بعد أربعة أيام من تهنئة الملك محمد السادس للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع بتوليه رئاسة سوريا للفترة الانتقالية، قام وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، أول أمس السبت، بزيارة رسمية لدمشق.
وتأتي هذه الزيارة في ظل تحولات سياسية إقليمية ودولية، خصوصاً مع سقوط نظام بشار الأسد، الذي كان يحظى بدعم الجزائر، ومجيء قيادة جديدة بقيادة الشرع، الذي يُنظر إليه كمحور تغيير في السياسة السورية والعربية، والذي كان يعتبر سابقا من قبل عطاف والنظام الذي يمثله بأنه “إرهابي”.
والواقع أن النظام الجزائري لم يخف دعمه لما كان يصفه الرئيس اللاجئ في سوريا حالياً، بشار الأسد، بـ”الحرب على الجماعات الإرهابية”، والتي من بينها المعارضة السورية بقيادة أحمد الشرع. وبالرغم من أن محاولة نظام عبد المجيد تبون التقرب من القيادة السورية، بحكم “الأمر الواقع”، كانت متوقعة، فإن السرعة التي تمّ بها هذا التقرب كان مفاجئاً للمراقبين.
ومع ذلك، فإن تأكيد قصر المرادية في أكثر من مناسبة أن دعم البوليساريو يشكّل أولوية في سياسته الخارجية، يجعل من مسارعة أحمد عطاف للقاء أحمد الشرع، حاملاً رسالة من عبد المجيد تبون، أياماً قليلة بعد تهنئة الملك محمد السادس “أمراً مفهوماً” يوضع في سياق “محاولة قطع الطريق على أي تقارب مغربي سوري”.
ويشير المحلل السياسي لحسن أقرطيط إلى أن سقوط نظام بشار الأسد مثّل فشلاً لمحور الممانعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي كانت الجزائر تعتبر نفسها جزءاً منه، الأمر الذي أدى إلى زيادة العزلة السياسية للنظام الجزائري، خاصة بعد التطورات الأخيرة في المنطقة العربية والإقليمية، ومحاولة إعادة دمج سوريا في الساحة الدولية.
وأوضح أقرطيط، في تصريح لهسبريس، أن هذه التطورات أربكت الجزائر، خصوصاً أن علاقتها بسوريا كانت قوية في عهد الأسد، حيث كانت سوريا تدعم سياسياً الطرح الجزائري بشأن نزاع الصحراء المغربية، وتساند جبهة البوليساريو الانفصالية.
وأضاف أن النظام الجديد في سوريا “يسعى الآن للعودة إلى الإجماع العربي، مما يعني تراجع ارتباطه بمحور الممانعة، حيث عبّرت القيادة السورية الجديدة عن رغبتها في العودة إلى الصف العربي وتأييد القضايا التي تحظى بالإجماع العربي”، مشيراً إلى أن هذه القضايا “لا تخلو من دعم لمغربية الصحراء، وهي قضية تتفق حولها معظم الدول العربية”.
وأبرز أن الرسالة التي بعث بها الملك محمد السادس إلى رئيس السلطة السورية الجديد “تشير إلى تقارب بين المغرب وسوريا، وتؤكد هذا التوجه”.
كما نبه أقرطيط إلى أن الجزائر “تحاول الآن الحفاظ على علاقاتها مع سوريا من خلال زيارة وزير خارجيتها”، قبل أن يعود ليؤكد أن هذه المحاولة “ستكون فاشلة” بسبب القرار السياسي الواضح للنظام السوري الجديد بالانحياز إلى القضايا العربية الرئيسية، وأهمها قضايا الأمن والسلم، التي يعتبر المغرب لاعباً أساسياً فيها.
من جهته يرى أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس السويسي بالرباط، العباس الوردي، أن التحرك الجزائري يأتي “في ظل حالة من العزلة الدبلوماسية التي تعيشها الجزائر نتيجة مواقفها السابقة الداعمة علنا للنظام السوري”، واصفاً هذه السياسة بأنها “انعكاس لانهيار المؤسسة العسكرية الجزائرية، التي تعرف تراجعا واضحا على مستوى الأداء الدبلوماسي”.
وأضاف الوردي، في تصريح لهسبريس، أن الجزائر، طوال الأزمة السورية، دعمت نظام بشار الأسد بشكل كبير، بما في ذلك دعم الميليشيات التي وقفت إلى جانب النظام في مواجهة المعارضة، مشيراً إلى أن السياسة الخارجية الجزائرية تعتمد على “مناورات غير محسوبة مثل سياسة اللعب على الحبلين أو الاعتماد على استراتيجيات متناقضة بين الدول، مما جعلها في موقف ضعف دولياً”.
وتابع قائلا: “الجزائر كانت تعتقد أن بإمكانها مواصلة سياسة “الكر والفر”، لكن هذه الأساليب أصبحت متجاوزة في العلاقات الدولية المعاصرة، حيث إن الذاكرة التاريخية لا تنسى مواقف الدول السابقة”.
وأبرز أن القيادة السورية الجديدة “تدرك تماماً من كان يدعمها خلال الأزمة ومن كان يواجهها، ولهذا سيكون من الصعب على الجزائر أن تقنع النظام السوري الجديد بتجديد التحالفات السابقة أو استعادة العلاقات القديمة. فقد تغيرت موازين القوى في المنطقة، وأصبحت السياسة الجزائرية متهمة بالتناقض وعدم الاتساق”.
وخلص الأستاذ الجامعي ذاته إلى أن التحولات في سوريا، ومعرفة القيادة السورية الجديدة بمواقف الجزائر خلال الحرب “تجعلان من الصعب إعادة بناء الثقة بين البلدين بالطريقة نفسها التي كانت في عهد بشار الأسد”.
0 تعليق