على خطى الحلاج..

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

(في معنى أن يكون الشعر امرأة جميلة..)

“كنت أمشي خلف الحلاج في سكك البيضاء، فوقع ظل شخص من بعض السطوح عليه. فرفع الحلاج رأسه فوق بصره على امرأة حسناء، فالتفت إلي وقال: سترى وبال هذا علي ولو بعد حين..” ـ رفيق الحلاج أبي ذر البيضاوي.

في معنى أن يكون الشعر حالة نفسية، لا تستعيد أثرها القيمي في الكينونة والوجدان، دون معرفة كامنة بالشريك الحاضر بالوعي والضرورة الاعتبارية؟

لا يحتمل السؤال أكثر من وازع مفرد، يتجسد هذا الإدراك الحتمي الإنساني. هو نفسه الذي يجمعنا اليوم، وعلى أكثر من تأويل، ليبرر هذا الإلباس الايتيقي الجائل بين دروب الزمن ومتاهاته، ويحول المفكر فيه إلى واقع أدبي قائم الذات، أثر مفارق في الصيرورة النووية للرحم والدم والشعور بالانتماء للقلب الواحد والمصير الواحد.

لا توجد حياة دون رفيق/ رفيقة درب. ولا يوجد يوم نتنفسه، أو فجر ننتظر قدومه، أو قابلية للأشياء، مهما صغرت، دون أن نتعب قليلا في البحث عن ملاذ خاص وحضن استثنائي. هذه قيمة فوق العادة، لا نستثمرها فقط لنبوح بمكونها. بل هي طبيعة أقوى من أي مرتكز تدبيري لمدارة العمر وحصاده المفترض.

بيد أن انبعاث طاقة هذا الامتداد العاطفي، لا تستسيغه التجردات الهاوية، أو الانتقالات غير المبنية على تقييد الهواجس وتحويلها إلى انفعالات بديلة وإيجابية إلى حد ما. فالخلفية الثقافية والاجتماعية للعلاقة الزوجية، تؤثر بشكل كبير في مستقبل ذاك الأفق، وتلك المراهنة على افتئات الممكن وسردياته.

أن تكون هي ظلك المنبعث من روحك، الخيال المجنح الذي يقيك من أرياح السقوط، العطر الذي يأوي إلى فنارك، فينشر السعادة بين الأضلع والأسماء المديدة. هو شيء مختلف تماما، كما لو أنك تولد لمرة أخرى، دون أن يكسبك ذلك لذاذة هاربة أو نذرا لإعالة جديدة مقنعة أو غامضة.

عندما تكون أنت هو هي، بالمعنى الفيزيقي للكلمة، يصبح الفعل الوجودي هنا، بابا مفتونا بالتجلي، وما يرائيه عن كل ما يعاين. لا يقاس بقياس الإحساس الآني، ولا يشاهد بالقلب المجرد. فهو أشعر من شعر الأشياء المقولة، وأنور من نور الأمداء المقدورة، وأبلغ من بلاغة ثراء السنين والتجارب والأتون الثاوية.

فمن يصف خليلته بما أوحى له شعره، فلن يسع العقل أن ينطق إلا بما وعا في لحظة الانكتاب. فأنت أجرأ بالقول حينها، دونا عن الأعماق العميقة والأنساق السحيقة. فهل يكون ما بينك وبين شاعرتك، مجرد تحويم أو تعالق أو اقتراب أو تصميم ظرفي؟

لا يقوم هذا المعنى، دونا عن التمدد في البدل الفكري والوجداني، ودونا عن التفرد بأخلاق العيش أو نثر الأخلاق. على أن ذلك أيضا، لا يستحضر سوى بضعة من نتف وشتات، لا تختزل أدنى ارتقاء أو سلوك أو مماحكة استعارية.

ولكي أكون قديرا بهذا التماثل، أقول قول الحلاج في الحب، مهما اقتربت مناطاتهما أو اختلفت لا ضير: “كلمتان جرتا في الأبد كما جرتا في الأزل”. فالذي يوتر حبلهما ويشدده عبورهما في نفس المدى والامتداد. أبد يلزمه أزل، وأزل يتغذى على زخم صيرورة أبد منتظم ومكرس لطبيعة التكوين والتشكل.

إن فكرة الاحتفاء بهذا النوع من الإبداع الإنساني، بين روحين يحملان هما وبحثا مضنيا عن المغزى الحقيقي لأسئلة الحياة والوجود، هو حفر في ماهية لغة مغايرة، لغة تبحث عن خطاياها، بقوة التجريد المستباح، الخيال السادر المندس تحت قهرية حياة ذاعرة مرعبة، فلا شيء آخر غير الواقعي يدعو إلى تقمص أشيائنا الهاربة، المنتفضة من ركام السخافات واللاجدوى، وأيضًا التماثل المفضي إلى اكتناه حقيقة ذواتنا. بعبارة أخرى، بدون وجود مادي لمدركاتنا الموصومة الزائلة، لنتمكن من فهم علاقتنا بشريكة الحياة، التي هي في طبيعتها قصيدة شعرية، أرجوحة لمزهرية تتمرس على نشدان الجمال والبهاء والأثر الطيب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق