أكد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، اليوم الأحد، خلال مراسم تشييع حاشدة لسلفه حسن نصر الله في جنوب بيروت، أن “المقاومة لم تنته”، بينما صدحت حناجر عشرات الآلاف من مناصريه “إنا على العهد”، في تأكيد ولائهم للحزب المدعوم من طهران.
وخلال مراسم تشييع حاشدة أقيمت في مدينة كميل شمعون الرياضية، حلقت طائرات حربية إسرائيلية مرتين في الأجواء، وفق ما شاهد مراسلو فرانس برس في المكان، في ما وصفه وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بأنه “توجيه رسالة واضحة: أي طرف يهدد بتدمير إسرائيل ويهاجم إسرائيل سيلقى نهايته”.
وقتل نصر الله عن 64 عاما بضربة إسرائيلية استخدمت فيها أطنان من المتفجرات على مقرّه الواقع تحت الأرض في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل الحزب، في 27 شتنبر 2024.
في كلمة ألقاها خلال مراسم التشييع بحضور رسمي محلي وخارجي يتقدمه وفد إيراني رفيع المستوى، ضم رئيس مجلس الشورى الإيراني محمّد باقر قاليباف، ووزير الخارجية عباس عراقجي، ونائب قائد الحرس الثوري علي فدوي، تعهد قاسم بـ”السير على خط” سلفه.
وقال في خطاب ألقاه عبر شاشة: “أفتقدك يا سيدي ويفتقدك كل المحبين، لكنك باق فينا بنهجك وتعاليمك ومقاومتك وخط سيرك وجهادك”، مضيفا: “سنحفظ الأمانة وسنسير على هذا الخط”، مكررا مع قبضة مرفوعة: “إنّا على العهد يا نصر الله”، وهو الشعار الذي اختاره الحزب للتشييع.
وأكد أن “المقاومة لم تنته، المقاومة مستمرة”، مضيفا: “اعلموا أن المقاومة موجودة وقوية عددا وعدة وشعبا”.
ومنذ ساعات الصباح، افترش عشرات الآلاف من مناصري الحزب مدينة كميل شمعون الرياضية، حيث رُفعت صور عملاقة لنصر الله، والقيادي البارز في الحزب هاشم صفي الدين، الذي قتل كذلك بضربة إسرائيلية في الثالث من أكتوبر في ضاحية بيروت الجنوبية. وأعلن الحزب لاحقا أنه كان قد انتخب قبل مقتله أمينا عاما للحزب خلفا لنصر الله.
وشقّ نعشا نصر الله وصفي الدين، اللذين تم لفهما براية حزب الله وأحيطا بزهور حمراء وبيضاء، محمولين على شاحنة رفعت العلم اللبناني وراية حزب الله، طريقهما إلى أرض الملعب على وقع هتافات “لبيك يا نصر الله”.
ووضعت عمامة سوداء فوق كل نعش. وتمّ بث مقتطفات من خطابات سابقة لنصر الله تفاعلت معها الحشود بالدموع وتأثر شديد، وفق ما أفاد مراسلو فرانس برس.
“الموت لإسرائيل”
يشكّل التشييع أول حدث جماهيري لحزب الله منذ المواجهة المفتوحة بين الحزب وإسرائيل التي انتهت بوقف لإطلاق النار في 27 نونبر، وخرج منها الحزب ضعيفا سياسيا وعسكريا.
ودُفن نصر الله بعد انتشال جثته “وديعة” في مكان لم يعلن عنه، فيما كانت الحرب على أشدّها قبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
وخلال مراسم التشييع، حلّق الطيران الإسرائيلي مرتين على علو منخفض، تزامنا مع شنه غارات عدة على جنوب البلاد وشرقها.
وردد المشيعون مرارا “الموت لإسرائيل”، بعدما خاطب أحد المتحدثين في مراسم التشييع الحشود بالقول: “لن ترعبنا أصوات طائراتكم الخائبة”.
وكتب الجيش الإسرائيلي، الأحد، عبر حسابه على منصة “إكس”: “اليوم هو يوم جنازة حسن نصر الله. اليوم أصبح العالم مكانا أفضل”.
بعد مشاهدتها نعش نصر الله في أرض الملعب، قالت لارا (26 عاما) لفرانس برس من دون ذكر شهرتها: “حين شاهدت النعش، تأكدت من الحقيقة التي فرضت علينا” بعدما لم تكن تصدق مقتل نصر الله.
وتابعت بتأثر “ثمة ألم كبير.. لا يمكن وصف الشعور بكلمات”.
واكتظت المدينة الرياضية والطرق المؤدية إليها منذ ساعات الصباح الباكر بعشرات الآلاف من مناصري الحزب الذين اتشحوا بالسواد، رافعين صور نصر الله ورايات الحزب الصفراء.
وتجمع عشرات آلاف آخرين في محيط المدينة الرياضية، قبل أن يسيروا خلف الشاحنة التي أقلّت نعش نصر الله إلى مكان دفنه قرب طريق المطار. وأحاط مقاتلون مقنعون من الحزب بالشاحنة حتى وصولها إلى مكان الدفن.
ومن المقرر أن ينقل صفي الدين إلى جنوب لبنان، حيث يوارى الثرى الاثنين في بلدته دير قانون النهر.
وغاب رئيسا الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام عن حضور مراسم التشييع شخصيا. وكلف عون رئيس البرلمان نبيه بري، رئيس حركة أمل وحليف حزب الله، بتمثيله، بينما أوفد سلام وزير العمل محمّد حيدر.
“طمأنة مناصريه”
في كلمة تلاها ممثله في العراق خلال مراسم التشييع، تعهد المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي بمواصلة “مقاومة” إسرائيل. وقال: “على العدو أن يعلم أن مقاومة الاغتصاب والظلم والاستكبار لن تنتهي وستستمر حتى تحقيق غايتها النهائية”.
وأفاد المنظمون بحضور شخصيات رفيعة المستوى من إيران ودول أخرى، بينها العراق، حيث أعلن الحشد الشعبي مشاركة رئيسه فالح الفياض، ورئيس أركانه أبو فدك المحمداوي، في مراسم التشييع.
وينضوي الحشد الشعبي مع حزب الله وفصائل أخرى موالية لإيران ضمن “محور المقاومة” الذي تقوده طهران.
واستبقت إسرائيل مراسم التشييع بشنها، صباح الأحد، غارات عدة على جنوب لبنان وأخرى في شرقه، أسفرت عن إصابة فتاة بجروح، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية للإعلام. وقالت إسرائيل إنها استهدفت “منصات صواريخ” شكلت “تهديدا وشيكا للمدنيين الإسرائيليين”.
وجرت مراسم التشييع وسط تدابير أمنية مشددة اتخذها الآلاف من عناصر الحزب والأجهزة الأمنية اللبنانية.
وأعرب الباحث سام هيلر من مركز “سنتشوري انترناشونال” لفرانس برس عن اعتقاده بأن حزب الله أراد من خلال حشد مناصريه أن “يبرهن أنه ما زال قوة اجتماعية وسياسية رئيسية، على الرغم من النكسات التي مني بها” مؤخرا. وقال إن الحزب يريد كذلك أن “يطمئن مناصريه بأن الحزب ومجتمعه سيستمران، حتى بعد خسارة” قادته.
واكتسب نصر الله مكانة بارزة عربيا إثر انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000، إلا أن شعبيته تراجعت تباعا بعد انخراط حزبه في النزاع السوري إلى جانب حليفه بشار الأسد.
وهيمن التنظيم الشيعي الموالي لإيران على الحياة السياسية في لبنان لأعوام، ولكن يستمر الانقسام حول دوره، إذ يعتبر كثر من اللبنانيين أنه “دولة داخل الدولة”.
وقد حكمت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في العام 2022 على اثنين من أعضاء الحزب غيابيا بالسجن مدى الحياة بجرم “التآمر.. والتواطؤ في القتل المتعمد” لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في بيروت في 14 فبراير 2005.
0 تعليق