تمثيل الأستاذ في الإعلام المغربي

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يقول مالكوم إكس وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض، لديها القدرة على جعل الأبرياء مذنبين والمذنبين أبرياء، وهذه هي القوة. لأنها تتحكم في عقول الجماهير. بمعنى أنها تجعل الإنسان تابعا لها، من خلال السيطرة على عقله وتوجيه أفكاره، بل وتشكيل قناعاته. فبصبح بذلك مجرد كائن خاضع يبني توجهاته الفكرية في شتى المجالات متأثرا بما يستقبله من المادة الإعلامية.

ولعل أبرز المجالات التي حاول الإعلام (المغربي) تقديمها ومقاربتها للجمهور “المجال التعليمي” من خلال تمثيل الأستاذ بصور مختلفة ومتعددة، قد تتناسب مع الواقع أحيانا وقد تتجاوزه لتكون مجرد مادة للسخرية والتندر. وأيا تكن، فإننا لا نسعى إلى محاكمتها بالإيجاب أو السلب بقدر ما يهمنا وضعها على سطح الدراسة والتحليل.

إن المتتبع للأعمال التلفزيونية والمسرحية… المغربية، سيلاحظ أن شخصية الأستاذ/المدرس فرضت وجودها وحضورها بشكل من الأشكال، فنجدها حاضرة على سبيل الذكر في كل من مسلسل “دواير الزمان”، “الباحث”، “مول البندير”، “ولاد ايزة”، “المعلمة”، “القسم “8، “المعلم/ صدى الجبل”..

وكما قلنا سابقا، كل مسلسل/ فيلم له لمسة خاصة تحاول أن تجعل لها طابعا بالضرورة على وزرة المدرس.

فها نحن مثلا أمام شخصية (رضوان) في مسلسل دواير الزمان، معلم يتعين في منطقة جبلية (كحال معظم المعلمين المغاربة)، ظروفها مهمشة، قاهرة… هذا المعلم كان علاقة غير شرعية بإحدى الفتيات، علاقة أسفرت على حملها. بعدما صرحت له بهذا النبأ تعامل مع الموقف بطريقة غير مسؤولة حيث كان رده: “اش غندير لك أنا؟ واش أنا قاد على راسي، عاد نقد عليك نتي وذاك لي فكرشك، شوفي غير هاذ الخلا والقفار فاش لاحوني…. ذاكشي لي فكرشك كاين باش تخلصي منو… راهم مزوجين رسميا وتيديرو إجهاض… “، وعندما حاولت الفتاة أن تؤنب ضميره نوعا ما بعبارة، حرام من جهة الله، رد باستهزاء واضح: “حرام؟؟ واش أنا فقيه غنبدا نحلل ونحرم؟”. وهي ردود وجب ألا تصدر عن شخصية يفترض أن تكون قدوة أخلاقية قبل أن تكون قدوة معرفية للآخرين… وذا ما يجعلنا محط تساؤل، ما الداعي إلى تصوير المعلم كشخص يقيم علاقات غير شرعية أولا، ثم يتملص من مسؤولياته بحجة أنه غير قادر على أعباء نفسه فكيف بأعباء الآخرين؟ ما الهدف من تمثيله بصورة شخص لا يأبه لأمر الحرام والحلال، بالنسبة له الجانب الديني يقتصر فقط على رجال الدين ولا شأن له به؟

غياب هذه المسؤولية لدى شخصية المدرس أمر متطرق إليه كذلك في فيلم “الباحث” وهو فيلم يقاربنا من قصة أستاذ لمادة الرياضيات، يستغل ذكاءه ومهاراته في هذا المجال في تحليل وفك شيفرات رموز القمار. هذا الأستاذ لن يتردد في المغامرة بكل مدخرات زوجته (التي تستعد لاستقبال مولودهما الأول) التي حصل عليها عن طريق السرقة طمعا في الربح. وهذا ما يضعنا من جديد أمام أزمة أخلاقية ترصد لنا مجموع المبادئ المنبوذة ضمنيا من سرقة، قمار، غياب المسؤولية الأسرية، والأكثر من ذلك السعي وراء تحصيل المزيد من المال بأية طريقة كانت…. وهو الأمر المشترك بين شخصية الأستاذ في هذا الفيلم (الباحث) وشخصيته في فيلم “مول البندير” الذي يسلط الضوء على مدرس يعيش مع والدته، دائم التأخر عن العمل بفعل المسافة الفاصلة بين منزله ومقر عمله. تفاديا لذلك التأخر آثر أن ينتقل إلى سكن مجاور لمقر العمل. هنا يكتشف أن صاحبة المنزل (شيخة) تنظم حفلات وسهرات… بعد تفكير، قرر أن ينضم إليها لتحسين دخله بعدما عجز عن مسايرة تسديد سومة الكراء…. والسؤال الذي يفرض نفسه دائما “هل تصوير الأستاذ بهذا الشكل هو أمر بريء يهدف إلى تسليط الضوء على حالته المادية بصرف النظر عن حقيقتها أم لجعله يبدو كشخص لا يكترث إلا بتحسين الدخل بأية طريقة تقتحم سبيله؟

ومن فيلم “مول البندير” إلى سلسلة “اولاد ايزة”، التي حطمت كل الحدود بشكل واضح في تصوير شخصية الأستاذ، مما سبب موجة غضب عارمة في صفوف رجال ونساء التعليم، خصوصا بعدما صرحوا بوجود إساءات واضحة تمس الجانب الشكلي وكذا الجوهري للمدرس، من خلال تصويره بمظهر غير لائق، سمات البلاهة تطغى على وجهه وتصرفاته، بشخصية ضعيفة لا تقوى على المواجهة، خاضع لسلطة زوجته التي ظهر معها في مواقف مذلة في كثير من الأحيان… إلخ.

ننتقـل إلى فيلم “صدى الجبال” محبوب المعلمين حديثي التعيين، فيلم ينقل لنا الواقع المأساوي للمدرس أثناء تعيينه في المناطق الجبليـة التي تفتقر إلى حد ما لظروف العيش الملائمة. فيلـم يجسد لنا قيما نبيلـة لا يمكن أن ننكرها، من خلال تصويره المعلم أحمد بمبادئ أخلاقية متشبعة بحب المهنة رغم كل العوائق التي تعترضه. هذا الفيلم تضمـن لقطة تستدعي منا وقفـة بالضرورة، (الدقيقة 09:55) لما عبرت عنه من تخوف رجال الوسط القروي من معلم غير متزوج، هذا التوجس كان نتاج قصة معلم سابق مع إحدى الفتيات القرويات، حيث توعدها بالزواج وأقام معها علاقـة أدت إلى حملها ليفر بعد ذلك بعد هذه الفضيحة دون أن يتحمل مسؤولية فعله. (هذا الانسحاب من العلاقة بسبب الحمل سبق وأشرنا إليه في مسلسل “دواير الزمان”. والأمر الذي لفت انتباهي أن التركيز على هذا الجانب اللاأخلاقي في شخصية المدرس حر كذلك في فيلم “المعلمة”، ويتضح ذلك جليا من خلال شخصيـة المعلمة نعيمة التي دخلت في علاقـة مع رجل متزوج (الحاج الوردي) طمعا في بعض ممتلكاته، انتهت بخيبة أمل ذريعة إذ لم يحقق لها أيا من طموحاتها بعدما حقق مبتغاه منها. لم تتوقف عند هذا الحد، بل واصلت مثالية عن الحاج الوردي رغم كل سلبياته للمعلمـة الجديدة لتحصل على مقابل مادي منه… معلمتنا الثانية، هي الأخرى ومن أجل التخلص من الوسط القروي تلجأ للزواج الأبيض/ زواج المصلحة دون أن تلتفت للتبعيات الأخلاقية والقانونية لهذا الفعل.

وأخيرا، نختتم بفيلم “القسم 8″، (المساند الرسمي للدخول المدرسي في نظر قناة 2M، صحيح أن بطلـة هذا الفيلم، مثلـت الأستاذ تمثيلا جيدا نلمسـه في تلك الشخصيـة المجدة المحبة لعملها، والتي تحاول التأثير قدر الإمكان إيجابا في المتعلميـن، هذا بالإضافـة إلى محاولتها الفصل بين حياتها الشخصيـة وحياتها العمليـة/ المهنية من خلال عدم السماح للأهل بالتعامل مع متعلميها تحت أي ظرف كان. غيـر أن هذه الشخصية أخفت جانبا آخر يمكن أن نعده سلبيا لما فيه من:

– العجــز عن اتخاذ إجراءات صارمـة ضد المتعلميـن المشاغبين الذين يتجاوزون كل الحدود المسموح بها، والاكتفاء دوما بترديد عبارة Un peu de silence s’il vous plait.

– معاقبـة جميع المتعلمين بالصمت العقابي وعدم تأدية الواجب المهني بسبب تلميذين مشاغبين، وهذا ما جعل أحد المتعلمين يقول: “أستاذة مالنا إلا كان واحد ولا جوج مبرزطين القسم حنا باغين نقراو” وهو أمر معقول خصوصا أنه ما من مبرر يسمح بتعميم العقاب على الجميع بسبب فئة معينة تشكل الأقلية…

لقد بات من الواضح أن الإعلام المغربي مرر لنا من خلال (الأفلام والمسلسلات) مجموعة من الصور النمطيـة السلبية عن “المدرس”، صور لا تخرج عن نطاق ما ذكرناه سابقا من: (عدم تحمل المسؤولية/ السعي وراء المال بكل الطرق المباحة وغير المباحة/ الزواج من أجل الحركة الانتقالية/ إقامة العلاقات غير الشرعية…. إلخ). ويبقـى السؤال المطروح: ما الداعي إلى تصوير المدرس بهذا الشكل؟ هل من سبب فني حقا يستدعي ذلك؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق