كتبت- هايدى فاروق
(السيرة الذاتية للإبداع)، النصوص السردية السيرية التى كتبها المبدعون الكبار عن ابداعاتهم السردية يحكون فيها خط السير الإبداعى لرواياتهم من خلال سرد تخييلى بديع يحكى حكاياتهم مع مخاضات الإبداع، نمط يكشف عن أسرار معاناة خط سير حياة الإبداع لا خط سير حياة المبدع .
هذا هو جوهر الكتاب الجديد للدكتور إيمن تعيلب أستاذ النقد المعاصر بكلية الآداب والعميد السابق لكلية الآداب جامعة السويس والذي يحمل عنوان” سرديات ماوراء الكتابة الأشكال الجمالية والأنساق الدلالية ..
فالدراسة جديدة في منهجها ورؤيتها،وتتوفر هذه الدراسة النقدية الجديدة على دراسة نمط جديد من أنماط السيرة الذاتية غفل عنه كثير من النقاد..
وهو نمط جديد من أنماط السيرة الذاتية يكتبه المبدع بعد معاناة جهيدة ومراس طويل فى مكابدة سكرات الخلق والترامى مع مسارب الإبداع ومسرى الخيال يطلعنا من خلاله المبدع على أسرار إبداعه وخوافيه وهمومه وقلاقله الظاهرة والمضمرة.
……
وفي تصريحات له يقول تعيلب : توقفت في هذا الكتاب على كتابات مبدعين كبار شرقا وغربا،استطاعوا أن يمهدوا محطات جمالية وتخييلية مبتكرة في مسار الإبداع الطويل.
فتوقفت عند الروائى الفرنسى مارسيل بروست ..
وبهذه المثابة أطلقت على هذا النص السيرى الجديد النص (السير كتابى) وهو نص سيرى على نص إبداعى،يقف فيه المبدع شاهدا ومشهودا فى آن على انفجارات ذاته الإبداعية والترامى مع غواياتها التخييلية والمعرفية حيث تتوارى ظلال الأنا الشخصية خلف مغامرات الأنا النصية وتحولاتها الإبداعية قبل أن تحل كائنا جماليا مستقلا فوق الورق.
وبهذه المثابة الإبداعية لايصور (النص السيركتابى) سيرة حياة المبدع،بل سيرة حياة إبداعه نفسه،حيث ينتقل النص من لغة الذاكرة الشخصية إلى ذاكرة الذاكرة النصية للإبداع بوصفها مجلى إضاءات جمالية ومعرفية ونقدية خصيبة للتجربة الإبداعية نفسها حيث مسارات اللغة وتقلبات الثقافة وتحديات الواقع وتطوحات الخيال.
أما من جهة منهجنا فى هذه الدراسة فقد آثرنا أن نتوقف على نمط محدد من أنماط (الأشكال السيركتابية) وهو نص (السيرة الذاتية للرواية) ومايفرزه من أشكال جمالية وأنساق دلالية من خلال النص السردى الذى كتبه الكاتب المصرى إبراهيم عبد المجيد حول رواياته وذلك فى كتابه (ماوراء الكتابة: تجربتى مع الإبداع) وهو الكتاب الحاصل على جائزة الشيخ زايد للإبداع الروائى عام 2016،وقد عالجنا هذا النص السير كتابى من وجهة نظر تشكيلية ومعرفية معا،وقد قمنا بذلك من خلال اعتبارين منهجيين: أوَّلهما يتوجه إلى النص السيركتابى من جهة إنجاز تلفُّظه الخاص،وكتابته الخاصة،ومشروع أناه الخاص، وثانيهما: يتوجه إلى فعل كتابة الذات الإبداعية غير القابل للفصل عن فعل تمثُّلها لذاته من جهة وللآخر الإبداعى من جهة أخرى،من خلال تخييل صور كينونتها أو هُويّتها المتحولة في الكتابة وعبرها.وقد اتخذنا من كتاب الكاتب إبراهيم عبد المجيد مجالا نقديا تطبيقيا وذلك لمعالجة الأشكال الجمالية والأنساق الدلالية للنص السير كتابى وقد كان كالآتى:
الوحدة الأولى : التخييل السير كتابى وجماليات التكويـــــن
الوحدة الثانية : التخييل السير كتابى وجماليات الفـــــــــــــــن:
(الأدوات ـــ التكنيك ـــ اللغة)
الوحدة الثالثة: التخييل السير كتابى وجماليات رؤية العالم.
الوحدة الرابعة : تخييلات السير كتابى وجماليات التلقـــــــــــــــــــــــــــــــى
إن المبدع فى نصه السير كتابى يحفر حفرا جينيالوجيا فى عمق الذاكرة الإبداعية متتبعا الخطوط السرية الغائرة فى مستودع الذكريات العظيم،وما إن يستعيد الكاتب صور معاناته خلق روايته حتى يبدع رواية على رواية،ويؤلف نصا على نص،ولعل الراوى العليم فى السيرة الذاتية الكتابية يستعيد ذاكرة الإبداع لديه بطرق عدة تتوتر وتتخلق بين عالمين جد مختلفين : الذاكرة فى أقصى حالات يقظتها ووعيها،والمخيلة فى أعمق دجات هيجان استيهاماتها وابتكاراتها،عبر صورة حية من صور الخلق السردى المضاعف بما ينطوى عليه من قيمة سردية عالية تتوهج بالرؤى والخيالات والأحداث الفنية والدراما الكتابية لسيرة الكتابة نفسها مما خرج بالسيرة من سياق عقدها التوثيقى التاريخى إلى سياقها النصى التخييلى.
وفى ضوء ماسبق يطرح هذا الكتاب الجديد افتراضات النقدية التالية :
ــــ لماذا كانت حاجة المبدع العربى ملحة فى كتابة نص (سيركتابى) مستقل حول آليات إبداع رواياته رغم ذيوع إبداعه وانتشاره على أوسع نطاق ممكن ؟. ليس هذا فقط بل دائما ما كنا نرى المبدع حريصا على تجديد الكتابة فى هذا الباب (السيركتابى ) كلما تجددت مسارات إبداعه؟ وهنا تتجلى أهمية المسار الزمنى لخبرة الكتابة على الكتابة، حيث موقع الزمن الذى يحدد ظروف النشأة وحياة التكوين لهذا الجنس الجمالى الجديد حيث لكل نوع أدبى زمنية تشكيلية خاصة تحدد أصوله وجذوره من جهة،وواقعه وحاضره من جهة أخرى،ومستقبله وإستشرافاته من جهة أخيرة.
ــ هل ثمة علاقة ما بين نمو ونشأة نصوص سرديات الكتابة على الكتابة بوصفها جنسا جماليا جديدا وطبيعة عصور الحداثة ؟
ــــ هل كانت كتابة هذا النمط (السيركتابى) تؤكد لنا أن القالب الروائى الذى أبدعه الكتاب لم يستنفد كل طاقاتهم الإبداعية والرؤيوية حول رواياتهم فاضطروا إلى اجتراح هذا القالب الفنى السير كتابى؟.
ـ ما الذى يدفع المبدع إلى كتابة نصه (السير كتابى) بعد كتابته نصه الإبداعى؟ هل لأن الإبداع نفسه لم يف تماما بما أراد المبدع التعبير عنه فى هذه الرواية أو تلك فاحتاج إلى قالب أدبى آخر يستكمل به ما انتهى إليه فى رواياته؟ وإلا فما الداعى الروحى والتخييلى إلى كتابته هذا النمط؟ هل كان المبدع يعانى من سوء تفاهم بينه وبين النقاد خاصة أن معظم من كتب النص السيركتابى كان من كبار الكتاب الخارجين على نمط الكتابة السائدة بما خلق هوة واسعة بين المفاهيم النقدية الراسخة فى النظريات النقدية وبين جساراته التخييلية والمعرفية غير المتوقعة ولا المألوفة.؟(10). هل أحس الكاتب أنه يقوم بإنجاز مهمة إبداعية لايقوم بها سواه طالما لم يغنى فعل الإبداع عنه؟ أم كلا القالبين الإبداعيين: قالب الكتابة وقالب سيرة الكتابة على الكتابة كانا يتكاملان بحيث لايستطيع الكاتب أن يعى ذاته الإبداعية إلا من خلالهما معا حيث يستلزم الوعى بالإبداع الوعى بالسيرة الذاتية للإبداع نفسه بوصف المبدع هو المتلقى الأول لنصه؟
ـ هل أفرزت سرديات سيرة الكتابة على اختلاف شكولها الجمالية والمعرفية لدى المبدعين نصوصا تخييلية تتجاوز سياقها السياقى التاريخى المرجعى لتنماز بسماتها الجمالية والمعرفية الخاصة بحيث نستطيع أن نجرد من خلالها قوانينها الجمالية وحدودها النوعية التى تمتاز من الأنواع الجمالية الأخرى؟. وهنا يكمن سؤال المسمى والمصطلح العلمى لهذا الجنس الجمالى الجديد بمايحدد الاختصاص العلمى بدقة ويؤكد الهوية السردية بما يدفع الالتباس والغموض حول المصطلح الجديد.
ــ هل من الممكن أن نكتشف فى هذه السرديات على اختلاف صورها التشكيلية وأنماطها النوعية خصوصيات تشكيلية وتخييلية ومعرفية تختلف باختلاف أشكال الإبداع الذى تحكى عنه ؟ فنقول مثلا بخصوصيات (التخييل السيركتابى) وفقا للأجناس والأنواع الأدبية المتعددة التى خلقت أشكالا سيركتابية متعددة مثل سرديات سيرة الإبداع التشكيلى،وسرديات سيرة الإبداع المسرحى والسينيمائى والموسيقى والنقدى وهلم جرا…؟ وهل ثمة اختلاف نوعى ملحوظ بين سيرة الكتابة النسوية وسيرة الكتابة الذكورية ؟ وفروق جمالية ومعرفية أخرى واضحة بين نصوص الكاتب الإبداعية ونصوص سيرته الكتابية التى كتبها عن خط سير منجزه الإبداعى ؟
ــ هل من الممكن اعتبار خطاب سيرة الكتابة على الكتابة : نوعا أدبيا مستقلا يمتلك حده والجمالى والمعرفى والنقدى الخاص به بين معظم الأنواع الجمالية الأخرى؟ وإذا صح ذلك فما هى المحددات والعلاقات الجمالية والمعرفية البينية المتداخلة المتفاعلة بين هذا الجنس الأدبى وغيره من الأجناس الأخرى القريبة منه: كالسيرة الذاتية،ورواية السيرة الذاتية،والسيرة الغيرية، وأدب الاعترافات، والمذكرات، واليوميات، والرسائل والتراجم ؟ وهنا يكمن سؤال الموقع الذى يؤكد أن لهذا الجنس الجمال موقع سردى يخصه وحده ضمن مباحث وجماليات السرديات المتعددة.بما يؤكد هويته الجمالية والمعرفية المستقلة من جهة،وعلاقته بغيره من الأنواع الجمالية الأخرى القريبة والبعيدة من جهة أخرى.وهنا تكمن علاقة الخصوص بالعموم.
ـــ هل تمتعت هذه الحدود الجمالية بشبكة من العلاقات التشكيلية الحاكمة لتفاعلاتها البنيوية الداخلية من جهة،وعلاقاتها الجمالية والمعرفية والأسلوبية المتداخلة بالأنواع والأجناس الجمالية الأخرى من جهة أخرى؟ وهنا تكمن قيمة الانفتاح السردى التى تأتى متأخرة نسبيا عن المراحل السابقة والتى تمتد من بنية التشكيل الخاصة لهذا النمط السردى الجديد إلى بنية التشكيل العامة التى تضم أسرة السرديات متعددة الأشكال والألوان.
ــ ما القيمة الجمالية والمعرفية النوعية التى تقدمها هذه السرديات لعالم الأدب والنقد من خلال منظورها الجمالى والدلالى الخاص بها ؟ وهنا تكمن قيمة الدلالة والرؤيا.
ــ هل قراءتنا لسرديات سيرة الكتابة لدى المبدعين الكبار تجعلنا نفكر فى كتاباتهم ولغتهم وخيالاتهم وإبداعاتهم بصورة جديدة مختلفة خارج نطاق نصهم الإبداعى نفسه؟. بما يجعلنا نعيش تجربة نصوصهم الإبدعية بصورة مضاعفة توسع من حدود اللغة والخيال والجمال والإبداع؟
وإذا سلمنا بصحة الافتراضات النظرية والنقدية السابقة: فكيف نتحقق من الأسس الجمالية والمعرفية والثقافية الفعلية لهذا الجنس السيرى الأدبى الجديد ؟ الذى كرسه أصحابه حول الإبداع نفسه بعيدا عن السيرة الذاتية للمبدع،ماهى هويته وماهيته ووظيفته؟.هل له شكل جمالى معرفى واحد؟ أم له شكول جمالية ومعرفية تتعدد بتعدد أنماط وأشكال إبداعات المبدعين من جهة،وتعدد الأنساق الثقافية والحضارية والمدارس الفنية التى كتبت فى أكنافها من جهة أخرى ؟
إن جميع الأسئلة والافتراضات النقدية السابقة تؤكد أن دراسة خطابات سيرة الكتابة على الكتابة ضرورة جمالية ونقدية تستوجب الفحص والتنقيب النقدى والجمالى الموازى لأهميتها ولعل ذلك ماسوف نقوم به على طوال هذه الدراسة.
0 تعليق