قيود التأشيرات وترحيل المهاجرين.. دعم البوليساريو يضر بمصالح الجزائريين

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تتفاقم الأزمة الحالية بين الجزائر وفرنسا بسبب الخلاف حول قضية الصحراء المغربية، حيث تدعم باريس موقف المغرب بسيادته على أقاليمه الجنوبية، فيما تستمر الجزائر في تبني موقف جبهة البوليساريو الانفصالية.

هذا التصعيد، الذي بدأ يتخذ أبعادا دبلوماسية واقتصادية، تأجج مؤخرا مع زيارة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، جيرار لارشيه، إلى الصحراء المغربية التي زارتها قبله بأيام وزيرة الثقافة في بلاده، رشيدة داتي، ثم هجوم جهادي في مدينة مولوز بشرق فرنسا، نفذه مهاجر جزائري غير نظامي رفضت الجزائر استعادته رغم طلبات متكررة من باريس. إثر ذلك، هددت فرنسا، عبر رئيس وزرائها، فرانسوا بايرو، بفرض قيود على التأشيرات كرد فعل انتقامي.

ويرى المراقبون أن المتضرر الأكبر من هذه التوترات هم الجزائريون أنفسهم، إذ يواجهون تداعيات مباشرة تشمل ترحيل المهاجرين غير النظاميين وتقييد حصولهم على التأشيرات الأوروبية، خاصة من فرنسا التي تربطها بالجزائر علاقات تاريخية واجتماعية عميقة. ومع تزايد الضغوط الفرنسية، التي تدرس استهداف شخصيات بارزة في العلاقات الثنائية بعقوبات التأشيرات، يتساءل المراقبون: “هل سيؤدي إصرار الجزائر على خلق أزمات مع الدول الأوروبية دعمًا للبوليساريو إلى رد فعل شعبي قد يهدد استقرار النظام الجزائري؟”.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس السويسي بالرباط، عبد العالي بنلياس، قال إن الدبلوماسية الجزائرية، “بأسلوبها العدائي وردود أفعالها غير المحسوبة تجاه الدول الأوروبية الداعمة لسيادة المغرب على الصحراء، تولد عنها قرارات مضادة ذات تأثير مباشر على المواطنين الجزائريين”، معتبرا أن فرض قيود على التأشيرات وترحيل المهاجرين غير النظاميين من فرنسا “يعكس فشل الجزائر في تقدير ردود الفعل الغربية على محاولاتها الضغط للتراجع عن دعم مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع”.

وأضيف بنلياس، ضمن تصريح لهسبريس، أن هذا النهج يضع المواطن الجزائري في موقف يدفعه للتساؤل عن جدوى سياسات بلاده في حماية مصالحه بالخارج، خاصة مع تصاعد الخسائر الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن هذه الأزمات، مشيرا إلى أن “الدعم العنيد للبوليساريو يكلف الشعب الجزائري غاليا، ويفوت على شمال إفريقيا فرصا كبيرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعاون والتنسيق السياسي لمواجهة التحديات الأمنية والتغيرات الجيو-سياسية التي تشهدها المنطقة”.

وخلص أستاذ العلوم السياسية ذاته إلى أن هذه التوترات “ستدفع الرأي العام الجزائري، عاجلاً أم آجلاً، إلى المطالبة بوضع حد لهذا الوضع غير الطبيعي في العلاقات مع الجيران والدول الأوروبية”.

من جانبه، قال محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي، إن الأخطاء الدبلوماسية المتكررة للجزائر في مواجهة الدول الداعمة لمغربية الصحراء “تراكمت لتصبح عبئا كبيرا على صورتها وسياستها الخارجية”.

وذكّر العمراني بوخبزة، في حديث لهسبريس، بأن الجزائر خسرت دعم العديد من الدول الإفريقية التي فتحت قنصليات في الأقاليم الجنوبية المغربية، بعد أن لجأت إلى قطع العلاقات واستدعاء السفراء، وهي الاستراتيجية نفسها التي تتبعها مع دول أوروبية كبرى مثل إسبانيا وفرنسا، مما أدى إلى تداعيات “كارثية” على علاقاتها الإقليمية.

وأوضح الخبير في العلوم السياسية أن عدم قدرة النظام الجزائري على قراءة الواقع الدولي يدفعه إلى اتخاذ “قرارات غير محسوبة، تثير السخرية بين الخبراء الدبلوماسيين، وتضطره لاحقًا إلى البحث عن مخارج لترميم علاقاته”، مبرزا أن هذا النهج “لا يخدم مصالح الجزائر، بل يضر بها، كما يتضح من التصعيد الحالي مع فرنسا ومحاولاتها ترميم العلاقات مع إسبانيا، مما يعكس ارتباكا استراتيجيا قد يكلفها خسارة حلفاء تاريخيين”.

وأشار بوخبزة إلى أن الإجراءات الفرنسية، مثل تقييد التأشيرات، ستمس الجزائريين من مختلف الفئات، نظرا للارتباطات العائلية والاجتماعية الكبيرة مع فرنسا، متوقعا أن يؤدي هذا إلى “توتر إضافي قد يفضي إلى ردود فعل شعبية قوية، تدفع المواطنين إلى التساؤل عن الفائدة من دعم البوليساريو بهذا الأسلوب الانتحاري الذي يعرضهم لعزلة حقيقية”.

وخلص الأستاذ الجامعي ذاته إلى أن الجزائر قد تجد نفسها مضطرة إلى “الانبطاح” لاستعادة علاقاتها الطبيعية مع محيطها، “وهو ما سيأتي بتكلفة باهظة على الشارع الجزائري”، مؤكدا أن هذه العزلة “لن يمكن التغلب عليها بمجرد تقديم رشاوى مالية، بل ستتطلب تغييرا جذريا في السياسة الخارجية، قد يفرضه ضغط شعبي متصاعد ضد إقحام الجزائريين في نزاع لا يخدم مصالحهم المباشرة”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق