غذّى التعيين الملكي لحسن طارق، السفير السابق للمملكة المغربية في تونس، على رأس مؤسسة دستورية “وسيط المملكة المغربية” احتمالات رائجة، مؤخرا، عن “مؤشرات متواترة عن أزمة صامتة” بين البلدين المغاربييْن، خاصة في سياقات تلتْ خطوة الغضب المغربي من تخصيص الرئيس التونسي قيس سعيّد لاستقبال رسمي لزعيم جبهة “البوليساريو” الانفصالية.
وبينما تتجه علاقات الرباط مع “تونس قيس سعيد” إلى حالة من تعقّد “الوضع القائم” وسط استمرار جمودٍ يشارف دخول عامه الثالث، أكد متابعون لدينامية العلاقات المغاربية وأكاديميون في العلاقات الدولية أن “شغور منصب السفير المغربي في تونس لفترة طويلة لا يخلو من دلالات عاكسة لمسار الجمود الدبلوماسي بين المغرب وتونس”، خاصة في ظل التحيز المكشوف للموقف الرئيسي لساكن “قصر قرطاج” نحو الجزائر.
وبمناسبة “20 مارس” المصادف لذكرى عيد استقلال تونس، بدا لافتا غياب برقية التهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيسها سعيد؛ ما أذكى قراءات كثيرة متعددة المسارات غير أنها تَقتسم “مؤشرات توتر متواتر وممتد”.
“غياب الجدوى وحذر مغربي”
هشام معتضد، محلل الشؤون الاستراتيجية باحث في العلاقات الدولية، قرأ في هذه الخطوة أنها “ليست مجرد إجراء دبلوماسي اعتيادي، بل قد تكون مؤشرا واضحا على أن المغرب لا يرى في الوقت الراهن أي جدوى من إعادة ملء هذا المنصب”؛ وهو ما يمكن اعتباره، وفقه، “تعبيرا غير مباشر عن استمرار الأزمة في العلاقات الثنائية”.
وفي تقدير الباحث ذاته، ضمن إفادات قدمها لهسبريس، فإن “هذا الجمود يعكس -على الأغلب- تقييما مغربيا متريّثا للوضع التونسي، خصوصا في ظل التحولات السياسية التي شهدتها منذ وصول قيس سعيد إلى السلطة. فمنذ ذلك الحين، أصبحت تونس أكثر انخراطا في الأجندات الإقليمية التي تخدم أطرافا أخرى، وعلى رأسها الجزائر؛ ما جعل سياستها الخارجية تتسم بغياب التوازن الذي كان يميزها تاريخيا”.
وزاد معتضد: “هذا التوجه التونسي قد يفسّر الحذر المغربي، خاصة أن العلاقات بين الجزائر والرباط تمر بمرحلة تصعيد غير مسبوق”؛ وبالتالي، فإن “غياب السفير المغربي عن تونس ليس مجرد مسألة دبلوماسية تقنية، بل هو جزء من قراءة استراتيجية أشمل للمشهد السياسي المغاربي”، أضاف المتحدث ذاته الذي لفت إلى أن “المغرب، الذي يعتمد سياسة خارجية تقوم على الوضوح والندية، قد يكون أرسل رسالة مفادها أن إعادة تقييم العلاقات مع تونس مرهونة بتغيير حقيقي في موقفها الإقليمي، خاصة فيما يتعلق بملفات تتقاطع مباشرة مع المصالح المغربية، سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو داخل المنظمات الإقليمية”.
وحسب المصرح، فـ”الوضع الراهن statu quo يعكس فقدان تونس لاستقلالية قرارها السياسي، حيث أصبحت متأثرة بشكل كبير بالتحولات التي تشهدها الجزائر داخليا وإقليميا؛ وهو الذي لم يعد يقتصر على الخطاب السياسي التونسي فقط، بل أصبح يمتد إلى مواقفها في المحافل الدولية، بشكل ظهر جليا في بعض المواقف الأخيرة التي اعتُبرت غير ودية تجاه المغرب. وبالتالي، فإن المغرب قد يكون اختار نهج سياسة “الانتظار الاستراتيجي”، بدلا من التسرع في اتخاذ قرارات قد لا تؤدي إلى تغيير فعلي في توجهات تونس”.
مرحلة “إعادة تشكّل”
من منظور أوسع، سجل معتضد أن العلاقات المغربية التونسية “تمُر بمرحلة إعادة تشكل، حيث لم يعد بالإمكان الحديث عن تقارب طبيعي في ظل التباعد الكبير في الخيارات السياسية والاستراتيجية بين البلدين”.
واسترسل الباحث في العلاقات الدولية مفسرا: “فالمغرب تبنى خلال السنوات الأخيرة مقاربة دبلوماسية قائمة على تنويع الشراكات الإقليمية والدولية، بينما اتجهت تونس نحو انغلاق سياسي ودبلوماسي جعلها أقرب إلى محور يتعارض مع المصالح المغربية. وعليه، فإن استمرار الجمود قد يكون أداة ضغط غير مباشرة، لإبراز أن إعادة ضبط العلاقات لن تكون ممكنة إلا إذا استعادت تونس توازنها الاستراتيجي”.
حسب تحليله للوضع، خلص المتحدث لهسبريس إلى “اعتماد المغرب سياسة ‘البراغماتية الصامتة’ تجاه تونس، عبر تجنب أي تصعيد مباشر؛ لكنه في الوقت نفسه لا يمنح إشارات إيجابية توحي بانفراج قريب”، مبرزا أن “هذا يعني أن مستقبل العلاقات بين البلدين سيظل مرتبطا إلى حد كبير بتطورات المشهد التونسي الداخلي، ومدى قدرة تونس على استعادة استقلالية قرارها السياسي بعيدا عن أية تأثيرات خارجية تحدّ من قدرتها على بناء علاقات متوازنة مع شركائها الإقليميين”، بتعبيره.
جهود إصلاحية
من جهته، أورد خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول ـ وجدة، أن “المغرب لم يكن لِيتسبب في أيّ جمود دبلوماسي مع تونس؛ فهو كدولة لها سيادة لا يمكن أن يقبل تصرفا نابعا من دولة، كانت دائما في مستوى من النباهة ومستوى من اليقين ومستوى من العقلانية التي خولت لها أن تبقى في درجة الحياد الذي من خلاله تستطيع أن تشكل شريكا أساسيا للمغرب على مستويات متعددة (اقتصادية وتجارية ومالية وإنسانية وثقافية وحضارية عموما)”.
وشدد شيات، مصرحا لهسبريس، على أن “المغرب لم يسْعَ إلى الجمود وتوتر العلاقة”، مستدعيا سياقات “استضافة تونس رسميا لزعيم جبهة انفصالية هو الفعل الذي أثارت به استفزاز المغرب”.
وزاد الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية شارحا: “الذي أدّى إلى هذا الوضع هو فِعل من طرف الحكومة التونسية. ما يقابله هو أن يكون هناك إمكانية لإصلاح هذا الوضع، بدرجات مختلفة ومتفاوتة؛ غير أن مثل تلك الأفعال هي أنواع من الاعتراف الضمني… وهي مستفزة جدا بالنسبة للمغرب، ومسألة وجودية له”.
ورصد المتحدث ذاته أيضا “تأثر العلاقات الاقتصادية والثقافية بين البلدين” نتيجة هذه الأزمة التي قاربت الثلاث سنوات؛ لأن “تونس تتبَع سياسة تُعزز تَبعيَّتها للجزائر، مما يعقد موقفها من قضية الصحراء، فيما يطالب المغرب بتصريح واضح من تونس يعترف بمغربية الصحراء”.
كما استحضر أن “هناك جهودا لتحسين العلاقات تحتاج إلى خطوات إصلاحية واضحة من تونس”، لافتا إلى أن “تونس شاركت في محاولات لتعزيز التعاون الإقليمي بعيدا عن المغرب؛ ما يجعل حالة التوتر الدبلوماسي مستمرة طالما لم تتخذ تونس خطوات واضحة للخروج من تبعيتها للجزائر”، وفق شيات، الذي ختم بأن “قرار تحسين العلاقات بأيدي التونسيين من خلال تحديد موقف واضح ومستقل”.
0 تعليق