
في الوقت الذي يحتاج فيه المواطن المغربي أن يفهم مبررات العديد من القرارات المؤلمة التي كان لها وقع كبير على المعاش اليومي، في الوقت الذي يحتاج فيه الرأي العام أن يشاهد الفاعل الحكومي والسياسي على المحك في الإعلام العمومي من خلال برامج سياسية يكون فيها صناع القرار ضيوفا في حضرة الإعلام العمومي، وبحضور صحفيين من منابر إعلامية يشاركون في طرح الأسئلة، يبدو حال الإعلام العمومي بدوره يعاني من شدة البرود السياسي الذي أضحى واقعا ملموسا مع الحكومة الحالية، بما يجعل المشهد السياسي يتسم بحالة من البياض والصمت على الرغم من سخونة العديد من الملفات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي وكأن الحال لا يدعو أن يكون رئيس الحكومة ضيفا خاصا على الإعلام العمومي، وكأن الحال لا يدعو أن يكون الوزراء وصناع الشأن العام ورؤساء الجهات موضوع حوارات صحفية من العيار الثقيل، وربما يكون تهربا أيضا من الفاعل الحكومي والسياسي أن يكون ضيفا في مواجهة الملايين من المتابعين ويخافون السقوط على المباشر لأن الكثير منهم يحبذ أن يكون ضيفا على المقاس عوض أن يكون في مواجهة إعلامية مفتوحة على أسئلة الصحافة وحضور الضيوف.
وفي الوقت ذاته أطرح سؤالا كيف لمبادرة مدنية مثل “حوارات مؤسسة الفقيه التطواني” التي استطاعت أن تستضيف أسبوعيا فعاليات سياسية وحكومية وبرلمانية وفكرية، وبحضور الضيوف ومنابر إعلامية متعددة، وهو ما يجعلنا نستحضر جانب من المقارنة بين الاعلام العمومي بالماضي والحاضر، هل كان هامش الحرية أكثر هو ما جعل البرامج السياسية المباشرة تعرف هامشا كبيرا في النقاش، أم هي حالة من الانسداد جعلت الإعلام العمومي يقفل قوس هذه البرامج إلى إشعار آخر.
هذا الغياب يثير تساؤلات حول أسباب تراجع هذه البرامج، التي كانت في الماضي تحظى بمتابعة واسعة وتأثير كبير، مثل برنامج “في الواجهة” الذي كانت تديره الصحفية مليكة ملاك باقتدار كبير رحمة الله عليها، و”ضيف وحوار” الذي كان ينشطه الصحفي المقتدر مصطفى العلوي و”مباشرة معكم” كان ينشطه الصحفي المتميز جامع كولحسن وبحضور الضيوف، برنامج قضايا وآراء الذي كان من تنشيط الصحفي المتميز عبد الرحمان العدوي، و”ضيف الأولى” الذي كان ينشطه الصحفي محمد التيجيني من طينة الجيل الجديد.
إن نجاح “مؤسسة الفقيه التطواني” باعتبارها مؤسسة مدنية استطاعت خلق فضاء للحوار الجاد والمسؤول، من خلال استضافة شخصيات من مختلف المجالات، مع إتاحة الفرصة للصحفيين والمنابر الإعلامية لتغطية هذه اللقاءات. يطرح ذلك تساؤلات حول قدرة الإعلام العمومي على استعادة دوره في تنظيم هذه الحوارات، خاصة في ظل تعطش الرأي العام لسماع آراء صناع القرار في عدة من الملفات الحارقة ذات الطابع الاستعجالي والمستقبلي. إن غياب النقاشات السياسية في الإعلام العمومي بالشكل الذي كانت عليه في الحكومات السابقة يطرح تساؤلات حول قدرته على الاستمرار في دينامية هذه الحوارات. هل هو عجز عن استقطاب صناع القرار، أم خوف من طرح الأسئلة الحارقة التي تهم الرأي العام؟، أم أن الإعلام العمومي أضحى محكوما بهوامش القطع مع هذه الطينة من البرامج المباشرة وما يكشف حجم البياض في إبداع برامج مباشرة بالإعلام العمومي، إلى جانب صمت ملحوظ للفاعل الحكومي هذا الصمت يثير تساؤلات حول ما إذا كان خوفا من المساءلة وغياب الشجاعة والكفاءة السياسية أم رغبة في تجنب النقاشات التي قد تكشف عن جوانب غير مريحة في السياسات الحكومية أو جمود دور المعارضة.
النشرة الإخبارية
اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا
اشترك
يرجى التحقق من البريد الإلكتروني
لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.
لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.
0 تعليق