اقرأ في هذا المقال
- • الهند تعتمد بشكل كبير على النفط الخام والمنتجات البترولية والفحم والأسمدة والموارد المعدنية الروسية.
- • روسيا لجأت بشكل متزايد إلى العملات المشفرة للالتفاف على العقوبات الغربية.
- • مشترو النفط الروس في الهند يُحوّلون مدفوعاتهم بالروبية أو اليوان إلى حسابات خارجية.
- • بكين قلّصت مؤخرًا مشترياتها من النفط الروسي بسبب تزايد ضغوط العقوبات الأميركية.
تصطدم صادرات الطاقة الروسية إلى الهند بأسعار مخفضة بعقبة تحويل الروبية إلى الخارج، ويعود ذلك إلى العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا.
في المقابل، شهدت العلاقات الاقتصادية بين روسيا والهند تحولًا جذريًا خلال السنوات الـ5 الماضية.
وكان الميزان التجاري بين البلدين مستقرًا نسبيًا، مع احتفاظ روسيا بفائض معتدل، قبل التحولات الجيوسياسية العالمية الناجمة عن العقوبات الغربية على موسكو.
بين عامي 2020 و2024، ارتفع الفائض بشكل كبير من 2.34 مليار دولار إلى 60.8 مليار دولار، وهو رقم غير مسبوق، مدفوعًا بشكل رئيس بزيادة صادرات الطاقة الروسية إلى الهند بأسعار مخفضة.
عقبة مالية كبيرة
على الرغم من أن هذا التوسع التجاري يشير إلى شراكة اقتصادية أعمق بين البلدين؛ فإنه خلق عقبة مالية كبيرة.
ولا تزال مليارات الروبيات من عائدات صادرات الطاقة الروسية عالقة في البنوك الهندية بسبب تعذّر تحويل العملة الهندية.
ويُشكل هذا الوضع تحديًا كبيرًا لموسكو، ويُعقّد مناورات الهند الجيوسياسية، وله تداعيات أوسع نطاقًا على الأنظمة المالية العالمية، ولا سيما في سياق التخلي عن الدولرة وظهور آليات دفع بديلة مثل العملات المشفرة.

الفائض التجاري: تحليل الأرقام
من عام 2020 إلى عام 2024، ارتفعت صادرات الطاقة الروسية إلى الهند بمقدار 11.3 مرة من حيث القيمة، كما لم ترتفع الصادرات الهندية إلى روسيا إلا بمقدار 1.4 مرة.
وينشأ هذا الاختلال من اعتماد الهند الكبير على النفط والمنتجات النفطية والفحم والأسمدة والموارد المعدنية الروسية.
وعلى عكس تدفقات التجارة قبل عام 2022، التي كانت متوازنة نسبيًا، فقد أدى ارتفاع صادرات الطاقة الروسية إلى تحقيق موسكو فائضًا تجاريًا هائلًا.
نمو فائض التجارة السنوي:
- 2020: 2.34 مليار دولار.
- 2021: 4.70 مليار دولار.
- 2022: 32 مليار دولار.
- 2023: 56 مليار دولار.
- 2024: 60.8 مليار دولار.
وحقق المصدرون الروس إيرادات هائلة، إلا أن جزءًا كبيرًا من هذه الإيرادات مُقوّم بالروبية، وهي عملة غير قابلة للتحويل ولا يمكن استبدالها بحرية والاعتماد على الدولار الأميركي أو اليورو أو حتى الروبل الروسي.
وبحلول منتصف عام 2023، أشارت التقارير إلى تراكم ما يصل إلى مليار دولار من الروبية شهريًا في الحسابات المصرفية الروسية في الهند.
وفي أغسطس/آب 2023، قدرت رويترز أن إجمالي قيمة الروبية العالقة في البنوك الهندية قد بلغ 39 مليار دولار.
فخ الروبية.. لا تستطيع روسيا تحويل أرباحها
على عكس العملات القابلة للتحويل بحرية، مثل الدولار الأميركي أو اليورو، تُصنف الروبية الهندية عملةً قابلة للتحويل جزئيًا؛ ما يعني صعوبة استبدالها أو تحويلها إلى الخارج دون موافقات تنظيمية محددة.
وقد أدى ذلك إلى حالة يتلقى فيها المصدرون الروس مدفوعاتهم بالروبية، لكنهم يواجهون صعوبة في تحويل هذه الأموال أو استعمالها بفاعلية.
المشكلات الرئيسة المتعلقة بتراكم الروبية:
أولًا: عدم قابلية التحويل: الروبية الهندية غير قابلة للتداول بحرية في الأسواق الدولية؛ ما يمنع روسيا من استبدالها والاعتماد على عملات أخرى.
ثانيًا: قيود السوق الهندية: حتى لو أرادت روسيا استعمال الروبية لشراء السلع الهندية؛ فإن إمدادات الصادرات الهندية عالية القيمة التي تحتاج إليها موسكو (مثل التكنولوجيا، المعدات الصناعية، الأدوية) لا تزال غير كافية.
ثالثًا: مخاطر العقوبات: تُحجم الشركات الهندية عن زيادة صادراتها إلى روسيا خوفًا من عقوبات ثانوية من الغرب، ما يحدّ أكثر من قدرة موسكو على استعمال احتياطياتها من الروبية.
رابعًا: انخفاض أحجام الواردات: من الناحية المادية، ظلّت الصادرات الهندية إلى روسيا راكدة أو انخفضت؛ ما أدى إلى تفاقم اختلال الميزان التجاري.

روسيا تبحث عن حل
تستكشف موسكو سبلًا متعددة لتجاوز هذه العقبة المالية، بدءًا من زيادة الصادرات الهندية وصولًا إلى الاستثمار في الاقتصاد الهندي باستعمال الروبية المتراكمة.
وحثّت روسيا الهند مرارًا وتكرارًا على زيادة صادراتها، مُجادلةً بإمكان استعمال الروبية المتراكمة لشراء السلع الهندية، إلا أن هذه المبادرة باءت بالفشل إلى حد كبير؛ لسببين رئيسين:
- تُفضّل الشركات الهندية الدفع بالعملات الصعبة (الدولار الأميركي، اليورو) بدلًا من الروبية.
- تفتقر الهند إلى قاعدة صناعية تُضاهي حجم الطلب الروسي على الواردات الأساسية.
الاستثمارات المباشرة في الهند
أحد الحلول المقترحة هو استعمال احتياطيات الروبية لتمويل الاستثمارات الروسية في الهند.
في عام 2023، أفادت وسائل الإعلام الهندية بأن روسيا تمكّنت، على ما يبدو، من "تحرير" أرباحها من الروبية من خلال الاستثمار في الاقتصاد الهندي.
وفي الوقت نفسه، تُشير تقارير متضاربة إلى أن هذه الاستثمارات كانت ضئيلة.
في مايو/أيار 2023، أقرّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأن موسكو قد جمعت مليارات الروبيات في البنوك الهندية، وأنها تدرس خيارات استثمارية.
وأفادت وزارة التجارة والصناعة الهندية بأن الاستثمارات الروسية في القطاعات الهندية الإستراتيجية بلغت 1.26 مليار دولار فقط، وهو رقم صغير نسبيًا مقارنةً بالفائض المُعلن.
من ناحيته، زعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لاحقًا أن شركة روسنفط الروسية (Rosneft) استثمرت 20 مليار دولار في الهند باستعمال الروبية، لكن هذا الادعاء يفتقر إلى تأكيد مستقل.
وأُفيد باستثمارات سابقة، مثل استحواذ روسنفط على شركة نايارا إنرجي (Nayara Energy) بقيمة 23 مليار دولار في عام 2017، لكن هذه المعاملات حدثت قبل وقت طويل من تعطل التدفقات المالية بسبب العقوبات الغربية.
وفي الواقع، لم تتحقق أي آلية واسعة النطاق لنشر هذه الروبيات بفاعلية.

العملات المشفرة حل مالي بديل
في ظل القيود المالية المستمرة، لجأت روسيا بشكل متزايد إلى العملات المشفرة للالتفاف على العقوبات الغربية.
وتشير التقارير إلى أن بعض شركات النفط الروسية تستعمل الآن بيتكوين وإيثريوم وعملات مستقرة (مثل تيثر Tether) لتسهيل مدفوعات صادرات النفط إلى الهند والصين.
طريقة عمل نظام الدفع بالعملات المشفرة:
- أولًا: يُحوّل مشترو النفط الروس في الهند مدفوعاتهم بالروبية أو اليوان إلى حسابات خارجية.
- ثانيًا: تُحوّل هذه الأموال إلى عملات مشفرة عبر وسطاء.
- ثالثًا: تُحوّل العملة المشفرة بعد ذلك إلى روسيا، حيث تُحوّل إلى روبل.
ومكّنت هذه الطريقة الشركات الروسية من تجنب الأنظمة المصرفية التقليدية وتجاوز القيود الغربية.
ووفقًا لرويترز، يُجري بعض تجار النفط الروس في الصين معاملات بالعملات المشفرة بقيمة عشرات ملايين الدولارات شهريًا.
ويُعدّ هذا التطور جزءًا من حركة أوسع نطاقًا لإلغاء الدولرة بين دول مجموعة البريكس+، التي تستكشف آليات تجارية قائمة على العملات الرقمية.
يتوقع بعض المحللين أن تُطلق مجموعة البريكس+ عملة رقمية مدعومة بالذهب لتحدي هيمنة الدولار على التجارة العالمية.
تغير موقف الصين ومخاطر إضافية
على الرغم من أن الهند تُعد شريكًا رئيسًا لروسيا في مجال الطاقة؛ فلا تزال الصين الحليف التجاري الأهم لموسكو.
وفي المقابل، قلّصت بكين مؤخرًا مشترياتها من النفط الروسي بسبب تزايد ضغوط العقوبات الأميركية.
- يناير/كانون الثاني 2024: علّقت شركتا النفط الصينيتان المملوكتان للدولة، سينوبك (Sinopec) وتشنهوا أويل (Zhenhua Oil)، مشترياتهما من النفط الروسي.
- فبراير/شباط 2024: خفضت بتروتشاينا (PetroChina) وسينوك (CNOOC)أحجام الواردات.
- مارس/آذار 2024: أدى انتهاء صلاحية الترخيص العام جي إل 8 (الذي سمح للشركات الأجنبية بمعالجة المدفوعات من خلال البنوك الروسية الخاضعة للعقوبات) إلى مزيد من اضطرابات الدفع.
يشير الموقف المتغير للشركات الصينية المملوكة للدولة إلى أن بكين تتوخى الحذر بشكل متزايد بشأن العقوبات الثانوية.
وهذا يزيد من الضبابية إلى اقتصاد موسكو المعتمد على صادرات الطاقة الروسية، ويعقّد وضعه المالي.
التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية
لا يُعد الجمود في مسألة الروبية بين روسيا والهند مجرد قضية اقتصادية، بل هو أحد أعراض تحولات جيوسياسية أوسع نطاقًا.
- أولًا: ضعف روسيا الاقتصادي: يُسلّط عدم قدرتها على تحويل أرباحها التجارية الضوء على عزلة روسيا المالية طويلة الأمد واعتمادها على آليات دفع غير تقليدية مثل العملات المشفرة.
- ثانيًا: التوازن في الهند: يُؤكّد إحجام الهند عن توسيع صادراتها إلى روسيا موقعها الإستراتيجي بين الغرب وموسكو. وقد يُجبر تراكم الروبية لأوقات طويلة الهند على تغيير سياساتها التجارية أو مواجهة تدقيق أكبر من جانب المؤسسات المالية الغربية.
- ثالثًا: صعود الأنظمة المالية البديلة: يُشير الاعتماد المتزايد على العملات المشفرة ومبادرات مجموعة البريكس+ لتجاوز العقوبات الغربية إلى التآكل التدريجي لهيمنة الدولار الأميركي على التجارة العالمية.
- رابعًا: الغموض الإستراتيجي الصيني: يشير موقف بكين المتغير بشأن واردات الطاقة الروسية إلى أن الصين تحافظ على نفوذها الاقتصادي على موسكو مع الامتثال لبعض القيود المالية الغربية.
الخلاصة
يُسلّط الفائض التجاري بين روسيا والهند وأزمة الروبية الضوءَ على التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي تواجه موسكو.
وعلى الرغم من تواصل الجهود لحل هذه المشكلة من خلال زيادة الصادرات الهندية والاستثمارات المباشرة ومعاملات العملات المشفرة؛ فإنه لم يظهر حتى الآن أي حل مستدام.
ونتيجة لاستمرار التوترات الجيوسياسية وتطور الأنظمة المالية العالمية، قد يُشكّل اختلال التوازن التجاري بين روسيا والهند دراسة حالة محورية في عملية إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي الجارية.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق