بوعلام صنصال: الحاجة إلى الراحة قد تُوَلِّدُ الخضوع.. والمال "إله خطير"

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في رواية 2084. نهاية العالم، يُحاول البطل عاطي اكتشاف الحقيقة المُتوارية وراء المعتقدات والآراء الشائعة لنظام أبيستان التوليتاري. وأبيستان هي الإمبراطورية العملاقة التي تأخذ اسمها من النبي آبي، «مندوب» يولا (الرب) فوق الأرض.

هنا، كل الأفكار محظورة، حيث يُتيح نظام مراقبة – موجود في كل مكان – معرفة الأفكار والأفعال المُنحرفة. بشكل رسمي، يعيش الشعب المُجْمِع في السعادة، وهي غبطة متأتية من إيمان دون تساؤل، مبني على الخضوع المطلق لإله واحد؛ غير أن وجود شعب من المارقين يعيش في غيتوات، دون الرجوع إلى الدين، يجعل عاطي، الذي هو تجسيد فعلي لوينستون سميث، بطل رواية 1984، يُقْدِم على محاولة معرفته.

تندرج رواية الكاتب الجزائري بوعلام صنصال ضمن ذرية 1986؛ غير أن الأخ الكبير هنا يقرأ القرآن. هل كان أورويل سيتفق؟ الكاتب يُجيب.

هل أنت من مُعجبي أورويل؟

بطبيعة الحال، ومنذ شبابي الأول. أقرأُه وأُعيد قراءته. اكتشفتُ أولا الروايات الأكثر شهرة، مزرعة الحيوان و1984. لكن بعد ذلك كُتبه الأخرى، التي وجدتُ، بالمناسبة، صعوبة في العثور عليها. بعضها عبارة عن روائع حقيقية، كما هو حال كتاباته حول الأدب والسياسة.

من خلال مقالاته، وبالأخص روايته التي تأخذ شكل أهَاجٍ حادة، يُحذر أورويل من مخاطر التوتاليتارية، تلك التي تُمثلها الشيوعية الستالينية؛ لكن أيضا النازية، والفاشية، وحتى الإسلاموية، رغم كونِهِ لم يعرفها. لقد عَرَفَ كيف يستبق مشاكل لم تطرأ بعد، من خلال طرح السؤال المناسب.

أي واحد؟

كيف تستمر السلطة. في 1984 كما في كتابي، الجواب هو: من خلال القوة، والشرطة، والمراقبة، والتلقين العقائدي. هذه الأداة الأخيرة هي التي تسمح بِنَيْلِ خضوع الأهالي على المدى البعيد. يتم إقناعهم بأن ما يعيشونه هو السعادة، فينتهي الأمر بهم مُصدقين. إلى هذا الأمر تنضاف فكرة كبيرة: اختلاق عدو.

إن الأنظمة الشمولية في حاجة إلى الحرب. نرى ذلك في كوريا الشمالية، حيث يتم استدعاء العدو (الوحش الأمريكي) باستمرار؛ لكن أيضا في روسيا بوتين، التي وجدت لنفسها كأعداء أوروبا والولايات المتحدة، وطبعا أوكرانيا. الحرب تُغذي الخوف والقلق. إنها حالة جد معروفة؛ غير أن أورويل بَيَّنَ آلياتها بمهارة.

بالضبط، لِمَ تطبيق هذه الآلية على العالم الإسلامي في مجمله، كما فعلتَ في رواية 2084. نهاية العالم؟

هل تعرف دولة إسلامية قد تخلت عن الإسلام؟ أنا لا. الإسلام خير مثال على سلطوية استمرت على مر الزمن باستخدام الإخضاع. هذه السيطرة القَرْنِيَّةَ تقوم على ثلاثة أعمدة. نبدأ بألوهية القرآن. هذا الكتاب المقدس، على خلاف التوراة والأناجيل، ليس نصا كُتِبَ من أجل تبليغ رسالة نبي، وإنما أملاه الله نفسه. إنه صوت الله. وبالتالي كيف نُغَيِّرُه أو ننسى ما يقوله؟

غير أن «ألوهية» القرآن لم تتشكل في عصر محمد وإنما ثلاثة أو أربعة قرون بعده، من لدن سياسيين وجدوا بهذه الطريقة وسيلة من أجل إرساء حكمهم نهائيا. فكرة عبقرية يستخلص الإسلام السياسي دروسها اليوم.

العماد الثاني هو إضفاء قداسة على الحياة اليومية؛ الأمر الذي سَمَحَ بتدمير النظام الاجتماعي السابق. الصلاة، الحج، لكن أيضا التغذية، اللباس، الجنسانية، كل شيء مُنَظَّم حسب قواعد مُعْلَنة القُدسية، وحيث مُراقبة تطبيقها راجع إلى الشريعة، التي تحظى بمكانة أساسية في الإسلام.

آخر عماد هو تحريم الردة. المسلم مُسلم مدى الحياة. إذا اعتنق المرء الإسلام فلا يُمكنه العودة إلى الخلف تحت طائلة الموت. هذا المفهوم يُمكن أن يذهب بعيدا: اليوم في الجزائر، التجول بوجود توراة في سيارتك، حتى لو بدافع الفضول، يُساوي عقوبة سجنية. لكن القوة الأساسية للإسلام تكمن في تحريم الشك. إن وضع جزء من البناء موضع تساؤل معناه تدمير النظام الاجتماعي.

وبالتالي، فرغم كل التطورات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية، فالإسلام لم يُغَيِّر، أو غَيَّرَ قليلا، نظام الإكراه الفقهي الذي وضعه ويسمح له بالصمود مهما حصل.

تجري أحداث رواية «1984» في مدينة في حالة خراب، لندن، لكن حيث تمتلك السلطة تكنولوجيا مُعقدة نسبيا. في رواياتك، «2084»، لكن أيضا في «إبراهيم أو الحلف الخامس»، يقع السرد داخل مُجتمعات ما قبل صناعية دون تكنولوجيا. لِمَ ربط الطُّغيان الديني بفقر قروسطي؟

هل تعرف القُرى الجزائرية أو المغربية؟ فيها يمتلك السكان ساعة في المعصم وأحيانا تلفازا؛ غير أنهم يعيشون كما في القرن الخامس عشر، سواء من خلال عاداتهم أو من خلال مستواهم الثقافي. لقد فرض الطغيان الديني نفسه في القرن العاشر، ومنذ ذلك الوقت وهو مُستمر من خلال إعاقة التقدم أيضا. والأمر هكذا، لنَكُن مُنصفين: أتحدثُ عن الإسلام، ويتحدثُ أورويل عن أنظمة القرن العشرين التوتاليتاري؛ غير أن الديمقراطية ليست مُلقَّحَةً ضد الطُّغيان.

دون الحديث عن الشعبوية التي تَخُضُّ العديد من الدول المُسماة ديمقراطية اليوم، يُوجد ثمة طغيان لطيف؛ لكنه فَعَّال بشكل رهيب: طُغيان المال. وهو في الولايات المتحدة يُغذي نظاما يَقْبَلُ فيه الناس بالتعاسة، ما داموا قادرين على الأمل في ارتقاء السلم.

إن المال إله خطير. هذا ما يجري اليوم في الصين الشيوعية كما يُزْعَم، حيث أصبح المال موضوع تبجيل: الأشخاص الذين في السلطة يغتنون، والآخرون يأملون باستطاعة فعل ذلك، فيشتغلون مثل زُمبيات لا تُفكر في شيء ما دامت قادرة على اقتناء السلع المادية. إن الحاجة إلى الراحة قد تُوَلِّدُ الخضوع أيضا.

أنتَ تعيش في الجزائر؛ غير أنك لا تُفكر مرتين قبل الحديث عن الديكتاتورية الدينية. ألا تُقْلِقُكَ السلطات؟

مهما بدا ذلك غريبا، فلستُ قلقا، وإذا كُنْتُ في خطر فأنا أجهل ذلك. كُتبي موجودة في الجزائر، ما زالت تُوجد في هذا البلد دور نشر ومكتبات شجاعة. أنا موجود بفضلهم.

Le point Hors-série n° 32, George Orwel

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق