تواجه غزة أزمة إنسانية غير مسبوقة بعد قرار إسرائيل قطع الكهرباء عن محطات تحلية المياه، مما أدى إلى تفاقم أزمة المياه الصالحة للشرب التي كانت تعاني منها المدينة منذ بداية الحرب. هذا القرار لم يأتِ في فراغ، بل هو جزء من سياسة الحصار المشدد التي تفرضها إسرائيل على القطاع، والتي باتت تدفع السكان إلى حافة الكارثة.
المياه في غزة.. من أزمة مزمنة إلى كارثة وشيكة
لطالما كانت مشكلة المياه في غزة معضلة مستمرة بسبب شح الموارد وتلوث المياه الجوفية، لكن الحرب الأخيرة فاقمت الوضع إلى مستويات كارثية. ومع بداية العمليات العسكرية في أكتوبر 2023، قطعت إسرائيل كامل خطوط الكهرباء التي كانت تغذي القطاع وعددها 12 خطًا بقدرة 130 ميغاواط، ما تسبب في توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل، وبالتالي تعطل محطات تحلية المياه، التي تعد المصدر الأساسي لمياه الشرب في غزة.
ورغم أن إسرائيل سمحت بعد أشهر من الحرب بإعادة توصيل الكهرباء لعدد محدود من محطات التحلية، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لتغطية احتياجات السكان. ومع القرار الأخير بقطع الكهرباء مجددًا عن المحطات، عاد القطاع إلى وضع أشد سوءًا مما كان عليه في بداية الحرب، حيث بات الحصول على المياه النظيفة أمرًا شبه مستحيل لمئات الآلاف من السكان.
عطش وخوف.. سكان غزة يعانون من نقص المياه
يجد أحمد خليل، أحد سكان غزة، صعوبة بالغة في تأمين ما يكفي من المياه لعائلته، حيث أصبح تقنين استخدام المياه الصالحة للشرب أمرًا ضروريًا بسبب انخفاض إنتاج المحطات وتقلص الكميات التي تصل إلى الأحياء السكنية ومراكز الإيواء.
ويقول خليل: "منذ بداية الحرب ونحن نواجه معاناة شديدة في تأمين المياه، والآن، بعد قرار إسرائيل الأخير، أصبح الوضع لا يُحتمل. أخشى أن يأتي يوم لا أجد فيه قطرة ماء نظيفة لأطفالي".
أما سهيل قزعاط، وهو أحد العاملين في نقل المياه المحلاة، فيؤكد أن الطلب ارتفع بشكل كبير، لكن الكميات المتاحة انخفضت إلى أقل من الربع، مما تسبب في زيادة كبيرة في الأسعار، حيث بات الحصول على كوب ماء صالح للشرب مكلفًا للغاية، في حين توقفت المحطات الصغيرة عن العمل بسبب غياب الكهرباء والوقود.
المخاطر الصحية تتفاقم.. أمراض وأوبئة تهدد السكان
حذرت وزارة الصحة في غزة من التداعيات الصحية الخطيرة لنقص المياه النظيفة، مشيرة إلى ارتفاع معدلات الأمراض المعدية، مثل التهاب الكبد الوبائي، والتسمم الغذائي، وأمراض الجهاز الهضمي، نتيجة استخدام مياه غير نظيفة.
وأكد المتحدث باسم الوزارة، خليل الدقران، أن عدم توفر المياه الصحية سيزيد من تفشي الأمراض الوبائية، خصوصًا بين النازحين الذين يعيشون في ظروف صحية متردية داخل مراكز الإيواء.
وأضاف الدقران: "التقارير الدولية لطالما أكدت أن 96% من مياه غزة غير صالحة للشرب، والآن، مع توقف محطات التحلية، بات الوضع أكثر خطورة. إذا لم يتحرك المجتمع الدولي، فإن غزة قد تتحول قريبًا إلى منطقة موبوءة".
انهيار البنية التحتية.. قطاع المياه في غزة يلفظ أنفاسه الأخيرة
بحسب تقرير حديث لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، فإن إجمالي حجم المياه المتوفرة في غزة اليوم لا يتجاوز 10 إلى 20% من حجم المياه التي كانت متاحة قبل الحرب.
كما أشار التقرير إلى أن 4% فقط من سكان غزة كانوا قادرين على الوصول إلى مياه آمنة قبل الحرب، أما الآن، فإن النسبة تكاد تكون صفرًا، ما يجعل السكان يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الدولية، التي تتضاءل مع استمرار الحصار.
0 تعليق