الأقليات المسلمة.. تُعد قضايا الأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية من أكثر المسائل التي تحتاج إلى اجتهاد فقهي مستنير، نظرًا للتحديات التي يواجهها المسلمون في تلك البلدان.
ويتطلب التعامل مع هذه القضايا مرونةً فقهية تستند إلى مقاصد الشريعة الإسلامية، بدلًا من التقيُّد الصارم بمذهب فقهي واحد.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية السابق، على ضرورة توسيع دائرة الفتوى عند التعامل مع قضايا المسلمين في المجتمعات غير الإسلامية، مشددًا على أهمية استثمار الاختلاف الفقهي كوسيلة لتقديم حلول شرعية تتناسب مع واقعهم وتحدياتهم.
المرونة الفقهية وأهميتها في قضايا الأقليات
خلال حديثه في برنامج "الفتوى والحياة"، المذاع على قناة الناس، أوضح الدكتور شوقي علام أن كثيرًا من الأئمة والعلماء اعتمدوا عبر التاريخ نهج التيسير عند التعامل مع الفقه في المسائل التي تكثر فيها الحاجة والمشقة. وأشار إلى أن ذلك يظهر جليًا في مسائل الحج والعمرة، حيث يُستند إلى اختلاف الفقهاء من أجل تسهيل أداء المناسك على المسلمين.
وأضاف أن الأقليات المسلمة تواجه ظروفًا معقدة تتعلق بالمعاملات اليومية والعبادات، وهو ما يجعل من الضروري تبني نهج فقهي أكثر مرونة، يراعي الواقع المعاش لهذه الفئات. وأكد أن الفتوى في المجتمعات غير الإسلامية تختلف عن الفتوى في الدول الإسلامية، إذ تتدخل الضرورة والحاجة في تشكيل الأحكام الفقهية، وهو ما يستدعي البحث عن الرأي الفقهي الأكثر انسجامًا مع الواقع، دون الانغلاق على مذهب فقهي محدد.
تصحيح العقود والمعاملات في المجتمعات غير الإسلامية
شدد المفتي السابق على أهمية تصحيح عقود ومعاملات المسلمين في الدول غير الإسلامية، مشيرًا إلى قاعدة فقهية معروفة تنص على أن "أفعال المسلمين تُحمل على الصحة متى أمكن ذلك".
ولفت إلى أن التمسك بهذه القاعدة يفرض على الفقيه البحث عن حلول شرعية مناسبة للواقع الذي يعيشه المسلمون في هذه المجتمعات، حتى لا يقعوا في الحرج.
كما أوضح أن التشدد في بعض الأحكام قد يؤدي إلى عزل الأقليات المسلمة عن مجتمعاتهم، وهو ما يتعارض مع مقاصد الشريعة التي تدعو إلى التيسير والمرونة، لا سيما في ظل الأوضاع المتغيرة التي يواجهها المسلمون في الغرب.
الواقع الجديد للأقليات المسلمة والهجرة إلى بلاد الإسلام
تطرق الدكتور شوقي علام إلى قضية هجرة المسلمين من الدول غير الإسلامية إلى الدول الإسلامية، مشيرًا إلى أن الأوضاع الاقتصادية والتكنولوجية المتغيرة جعلت من الحديث عن وجوب هذه الهجرة أمرًا غير واقعي. وأضاف أن المسلمين الذين دخلوا الإسلام حديثًا في هذه البلدان لا يمكن مطالبتهم بمغادرتها، نظرًا لارتباطهم العميق بمجتمعاتهم.
وأكد أن هذه العوامل تُلزم الفقهاء بتطوير خطاب فقهي يُراعي هذه الخصوصيات، بحيث يضمن اندماج المسلمين في مجتمعاتهم دون أن يتعارض ذلك مع أحكام الشريعة الإسلامية.
تصحيح صورة الإسلام في الغرب ودور الفتوى المعتدلة
أوضح المفتي السابق أن تحسين صورة الإسلام في الغرب يتطلب اعتماد الاعتدال في الفتاوى والبعد عن التشدد، مشيرًا إلى أن بعض الفتاوى المتشددة، مثل تحريم تهنئة غير المسلمين أو فرض قيود غير مبررة على قضايا المرأة، تُسهم في تشويه صورة الإسلام لدى المجتمعات الغربية.
وشدد على أن هذه الفتاوى التي تتبناها بعض الجماعات المتطرفة لم تعد مناسبة لعصرنا الحالي، بل إنها تؤدي إلى عزل المسلمين عن محيطهم الاجتماعي، مما يُسهم في تعزيز الصور النمطية السلبية عن الإسلام.
استثمار الاختلاف الفقهي كحل للأقليات المسلمة
اختتم الدكتور شوقي علام حديثه بالتأكيد على أن استثمار الاختلاف الفقهي هو الحل الأمثل للحفاظ على هوية المسلمين في المجتمعات غير الإسلامية، مع ضمان انسجامهم مع محيطهم دون الإخلال بثوابت الدين.
وأكد أن الشريعة الإسلامية تتسم بالمرونة التي تجعلها قادرة على التعامل مع مختلف الظروف، بشرط أن يتم استثمار هذه المرونة بطريقة علمية رصينة تُراعي مقاصد الشريعة وتحديات الواقع المعاصر.
تُبرز تصريحات الدكتور شوقي علام أهمية تطوير الفقه الإسلامي ليكون أكثر استجابة لواقع المسلمين في العالم المعاصر.
فالتشدد والانغلاق على مذهب فقهي واحد قد يؤديان إلى تعقيد حياة الأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية، بينما يُتيح استثمار الاختلاف الفقهي تقديم حلول عملية تساعدهم على التمسك بدينهم دون أن يعزلهم عن مجتمعاتهم. ومن هنا، فإن الاعتدال في الفتوى والحرص على التيسير يُعدان مفتاحًا لتعزيز صورة الإسلام في العالم، وضمان حياة دينية متوازنة للمسلمين في كل مكان.
0 تعليق