في تطور يعكس تداعيات التصعيد العسكري في البحر الأحمر، أفاد مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مايك والتز بأن 75% من حركة الشحن الأمريكية باتت تتجنب المرور عبر البحر الأحمر، متجهة إلى طرق بديلة عبر الساحل الجنوبي لإفريقيا.
هذه الخطوة جاءت على خلفية الهجمات التي يشنها الحوثيون ضد السفن في المنطقة، مما أدى إلى اضطراب واسع في سلاسل الإمداد والتجارة الأمريكية والدولية.
تحول في مسارات الشحن
وأوضح والتز في حديثه لشبكة "سي بي إس" أن السفن الأمريكية اضطرت إلى تغيير مساراتها لتجنب الهجمات الحوثية، مما زاد من تكاليف الشحن والوقت المستغرق للوصول إلى الأسواق العالمية.
وبدلًا من المرور عبر قناة السويس، التي تُعد أقصر طريق يربط بين آسيا وأوروبا، وجدت السفن نفسها مجبرة على اتخاذ مسار أطول حول رأس الرجاء الصالح جنوب إفريقيا.
ولم يقتصر تأثير الهجمات الحوثية على السفن الأمريكية فقط، حيث أظهرت بيانات اقتصادية أن نحو 60% من السفن المرتبطة بالاتحاد الأوروبي لجأت إلى تغيير مساراتها، مما ألقى بظلاله على الاقتصاد العالمي.
التصعيد العسكري الأمريكي وردود الفعل الحوثية
مع تصاعد التهديدات الحوثية، شنت الولايات المتحدة سلسلة من الضربات العسكرية على معاقل الحوثيين في اليمن، استهدفت قياداتهم العسكرية ومنشآتهم الصاروخية.
وأكدت واشنطن أن هذه الضربات تأتي دفاعًا عن مصالحها واستعادة حرية الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
من جانبهم، رد الحوثيون بشن هجمات على السفن الحربية الأمريكية، حيث أعلن المتحدث العسكري باسم الميليشيات، يحيى سريع، أنهم استهدفوا حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس هاري ترومان" بـ18 صاروخًا وطائرة مسيرة، معتبرًا ذلك ردًا مباشرًا على الضربات الأمريكية في اليمن.
الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الأزمة
وقد أدى التصعيد في البحر الأحمر إلى خسائر اقتصادية كبيرة، خاصة في قطاع الشحن البحري، فقد ارتفعت تكاليف التأمين على السفن العابرة للمنطقة بشكل ملحوظ، كما زادت نفقات الوقود نتيجة اضطرار السفن لسلك طرق أطول.
وتشير التقديرات إلى أن تأخير الشحنات وزيادة التكاليف الناجمة عن تغيير المسارات تسببت في خسائر بمليارات الدولارات للاقتصاد الأمريكي، فضلًا عن تأثيرها على التجارة العالمية.
وأشار تقرير للبيت الأبيض إلى أن استمرار الهجمات الحوثية منذ عام 2023 أدى إلى اضطراب دائم في التجارة البحرية، وهو ما انعكس سلبًا على الاقتصاد الأمريكي والأوروبي على حد سواء.
كما أضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منشور له على "تروث سوشيال" أن البحر الأحمر أصبح منطقة غير آمنة لعبور السفن التجارية الأمريكية، مما أثر على تدفق البضائع وأدى إلى تراجع حركة التجارة بشكل غير مسبوق.
باب المندب.. شريان اقتصادي حيوي
يعد مضيق باب المندب أحد أهم الممرات البحرية الاستراتيجية في العالم، حيث يربط البحر الأحمر بخليج عدن ويعد نقطة عبور رئيسية لنقل النفط والتجارة بين آسيا وأوروبا.
وتشير بيانات عام 2023 إلى أن متوسط تدفقات النفط عبر المضيق بلغ 8.8 مليون برميل يوميًا، إلا أن تصاعد الهجمات في 2024 أدى إلى انخفاض هذه التدفقات بنسبة 54% خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام.
تزايد الهجمات الحوثية على السفن أدى إلى إحجام العديد من الشركات الكبرى عن استخدام المضيق، ما دفعها إلى البحث عن بدائل أقل خطورة رغم ارتفاع تكاليفها.
وبحسب تقارير اقتصادية، فقد تسببت هذه الأزمة في خسارة ما يقارب 30% من القدرة الاستيعابية المعتادة لحركة الشحن في المنطقة.
ووفقا للمراقبين والخبراء، فإن الهجمات الحوثية على السفن التجارية والعسكرية تعد جزءًا من استراتيجية الجماعة لتعزيز نفوذها الإقليمي وإظهار قدرتها على التأثير في مسارات التجارة العالمية، والحوثيون يدركون أن البحر الأحمر يمثل ورقة ضغط استراتيجية، وهم يستخدمونها لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، التصعيد الأخير ليس مجرد رد فعل على الضربات الأمريكية، بل هو جزء من مخطط طويل الأمد لإعادة تشكيل ميزان القوى في المنطقة بتمويل ودعم إيراني واضح.
وتجدر الإشارة إلى أن اضطرار 75% من السفن الأميركية إلى تجنب البحر الأحمر يعكس نجاح الحوثيين في فرض معادلة جديدة، لكن هذا النجاح قد يكون مؤقتًا، لأن استمرار الهجمات سيؤدي إلى ردود فعل دولية أكثر حدة، مما قد يدفع الجماعة إلى مواجهة عسكرية أوسع مع الولايات المتحدة وحلفائها.
في تصريحات أدلى بها، أمس الاثنين، سلط مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز الضوء على الأثر البالغ للهجمات التي يشنها المتمردون الحوثيون في اليمن على الشحن البحري الأمريكي في البحر الأحمر. وقال والتز في مقابلة مع برنامج "فيس ذا نايشن" على قناة CBS: "إن 75% من سفن الشحن التي تحمل العلم الأمريكي أصبحت الآن مضطرة للالتفاف حول الطرف الجنوبي لأفريقيا بدلًا من المرور عبر قناة السويس". وأضاف أن آخر مدمرة أمريكية مرت عبر المضيق تعرضت لـ23 هجومًا، مما يعكس تصاعد التهديد في هذا الممر البحري الحيوي.
تأتي هذه التطورات في ظل هجمات مستمرة ينفذها الحوثيون المدعومون من إيران، والذين يبررون أفعالهم بالتضامن مع الفلسطينيين منذ بدء الحرب في غزة. وقد أدت هذه الهجمات إلى إجبار ثلاثة أرباع السفن الأمريكية على تجنب البحر الأحمر، مما يضطرها إلى اتخاذ مسار بديل طويل ومكلف حول رأس الرجاء الصالح جنوب أفريقيا. ووفقًا لأبحاث LSEG للشحن، فإن هذا الالتفاف قد يضاعف مدة الرحلة بين أوروبا وآسيا، ويضيف ما يقارب مليون دولار إلى تكاليف كل رحلة.
رد عسكري أمريكي متصاعد
في أولى الضربات الجوية الأمريكية ضد الحوثيين منذ تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه في يناير، أشار والتز إلى أن الولايات المتحدة نجحت في "القضاء على قيادات رئيسية للحوثيين"، بما في ذلك رئيس برنامجهم الصاروخي. واستهدفت هذه الضربات مقرات القيادة، وعقد الاتصالات، ومصانع الأسلحة، وحتى منشآت إنتاج الطائرات المسيرة فوق الماء. وفي تعليق له، انتقد والتز إدارة الرئيس السابق جو بايدن، متهمًا إياها بتنفيذ "هجمات محدودة" سمحت بإغلاق أحد أهم الممرات البحرية في العالم، بينما أكد أن إدارة ترامب اختارت نهجًا "أكثر صرامة وقوة".
من جانبهم، أعلن الحوثيون عبر "تلغرام" يوم الثلاثاء أنهم أطلقوا صواريخ وطائرات مسيرة على حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس هاري إس ترومان" في شمال البحر الأحمر، لكن تقارير NBC أكدت فشل تلك الهجمات. وفي سياق متصل، ذكر مسؤول دفاع أمريكي يوم الأحد أن القوات الأمريكية "تنفذ ضربات يومية وليلية" على مواقع الحوثيين المدعومين من إيران في عدة مناطق باليمن.
تداعيات إنسانية وسياسية
وزعم الحوثيون أن القصف الأمريكي الأخير على اليمن أودى بحياة أكثر من 50 شخصًا، مما يثير تساؤلات حول التبعات الإنسانية لهذه العمليات. في المقابل، شددت الولايات المتحدة على ضرورة استعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر. وفي هذا الإطار، أجرى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو مكالمة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث أكد "عزم إدارة ترامب على استعادة الأمن في البحر الأحمر من خلال عمليات عسكرية ضد الحوثيين"، وفقًا لبيان وزارة الخارجية الأمريكية.
وتشير هذه التطورات إلى تصاعد التوترات في منطقة البحر الأحمر، مع تداعيات اقتصادية كبيرة على التجارة العالمية، خاصة بالنسبة للشحن الأمريكي. وبينما تتخذ الولايات المتحدة موقفًا أكثر حزمًا تجاه الحوثيين، يبقى السؤال حول مدى فعالية هذه الاستراتيجية في استعادة الاستقرار في أحد أكثر الممرات البحرية أهمية في العالم، وسط تعقيدات سياسية وإنسانية متزايدة.
0 تعليق