على مر العصور، كانت مصر قلب العالم النابض ومحورًا استراتيجيًا يربط بين الشرق والغرب، ليس فقط بموقعها الجغرافي الفريد، ولكن أيضًا بقدرتها على التكيف والريادة في مختلف المجالات، واليوم تعود مصر بقوة إلى صدارة مشهد الطاقة العالمية، مستندة الاستكشافات الحديثة في مجال الغاز ورؤيتها الطموحة للمستقبل.
وفي وقت يشهد فيه العالم تحولاً جذريًا نحو مصادر الطاقة النظيفة، تبرز مصر كلاعب رئيسي في سوق الغاز الطبيعي، محققة اكتشافات ضخمة واستثمارات غير مسبوقة تعزز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة.
ومن صحرائها الممتدة إلى أعماق سواحلها في البحرين المتوسط والأحمر، تثبت مصر أن قدرتها على تحقيق الإنجازات لم تكن يومًا محض مصادفة، بل هي نتاج إرادة صلبة ورؤية استراتيجية تسعى إلى بناء مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض كيف استطاعت مصر أن تعود بقوة لتصبح لاعبًا قويًا في سوق الغاز عالميًا.
الاكتشافات الحديثة وتعزيز الإنتاج
في عام 2024، أعلنت الحكومة عن تحقيق خمسة اكتشافات جديدة للغاز الطبيعي، أضافت احتياطيات تقدر بحوالي 1.3 تريليون قدم مكعبة من الغاز و30 مليون برميل من المكثفات، كما تم إسناد خمس مناطق جديدة للاستثمار في البحث والاستكشاف في البحر المتوسط ودلتا النيل، بإجمالي استثمارات يبلغ حدها الأدنى نحو 400 مليون دولار.
وبالإضافة إلى ذلك، تخطط مصر لحفر نحو 110 آبار استكشافية خلال العام المالي 2024-2025، باستثمارات إجمالية تقدر بـ1.2 مليار دولار، مما يعكس التزام البلاد بتعزيز قدراتها الإنتاجية في قطاع الغاز الطبيعي.

اكتشافات الغاز الجديدة في مصر 2025
وفي عام 2025، أعلنت الحكومة المصرية عن تحقيق عدة اكتشافات جديدة للغاز الطبيعي، من أبرزها:
- حقل النرجس: يعتبر من أهم الاكتشافات الحديثة، حيث تقدر احتياطياته بحوالي 3 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وبدأت شركة "شيفرون" في حفر البئر الاستكشافية "سنجر" داخل الحقل، مما يعكس أهمية هذا الموقع في تعزيز إنتاج الغاز المصري.
- حقل نفرتاري-1: اكتشفته شركة "إكسون موبيل" قبالة سواحل مصر في البحر الأبيض المتوسط، وتم العثور على مكامن غازية بعد حفر البئر الاستكشافية في كتلة ماراكيا الشمالية، على بعد حوالي خمسة أميال من الساحل الشمالي لمصر.
- كشف جديد في الصحراء الغربية: أعلنت شركة "خالدة للبترول" عن اكتشاف بئر جديدة في منطقة كلابشة بالصحراء الغربية، باحتياطيات مؤكدة تبلغ 15 مليار قدم مكعب من الغاز ونصف مليون برميل من المكثفات، وتم اختبار البئر ووضعه على الإنتاج بمعدل نحو 20 مليون قدم مكعب يوميًا.
وتسعى الحكومة المصرية إلى زيادة إنتاج الغاز الطبيعي بنحو 30% بحلول نهاية عام 2025، مما سيرفع الإنتاج اليومي إلى 6 مليارات قدم مكعبة، مقارنة بـ4.6 مليار قدم مكعبة حاليًا.
الاستثمارات الأجنبية في قطاع الغاز
وشهدت مصر تعاونًا مع شركات دولية لتعزيز قطاع الغاز، ففي ديسمبر 2024، أعلنت شركتا "بي بي" البريطانية و"أدنوك" الإماراتية عن تأسيس مشروع مشترك جديد في مصر باسم "أركيوس إنرجي"، بهدف تطوير محفظة غاز تنافسية في المنطقة، مع التركيز على مصر كمركز استراتيجي.
كما أعلنت شركة "إكسون موبيل" الأمريكية في يناير 2025 عن اكتشافها للغاز الطبيعي قبالة سواحل مصر بعد حفر بئر استكشافية في البحر الأبيض المتوسط، مما يعزز من احتياطيات البلاد من الغاز الطبيعي.
خطط مستقبلية لتعزيز الإنتاج
وتسعى مصر إلى استعادة مستويات إنتاج النفط والغاز إلى طبيعتها بدءًا من عام 2025، بمساعدة الشركاء الدوليين، حيث تهدف هذه الخطط إلى التعافي من التحديات التي واجهتها البلاد بسبب نقص العملات الأجنبية وتراكم المتأخرات، مما أثر على طموحاتها في أن تصبح مركزًا إقليميًا للغاز الطبيعي المسال.
وفي هذا السياق، من المتوقع أن يصل إنتاج مصر من الغاز الطبيعي إلى 6 مليارات قدم مكعبة يوميًا بنهاية عام 2025، بزيادة قدرها 30% عن المستويات الحالية التي تبلغ 4.6 مليار قدم مكعبة يوميًا.
وتأتي هذه الزيادة نتيجة لبدء الإنتاج من سبعة اكتشافات جديدة، بالإضافة إلى تكثيف برامج البحث والاستكشاف واستغلال الطاقات في قطاع التكرير والبتروكيماويات.
وتظهر الاكتشافات الجديدة والاستثمارات المتزايدة في قطاع الغاز الطبيعي التزام مصر بتعزيز إنتاجها من الطاقة النظيفة والعودة بقوة إلى سوق تصدير الغاز.
وعلى الرغم من التحديات التي واجهتها البلاد في السنوات الأخيرة، فإن الخطط الطموحة والتعاون مع الشركاء الدوليين تشير إلى مستقبل واعد لقطاع الطاقة في مصر، مما يعزز من مكانتها كمصدر رئيسي للطاقة في المنطقة.
0 تعليق