ليس فقط الأفراد من يستثمر في العملات المشفرة ويراهن على نموها المستقبلي، وليس فقط ترمب ومعاونوه من يرون ضرورة إنشاء احتياطي إستراتيجي لحكومة أمريكا من هذه العملات، بل إن شركات كثيرة حول العالم بدأت في توظيف ما لديها من فوائض نقدية في امتلاك بيتكوين كأصل مالي بديل عن النقد في البنوك أو السندات الحكومية أو غير ذلك من أصول تعد آمنة إلى حد كبير. هذه الشركات تعتقد أن بيتكوين سلاح قوي ضد التضخم ومخاطر العملات التقليدية، وتجد فيها فرصة كبيرة للحصول على عوائد غير عادية، بدلاً من القبول بعوائد مالية متواضعة كما جرت العادة في إدارة سيولة الشركات واستثماراتها قصيرة المدى.
ما العمل لو لم يكن لدى الشركة ما يكفي من السيولة لشراء بيتكوين؟
الطريقة التي أتقنتها شركة برمجيات صغيرة تسمى "مايكروستراتيجي" تتمثل في القيام بالاقتراض وشراء بيتكوين مباشرة، حيث تمتلك حالياً أكثر من 500 ألف قطعة، قيمتها نحو 45 مليار دولار، بينما هي شركة برمجيات متواضعة مبيعاتها السنوية أقل من نصف مليار دولار. وعلى الرغم من ذلك ارتفع سهم الشركة في السنوات الخمس الماضية من نحو 10 دولارات إلى أكثر من 500 دولار بنهاية 2024. الارتفاع الكبير في سعر السهم جعل شركات كثيرة تحذو حذوها وبدأت في أخذ موافقة المساهمين على هذا الاتجاه.
لماذا يقوم مستثمرون بإقراض شركات أخرى لشراء بيتكوين، بينما يستطيعون شراء بيتكوين بأنفسهم؟
ليس فقط إن هناك مستثمرين يقدمون أموالهم لشركات - مثل مايكروستراتيجي و"جيمم ستوب" وآخرين - بل إنهم يقبلون بسندات بلا عائد دوري من النوع القابل للتحويل إلى أسهم، وهذا بالمناسبة نوع مصرح به في السوق المالية السعودية، وعادة مدتها من 5 إلى 7 سنوات، يمكن من خلالها لحملة السندات شراء السهم لكن بسعر أعلى من السعر الحالي بكثير! أليس من المفروض أن يكون أداء أسهم تلك الشركة التي تمتلك نصف مليون قطعة بيتكوين متماشياً مع سعر العملة؟ فإذا كان هدف المقرضين التعرض لحركة بيتكوين أليس الأفضل لهم شراء بيتكوين مباشرة؟ يبدو كذلك، لكن هناك أسبابا عديدة تجعلهم يفضلون الدخول في بيتكوين بهذا الشكل، منها أن بعض المقرضين لا تسمح لهم سياساتهم الاستثمارية بشراء بيتكوين مباشرة ولا حتى عن طريق الصناديق المتداولة، وبعضهم يجد فوائد ضريبية معينة لهذا الأسلوب، ومع ذلك هناك مقرضون كبار، نتكلم هنا عن مليارات الدولارات، ممن لا توجد لديه أي من هذه التحفظات ويقبل بزج أمواله في شركات صغيرة لتحقيق مكاسب من بيتكوين!
أين المصيدة في "لعبة" القروض بلا فائدة للاستثمار في بيتكوين؟
الميزة الرئيسية الأولى أن رأس المال بالنسبة إلى المقرضين يعتبر آمنا إلى حد كبير، لأن هذه السندات تعتبر "سينيور" أي لها الأولوية في استعادة رأس المال في حال حدوث أي تعثر، وبالتالي تصبح العملية بالنسبة إليهم إما تحقيق عوائد كبيرة من حركة بيتكوين أو استعادة رأس المال، وهذا أقل مخاطرة من الاستثمار المباشر في العملة، ومع ذلك لا تزال لديهم مخاطر كبيرة نتيجة زج أموالهم في شركات صغيرة قد تتعثر بسهولة، فبينما يبلغ حجم إصدار السندات لهذه الشركة نحو 7.5 مليار دولار وهي شركة مبيعاتها نصف مليار دولار ولديها خسائر سنوية كبيرة من عملها الأساسي، وصلت قيمتها السوقية لأكثر من 100 مليار دولار، فكيف يمكن لهذا الأمر أن يستمر؟
ماذا عمن يستثمر في أسهم الشركة، بدلاً من الشراء المباشر للعملة؟
هذا لغز آخر لهذه الظاهرة العجيبة، فهناك مستثمرون يفضلون شراء شركات تحتفظ بالعملة من ضمن أصولها بدلاً من شراء بيتكوين مباشرة أو عن طريق الصناديق المتداولة، وكثير منهم مستثمرون أفراد ومؤسسات، وهنا لا يوجد ضمان لرأس المال كما في حالة حملة السندات، والسبب في كلتا الحالتين يعود إلى مفعول الرافعة المالية، إلى جانب هوس الارتفاعات المتلاحقة لأسعار أسهم هذه الشركات. أي إنه بوجود أموال مقترضة بنسبة فائدة صفرية في كثير من الحالات، تتشكل هناك رافعة مالية بحيث إنه لو ارتفعت بيتكوين بنسبة 50% قد ترتفع قيمة الشركة 75%، وهذا ينطبق كذلك على حملة السندات، فالارتفاع الممكن تحقيقه بالنسبة إليهم يفوق الارتفاع في سعر بيتكوين ذاتها.
وبالطبع العملية محفوفة بالمخاطر لأنه في حال تراجع بيتكوين لفترة طويلة ستضطر الشركة لبيع ما لديها من عملات وسينهار سعر سهمها بسرعة كبيرة. وبالمناسبة الشركة هذه كانت من نجوم ما قبل فقاعة عام 2000، حين ارتفع سهمها بأكثر من 30 مرة، ومن ثم انهار بنحو 99% بعد الفقاعة، وحتى في ذاك الوقت لم تكن مبيعات الشركة عالية ولا أرباحها، بل إن المستثمرين كانوا يراهنون على مهارة رئيس الشركة وبراعته المالية، وهو الشخص نفسه الذي يقف خلف إستراتيجية الرافعة المالية للشركة حالياً.
0 تعليق