يشهد الاقتصاد الأزرق في مصر طفرة ملحوظة في السنوات الأخيرة، مع تبني الدولة استراتيجيات ومشروعات تهدف إلى الاستفادة المستدامة من الموارد المائية وتعزيز التنمية الاقتصادية.
ويشمل الاقتصاد الأزرق مجموعة واسعة من الأنشطة، مثل توليد الطاقة من المياه، والتعدين البحري، والسياحة البحرية، وصيد الأسماك، واستخراج المواد الخام من البحار، حيث تهدف هذه الجهود إلى تحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر وضمان الأمن الغذائي.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض ما تبنته الدولة المصرية في إطار مشروعات الاقتصاد الأزرق.
ما هو الاقتصاد الأزرق؟
يعتمد الاقتصاد الأزرق على الإدارة الجيدة للموارد المائية، بما في ذلك المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار، بهدف تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين سبل العيش وخلق فرص العمل، مع ضمان الحفاظ على البيئة والقيم الثقافية والتنوع البيولوجي.
وتتضمن أنشطة الاقتصاد الأزرق توليد الكهرباء من طاقة المياه، والتعدين في البحار والمحيطات، والسياحة البحرية، وصيد الأسماك، واستخراج المواد الخام من البحار.
كما تمثل الأحياء البحرية حوالي 99% من أشكال الحياة على كوكب الأرض، وتمتص البحار والمحيطات نحو 50% من الانبعاثات الضارة التي تخرج من اليابسة، مما يبرز أهميتها البيئية والاقتصادية.
الجهود المصرية في تعزيز الاقتصاد الأزرق
وتولي مصر اهتمامًا كبيرًا بتطوير الاقتصاد الأزرق، وقد اتخذت خطوات ملموسة في هذا الاتجاه، ومن بين هذه الجهود، تطوير الموانئ البحرية وتعزيز البنية التحتية لدعم التجارة البحرية والسياحة.
وعلى سبيل المثال، شهد ميناء العريش تطويرًا كبيرًا، حيث تم إنشاء أرصفة جديدة بطول 915 مترًا، ليصل إجمالي الأرصفة إلى 1165 مترًا، وتم تخصيص نحو 4 مليارات جنيه لإنشاء مساحات تخزينية وساحات جديدة.
وعقب إعادة تشغيله، استقبل الميناء حوالي 50 سفينة بحمولات تزيد عن 216 ألف طن، مما يعزز دوره في دعم التجارة الإقليمية والاقتصاد المحلي، في حين شهدت الفترة الماضية تطوير ونباء مجموعة من الموانئ، منها ميناء الإسكندرية وميناء سفاجا وميناء طابا، وغيرها.
وبالإضافة إلى ذلك، تشهد قناة السويس، التي تعبرها نحو 19,000 سفينة سنويًا، أي حوالي 50 سفينة يوميًا تحمل بضائع تتراوح قيمتها بين 9 و3 مليارات دولار، دورًا حيويًا في دعم الاقتصاد الأزرق في مصر.
وبفضل موقعها الجغرافي الفريد، تعد القناة مركزًا إقليميًا لنقل النفط ومشتقاته، حيث يمر عبرها نحو 7-10% من النفط العالمي، بالإضافة إلى 8% من الغاز الطبيعي المسال وما يقارب مليون برميل من النفط يوميًا.
![86.jpg](/Upload/libfiles/6/8/86.jpg)
تحديث أسطول الصيد وتعزيز الإنتاج السمكي
وشهد قطاع الصيد في مصر تطورات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، في إطار جهود الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات البحرية وزيادة الصادرات، وتتمثل أبرز ملامح تطوير أسطول الصيد في:
- تحديث المراكب وزيادة أعدادها: تعمل الحكومة على تصنيع مراكب صيد حديثة تتوافق مع المعايير البيئية وتتميز بكفاءة تشغيلية أعلى، مما يسهم في زيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف التشغيلية.
- إدخال تقنيات متطورة: تم تجهيز العديد من السفن بأنظمة ملاحة متقدمة وأجهزة رصد تساهم في تحسين عمليات الصيد وتقليل الهدر البحري.
- تنظيم مناطق الصيد: وضعت الدولة خططًا للحفاظ على الثروة السمكية، من خلال تحديد مواسم الصيد المسموح بها، بالإضافة إلى تعزيز برامج الاستزراع السمكي.
- تطوير موانئ الصيد: تم تحديث عدد من موانئ الصيد مثل ميناء العريش وموانئ البحر الأحمر، لتوفير بنية تحتية متطورة للصيادين وتحسين كفاءة عمليات التوزيع والتخزين.
- تعزيز الصادرات: تسعى مصر إلى زيادة صادرات الأسماك عبر تطوير معايير الجودة والالتزام بالمواصفات العالمية، مما يفتح أسواقًا جديدة أمام المنتجات البحرية المصرية.
![87.jpeg](/Upload/libfiles/6/8/87.jpeg)
بناء المنتجعات والفنادق لتعزيز السياحة الشاطئية
وفي إطار استراتيجية الدولة لتعزيز قطاع السياحة، تشهد مصر طفرة كبيرة في بناء المنتجعات والفنادق، بهدف جذب السياح وتعزيز إيرادات القطاع، ومن أبرز ملامح هذه الطفرة:
التوسع في المدن السياحية: تعمل الدولة على تطوير مناطق سياحية جديدة مثل مدينة العلمين الجديدة والجلالة والعين السخنة، لجذب السياح المحليين والدوليين.
مشروعات ضخمة على ساحل البحر الأحمر: تستمر الاستثمارات في مدن مثل الغردقة ومرسى علم، حيث يتم إنشاء فنادق ومنتجعات سياحية فاخرة، مع التركيز على السياحة البيئية والغوص.
منتجعات فخمة في الساحل الشمالي: يعد الساحل الشمالي من أكثر المناطق التي شهدت استثمارات سياحية ضخمة خلال السنوات الأخيرة، حيث تحولت المنطقة إلى وجهة سياحية عالمية تنافس أشهر المنتجعات الشاطئية في العالم.
التعاون الدولي في مجال الاقتصاد الأزرق
وفي إطار الاهتمام المتزايد عالميًا بالاقتصاد الأزرق، شاركت مصر في قمة "محيط واحد" ببريست الفرنسية في عام 2022، مما يظهر التزامها بالقضايا البيئية الدولية، وبالإضافة إلى ذلك، انضمت مصر إلى مبادرات مثل التحالف العالمي للمحيطات والتحالف عالي الطموح من أجل الطبيعة والبشر في عام 2022، والتي تهدف إلى تعزيز الحماية البيئية البحرية.
كما أن دورها في قيادة المفاوضات بشأن التنوع البيولوجي البحري يؤكد سعيها لوضع أسس قانونية دولية لحماية البحار والمحيطات، بما يضمن الحفاظ على الموارد البحرية للأجيال القادمة.
المبادرات الحكومية لدعم الاقتصاد الأزرق
قدمت الحكومة المصرية بعدة مبادرات لتطوير الاقتصاد الأزرق المستدام، مثل إنشاء الهيئة العامة للثروة السمكية لتنظيم قطاع الصيد واستزراع الأحياء المائية، وتطوير البنية التحتية البحرية والساحلية كالموانئ والشواطئ، وتشجيع الاستثمارات في مجالات الطاقة المتجددة البحرية وصناعة السفن والتكنولوجيا البحرية، ووضع تشريعات وسياسات بيئية لحماية النظم البيئية البحرية والساحلية.
كما أولت الدولة المصرية أهمية كبيرة لدعم مفهوم الاقتصاد الأزرق المستدام، في إطار الاستجابة لتحديات تغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال حماية التنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي الخاص به، ومكافحة مختلف أنواع التلوث البحري، والحفاظ على المحيط، النيل والتوازن البيئي في المناطق الساحلية، مما يحقق التوازن البيئي في هذه المناطق، ويساعد على تقليل الانبعاثات، ويساعد أيضًا في بناء اقتصاد منخفض الكربون وتحقيق التنمية المستدامة.
التعاون مع البنك الدولي في مجال الاقتصاد الأزرق
وفي سياق تعزيز الجهود المبذولة في مجال الاقتصاد الأزرق، بحثت وزيرة البيئة المصرية مع بعثة البنك الدولي بالقاهرة تنفيذ المشروعات المشتركة في الاقتصاد الأزرق، حيث تمت مناقشة سبل تنفيذ استراتيجية الاقتصاد الأزرق، وتحليل أوضاع المصايد، وإدارة التلوث الهوائي، وتعزيز التعاون في هذه المجالات.
وتمضي مصر بخطى ثابتة نحو تحقيق نهضة غير مسبوقة في مشروعات الاقتصاد الأزرق، من خلال تطوير أسطول الصيد وتعزيز الإنتاج البحري، إلى جانب الطفرة الهائلة في القطاع السياحي، لا سيما في الساحل الشمالي ومدن البحر الأحمر.
وهذه الجهود لم تقتصر على دعم الاقتصاد الوطني فحسب، بل تعكس رؤية استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز مكانة مصر كمركز عالمي للسياحة البحرية والاستثمار في الموارد الطبيعية.
ومع استمرار تنفيذ المشروعات الكبرى، ودمج أحدث التقنيات في القطاعات البحرية والسياحية، تقترب مصر من تحقيق نقلة نوعية تجعلها نموذجًا يحتذى به في استثمار الإمكانات البحرية، وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.
0 تعليق