لا يخفى على أي متابع للوضع السياسي في بعض الدول العربية أن الأوضاع قد وصلت إلى مرحلة بالغة السوء، حيث انعكست هذه الأزمات سلبًا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ليس فقط في تلك الدول، بل امتدت آثارها إلى دول مجاورة، مما زاد من تعقيد المشهد الإقليمي.
السودان: صراع يهدد بالانهيار
في السودان، ما يحدث بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يمثل كارثة إنسانية وسياسية. لقد دُمِّرت أجزاء كبيرة من البلاد بسبب هذه الحرب الداخلية، التي يخوضها أطراف ينتمون جميعًا إلى الشعب السوداني. ومع استمرار الصراع، أصبحت البيئة خصبة لظهور جماعات إرهابية تعمل لصالح أطراف خارجية، مما يهدد بتحويل السودان إلى ساحة لصراعات إقليمية ودولية.
أخشى ما أخشاه هو أن تتحول هذه الحرب إلى صراع قبلي، خاصة مع وجود ما يقرب من سبعمائة قبيلة في السودان. إذا حدث ذلك، فقد نشهد سقوطًا مدويًا للدولة السودانية، على غرار ما حدث في رواندا والصومال. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو تشكيل حكومة موازية في نيروبي بكينيا، مما يزيد من تعقيد الأزمة ويُضعف فرص الحلول الداخلية.
بالرغم من التفوق الملحوظ للجيش السوداني في الأشهر الأخيرة، إلا أن قوات الدعم السريع تعتمد على تكتيكات المرونة والتنقل السريع بين الجبهات، مما يجعل حسم الصراع عسكريًا أمرًا صعبًا. في رأيي، الحل الوحيد الممكن لهذه الأزمة هو الحل السياسي عبر التفاوض، فالحرب لن تُجدي سوى مزيدًا من الدمار والخسائر.
الخسائر المترتبة: بنية تحتية واقتصاد منهك
عندما تنتهي هذه الحرب، سنفاجأ بأن الخسائر في البنية التحتية والاقتصاد قد بلغت مليارات الدولارات. السودان، الذي كان يعاني بالفعل من تحديات اقتصادية وسياسية، سيتقهقر إلى الخلف بشكل كبير، وسيحتاج إلى سنوات طويلة لإعادة الإعمار والتعافي.
ليبيا وسوريا: أوضاع لا تقل خطورة
ما يحدث في السودان ليس بمعزل عن بقية المنطقة. ففي ليبيا، لا تزال الأزمة مستمرة دون حلول واضحة، وفي سوريا، الوضع يزداد تعقيدًا مع تزايد التدخلات الخارجية وتفكك النسيج الاجتماعي. هذه الأزمات تتطلب مراقبة دقيقة وموقفًا عربيًا موحدًا لمواجهة التحديات المشتركة.
فلسطين: رفض التهجير والمساومة
أما في فلسطين، فإن ما يحدث في غزة والضفة الغربية يظل قضية مركزية للأمة العربية. مصر، التي رفضت دائمًا فكرة التهجير، ترفض أيضًا أي محاولات لفرض إدارة خارجية على قطاع غزة، حتى لو كانت هذه المحاولات مقترنة بإسقاط الديون. من يقترح مثل هذه الأفكار لا يفهم طبيعة الشعب المصري ولا إيديولوجيته. مصر ترفض المساومة على حقوق الشعوب، وستظل داعمة للقضية الفلسطينية بكل قوة.
الخلاصة فى أن الأزمات التي تعاني منها بعض الدول العربية اليوم ليست مجرد صراعات داخلية، بل هي نتاج تراكمات سياسية واقتصادية وتدخلات خارجية. الحلول العسكرية لن تُجدي نفعًا، بل ستزيد الأوضاع تعقيدًا. الحل الوحيد يكمن في التفاوض السياسي وبناء توافق وطني يعيد الاستقرار إلى هذه الدول وعلى المجتمع الدولي والدول العربية أن تتحمل مسؤوليتها في دعم الحلول السلمية ووقف التدخلات الخارجية التي تغذي الصراعات. فقط من خلال العمل المشترك يمكننا إنقاذ هذه الدول من الانهيار التام.
0 تعليق