بعد خمس سنوات من الغياب، التأم بالمكتبة الوطنية بالرباط المؤتمر الوطني السابع للغة العربية، الذي ينظمه الائتلاف الوطنية من أجل اللغة العربية، والذي عزا رئيسه غياب هذا النشاط البارز في السنوات الفارطة إلى “الجائحة البشرية” الصحية، مع انتقاده “الجائحة اللغوية التي لا تزال تعصف بتعليمنا وفضائنا العام”.
المؤتمر، الذي شهد افتتاحُه اليومَ الجمعة حضورَ وجوه ثقافية وأكاديمية وأدبية بارزة، ذكر فيه فؤاد بوعلي أن قَدَر المغرب أن يكون “وطنا للتعدد والتنوع، تتعايش فيه لغتان أمّ، هما: العربية والأمازيغية. ويتوافق فيه أبناء الوطن دون اختلال، وفي العصر الوسيطِ المثالُ”، مع تنبيهه إلى أن “المغرب لم يعِ تميزه اللغوي إلا مع الاستعمار، الذي غيّر البوصلة”.
وانتقد رئيس ائتلاف اللغة العربية “محاولات صنع هويات جديدة بعيدة عن الواقع الاجتماعي والدستوري للمغاربة”، وفسّر اختيار تنظيم المؤتمر في موضوع “السؤال اللغوي والمجتمع المدني” بأنه “عندما كانت الدولة بمؤسساتها المختلفة حامية للغتها ومقننة لها، كان المجتمع مطمئنا دون اكتراث لما يقال في منتدى أو لقاء، وأما وقد اختارت الدولة غير ذلك، فيتعاظم دور المؤسسات الأهلية والتنسيق بينها لحماية لغتها وتنميتها”.
ثم أردف قائلا: “لقد تبنى الائتلاف منذ إنشائه سياسة ثابتة، في الجمع بين الوظيفتين الترافعية والعلمية، والمؤتمر الوطني ليس ندوة عابرة، ونشاطا يقارب اللغة العربية، ولو أننا نساند الكثير من هذه الأنشطة، بل هو محطة لاجتماع أبناء الوطن بكل أطيافهم السياسية والإيديولوجية والإقليمية والعلمية تحت سقف لغة الضاد الجامعة (…) والائتلافُ ليس ملكا لتيار أو فصيل، بل هو ملك للوطن وهوية جامعة متعددة”.
وشدّد المتحدث على أن حماية العربية من “خطر التهميش والتحقير حماية لوجودنا، وجزء من حماية مشتركنا الوطني”؛ لأنها “قضية وجودنا، بها عُرِفنا، وما عرفَتها أقوام إلا بنا، والاستغناء عن العربية انتحار تاريخي وحضاري”، مما يتطلب “ضرورة التراجع عن مسار الفَرْنَسَة، التي تعرف سباقا محموما منذ المصادقة على القانون الإطار للتربية والتكوين (…) ولا تنمية ولا تقدم إلا باللغة العربية. واستيرادُ التقنية لا ينتج تنمية، والعربية ليست لغة هوية بل لغة استراتيجية تمكننا من اختراق العديد من الفضاءات شمالا وجنوبا، تجمعنا مع شعوب ودول، ولغة علم وتقنية، قدمت لنا الكثير في ماضينا وحاضرنا”، بعيدا عن “مسار التشظي”.
من جهته، تحدث مراد الريفي، مدير مكتب تنسيق التعريب، الذي ألقى كلمة “الألكسو” المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، عن أهمية هذا “المحفل العلمي البارز، الذي حقق تراكما يستحق التقدير، وجمّع أوراقا علمية رصينة، حول الحقل الفسيح الذي تبسطه أمامنا لغة الأمة الغراء”.
وحيّا مدير مكتب تنسيق التعريب “دينامية المملكة في دعم اللغة العربية وتطوير مناهج تعليمها، وتعزيز تداولها (…) وجهود هيئات المجتمع المدني المضطردة التي يعد هذا المؤتمر شاهدا عليها”؛ لأن “اللغة العربية لغة الحضارة العربية، ووعاء وجدانها وفكرها وفنونها، ولحمة الكيان الثقافي العربي”.
ونبّه المتدخل إلى انحسار حركة النشر بالوطن العربي، وتخلف حركة الترجمة من العربية وإليها، مما يفاقم “انحسار المجال التداولي للعربية”، قبل أن يدعو “القوى الفاعلة في مجال اللغة العربية إلى مزيد الجهود، وتنسيق المشاريع والخطط العملية، وتكوين الموارد البشرية الكافية لمواصلة حضور وتقوية اللغة العربية، للاستمرارية والصمود”، وتحقيق “القفزة الحضارية الممكنة، إن توافرت الشروط”.
ومن بين ما أشادت به كلمة “الألكسو” معجم الشارقة التاريخي للغة العربية، ومعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، وقد اشتغل عليهما سنوات عديدة أكاديميون ولغويون ولسانيون وعلماء من مشارب متعددة من مختلف أنحاء المنطقة.
بدوره، تحدث مبارك ربيع، رئيس اللجنة الثقافية لمؤسسة علال الفاسي، عن “جهود الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية التي بذلها عبر مؤتمرات عديدة وملتقيات مختلفة، تقاسمت فيها مؤسسة علال الفاسي زوايا الرؤية للغة العربية، من تحديات مطروحة وجهود يجب أن تبذل لتستحق هذه اللغة ما هو جدير بتاريخها وحضارتها”.
وتطرق ربيع إلى “مسارات التطور والانفتاح”، التي “تعني بالأساس ضرورة انعكاس التغيرات والمستجدات العالمية بكافة أشكالها وأنواعها على واقع اللغة العربية من جهة، ومن جهة أخرى تفاعل هذه اللغة مع هذه المستجدات لكي تشق طريقها وتركز مكانتها”؛ وهو ما لن يتم “إلا بأهل هذه اللغة، الذين عليهم ابتكار الطرق الكفيلة، العلمية والعصرية، لتكون في المستوى المطلوب حاضرا ومستقبلا”.
وانطلاقا من موضوع المؤتمر، ذكر الأديب والأكاديمي “أن اللغة ولو كانت في مشاكلها وقضاياها في جزء رئيسٍ (…) مهمة المؤسسات الحكومية الرسمية والمجتمعية؛ ولكنها بالذات مشكلة الجميع، مشكلة المجتمع في كليته، ومشكلة الأفراد حسب إمكاناتهم ومواقعهم ووظائفهم، وحسب ما يمكن أن يقدموه للغتهم، والمجتمع المدني هو الذي يمتلك روح المبادرة، ويستطيع تفعيل مقتضيات تكييف اللغة العربية مع مقتضيات عصرها، لا عبر الخطاب المجرد؛ بل بالتصورات العملية الحية، القابلة للتنفيذ، والمنفّذة”.
تجدر الإشارة إلى أن الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السابع للائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية قد شهدت توقيع الائتلاف اتفاقية مع “المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم – ألكسو”، وتكريم اللغوي وصانع المعاجم عبد الغني أبو العزم والإعلامي عبد الصمد ناصر.
0 تعليق