تلعب الدراما دورًا كبيرًا في تسليط الضوء على مختلف القضايا المجتمعية، خاصة أنها قادرة على نقل الأحداث والمواقف والقضايا التي تشغل اهتمام وسائل الإعلام ، من البيئة الاجتماعية إلى شاشات التليفزيون وتجسيدها أمام الجمهور بكل تفاصيلها وتقديم الحلول الناجعة لها.
وتمارس الدراما التليفزيونية عملية النقد الاجتماعي وتطرح القضايا بأساليب مختلفة من المعالجات الإبداعية، ومن بين هذه القضايا ظاهرة "التنمر" التي باتت من أخطر الظواهر المؤثرة على تماسك المجتمع وبنيته الأساسية لاسيما بين الشباب والأطفال .
وقد رصدت العديد من الأعمال الفنية هذه الظاهرة ، مسلطة الضوء على مختلف أشكال سلوكيات التنمر وأثرها السلبي على الفرد والمجتمع.
وبينما تناول كل هذه الأعمال قصصا تحفيزية تُبرز أهمية المواجهة الجماعية للتنمر ، وكانت هناك محاولة جادة وواضحة من صناع الدراما لإيجاد حل لهذه المشكلة إما بعرض كيفية وطريقة التعامل معها أو إعطاء نصائح غير مباشرة للمشاهد، تم توجيه أصابع الاتهام إلى بعض الأعمال الأخرى بأنها تمارس أفعالًا ربما ترتقي لمستوى التنمر حتى وإن كاد دون قصد .
ومن بين الأعمال الدرامية التي تناولت التنمر وحذرت من خطورته ، مسلسل "إلا أنا" الذي سلط الضوء على ظاهرة التنمر من خلال حكاياته المنفصلة التي تكونت من 5 حلقات لكل حكاية، كما تناول مسلسل "زي القمر" قضية التنمر من خلال إبراز معاناة شابة لديها "وحمة" كبيرة في وجهها، وما تتعرض له من مضايقات وتنمر .
وسلط مسلسل "جمع سالم" الضوء على التنمر بأشكاله سواء التنمر في العمل أو الشارع أو المدرسة أو التنمر الطبقي.
على الجانب الآخر ، وعلى سبيل المثال لا الحصر، واجه الموسم الثاني لمسلسل "أشغال شقة جدًا" حملة انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، واتهامات لفريق العمل بالعنصرية والتنمر على ذوي البشرة السمراء الممتلئين، حيث شهدت الحلقات الأولى من المسلسل الذي يعرض حاليا في السباق الرمضاني ، استعانة أسرة الدكتور حمدي، "هشام ماجد"، وزوجته ياسمين، "أسماء جلال"، بخادمة من نيجيريا تدعى "مدينة"، لعبت دورها الفنانة السودانية "إسلام مبارك"، والتي اتسمت بالقوة المفرطة والشراهة الكبيرة في تناول الطعام، وهو ما أثار غضب كثيرين مما اعتبروا أن هذا الأمر يأتي في إطار السخرية المستمرة من أصحاب البشرة السمراء بالدراما، واختيار لهم مهنة "الخدم" أو "البوابين" للتقليل منهم، والتأكيد على الصورة النمطية التي يصر عليها بعض صناع الأعمال الفنية .
في المقابل ، دافع البعض عن "إسلام مبارك" وفريق عمل المسلسل، انطلاقًا من أن الدور الذي لعبته كان مقبولا، وأنها كانت تؤدي مهنة محترمة شريفة، وكانت تمارس مهام عملها على أكمل وجه، وأن الأبطال لم يسخروا من لونها، ولكن كانوا يهابون قوتها المفرطة ، وتم عرض ذلك في إطار كوميدي دون انتقاص منها .
وأجمع نخبة من النقاد في أحاديث منفصلة لوكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ) على أهمية الدور الذي تلعبه الدراما في التوعية بالمشاكل والظواهر الاجتماعية الخطيرة ومنها التنمر، وحقوق المرأة، والمشاكل الزوجية، مؤكدين أن الدراما نجحت في نقل مشاكل المجتمع وتحدياته على الشاشة، مع العمل على تعزيز القيم الإيجابية والأخلاقية، ومواجهة الظواهر السلبية في المجتمع المصري.
فمن جانبه، أكد الناقد الفني طارق الشناوي أن الدراما تلعب دورًا رئيسيًا في تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية الشائكة ، مشيرا إلى أن أي عمل فني حقق نجاحا وظل حاضرا في أذهان الجمهور عبر التاريخ، كان يتناول قضية تمس الواقع وتلامس احتياجات الناس.
وأوضح الشناوي أن الدراما دائما ما تتناول قضايا مجتمعية ، وعلى رأسها قضايا التنمر والمرأة، والطفولة.. لكنه شدد على أهمية المعالجة الدرامية، موضحًا أن الحكم على الأعمال لا يكون فقط من خلال العناوين الجذابة، وإنما عبر طريقة تنفيذها وتقديمها على الشاشة .
بدورها ، ترى الناقدة الفنية ماجدة موريس أن تناول القضايا الاجتماعية في الدراما يمثل انعكاسًا لتغيرات المجتمع وتحولاته الفكرية والثقافية، مؤكدة أن الدراما ليست مجرد وسيلة ترفيهية، بل هي أداة مؤثرة في تشكيل الوعي الجماهيري لأنها تناقش ظواهر اجتماعية يعاني منها الناس.
وأشارت إلى أن المسلسلات التي تطرقت في بعض مشاهدها إلى ظاهرة التنمر استطاعت أن توصل رسالة مهمة للمجتمع، وهذه النوعية من المسلسلات يجب الاهتمام بها بشكل أكبر، قائلة يجب أن نقدم دراما تعبر حقيقة عن أزمات المجتمع التي نعيش فيه مثل أزمة «المرأة أو حقوقها، والتنمر، والتعليم وغيرها".
وأضافت موريس: لا يصح تقديم أي عمل درامي، دون أن يحمل رسائل مهمة تناقش قضايا المجتمع، ويوجد كثير من هذه المسلسلات استطاعت أن تفتح الأعين على القضايا الإنسانية، ومن يقدم هذه المسلسلات يجب أن يتمتع بعنصر مهم، وهو القصة والسيناريو الجيد، وإخراج قادر على ترجمة هذه الأفكار إلى مشاهد مؤثرة بعيدا عن التناول السطحي ، ومن المفترض أن ما نشكو منه فى حياتنا لابد أن تناقشه الدراما الاجتماعية.
وأوضحت أن الاتجاه نحو مناقشة القضايا الاجتماعية في دراما رمضان يمثل خطوة جريئة تعكس تطورًا في المحتوى الدرامي، لكنه في الوقت ذاته يضع صناع هذه الأعمال أمام مسؤولية كبيرة، فالرهان لا يكمن فقط في نوعية القضايا الاجتماعية، وإنما في تقديم معالجة درامية توازن بين الإقناع الفني والرسالة التوعوية.
وتتفق معها في الرأي الناقدة حنان شومان، التي قالت إن للدراما دورًا كبيرًا في مكافحة الظواهر الاجتماعية السلبية وفي مقدمتها التنمر، لأنها تعكس ما يدور في المجتمع وعندما تكون رسالة العمل الدرامي صادقة ومسؤولة فإنه يمكنه ليس فقط توعية الناس بخطورة التنمر بل تحفيزهم على مواجهته بكل قوة.
وأضافت أن المسلسلات التي ناقشت قضايا التنمر استطاعت أن تمس مشاكل المجتمع، لكن يجب ألا نحمل الدراما أو السينما كل خطايا المجتمع، ولابد من التصدي للمشكلة من جذورها بالإضافة إلى المعالجة الدرامية حتى نقضي على المشاكل المجتمعية.
وختمت شومان قائلة :"الدراما مرآة تعكس واقعنا، وقوة ناعمة ساهمت بدور فعال في تحقيق مناخ صحي للمجتمع وتقديم قضايا ومحاولة معالجتها، فالدراما سلاح قوي جدًا لمحاولة إيجاد حلول لمشكلاتنا وقضايانا المختلفة".
0 تعليق