أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون بوضوح أن البلاد ليست مفلسة، بل منهوبة، محملًا المسؤولية لفئة استغلت موارد الدولة وسوء إدارتها. وخلال لقائه وفد الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد برئاسة القاضي كلود كرم، شدد على أن الفساد أصبح ثقافة متجذرة في مؤسسات الدولة، ولن يتم القضاء عليه إلا عبر المحاسبة الفعلية والجادة.
وأكد عون أن مواجهة الفساد لن تكون مجرد شعار، بل معركة حقيقية يجب أن تخوضها الدولة بكل إمكانياتها، مضيفًا: "أراهن على دوركم في هذا المجال، حيث يجب على الهيئة أن تؤدي مهامها بالكامل. اعملوا وفق ضميركم ونصوص القانون، ولا تترددوا في مواجهة الفاسدين وكشفهم تمهيدًا لمحاسبتهم".
الفساد ينهش لبنان.. من نهب الدولة وأوصلها إلى هذا الوضع؟
تصريحات الرئيس عون جاءت وسط تصاعد حالة الغضب الشعبي من تفشي الفساد في مؤسسات الدولة، حيث يرى كثيرون أن لبنان لم يصل إلى الإفلاس بسبب نقص الموارد، بل بسبب نهبها بشكل منظم من قبل الطبقة السياسية والمالية. وعلى الرغم من التحذيرات الدولية المتكررة، لا تزال الأموال المهربة إلى الخارج غير معلومة المصير، ولم يتم حتى الآن فتح أي تحقيق جدي لاستعادتها.
ويعتبر الفساد أحد الأسباب الرئيسية لانهيار الاقتصاد اللبناني، حيث أدى إلى تفكك القطاع المصرفي، وانهيار العملة المحلية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، فيما يتزايد نفوذ الفاسدين الذين تمكنوا من تحصين أنفسهم من أي محاسبة قانونية عبر شبكة معقدة من المصالح السياسية والمالية.
هل تملك هيئة مكافحة الفساد القوة الكافية لمحاسبة المتورطين؟
تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد كان واحدًا من المطالب الأساسية التي رفعها اللبنانيون خلال الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في السنوات الأخيرة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تملك هذه الهيئة القدرة الفعلية على ملاحقة الفاسدين؟
التجربة اللبنانية مع المؤسسات الرقابية لم تكن مشجعة، إذ غالبًا ما يتم تحييد الهيئات الرقابية من قبل السلطة السياسية، ما يجعلها غير قادرة على تنفيذ مهامها بالشكل المطلوب. إلا أن الرئيس عون أكد في خطابه أن هذه الهيئة لن تكون مجرد كيان شكلي، بل ستتمتع بصلاحيات واسعة لمحاسبة المسؤولين عن نهب الأموال العامة.
إصلاحات تحت الضغط.. هل يخضع لبنان للضغوط الدولية؟
المجتمع الدولي، وخاصة صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، يضغط بشكل متزايد على لبنان لتنفيذ إصلاحات حقيقية في مؤسساته المالية والإدارية، كشرط للحصول على أي مساعدات أو قروض إنقاذية. إلا أن هذه الإصلاحات تواجه مقاومة شديدة من قبل الطبقة السياسية، التي لا تزال تحاول حماية نفوذها ومكتسباتها على حساب مستقبل البلاد.
وفي ظل هذه الضغوط، يبرز التساؤل: هل ستكون هذه الحرب على الفساد جادة هذه المرة، أم أنها ستظل مجرد شعارات فارغة كما حدث في محاولات سابقة؟
استعادة الأموال المنهوبة.. معركة أم مستحيل؟
استعادة الأموال المهربة إلى الخارج تعد أحد أكبر التحديات التي تواجه الدولة اللبنانية، إذ تقدر بعض التقارير أن مليارات الدولارات تم تهريبها خلال السنوات الماضية، ما أدى إلى تفاقم أزمة السيولة النقدية داخل البلاد.
لكن استعادة هذه الأموال تتطلب إجراءات قانونية ودبلوماسية معقدة، فضلًا عن إرادة سياسية حقيقية لمحاسبة المتورطين. وهنا يبرز التساؤل حول ما إذا كانت الحكومة اللبنانية قادرة على مواجهة نفوذ المصارف والسياسيين الذين استفادوا من هذه العمليات، أم أن هذه الأموال ستبقى خارج متناول الدولة، كما حدث في العديد من الدول التي عانت من أزمات مالية مشابهة؟
0 تعليق