزداد ضراوة، ما يجعل أي مبادرات سياسية رهينة للتطورات العسكرية على الأرض.
0 تعليق