استعداد فرنسي سعودي لاستضافة مؤتمر دولي لإحياء حل الدولتين

الرئيس نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في خطوة دبلوماسية بارزة، تستعد كل من فرنسا والمملكة العربية السعودية لاستضافة مؤتمر دولي مشترك في يونيو 2025، يهدف إلى إحياء مسار حل الدولتين كحل سياسي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. يأتي هذا الإعلان في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، وخاصة مع استمرار الأزمة في قطاع غزة والضفة الغربية. 

وفقًا لتقرير نشرته وزارة الخارجية الفرنسية على موقعها الرسمي في 13 فبراير 2025، عقب محادثات بين وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، فإن المؤتمر يعكس التزام الدولتين بتعزيز السلام الإقليمي من خلال دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل. 

في هذا السياق، يسعى المقال إلى استعراض أهمية هذا المؤتمر، سياقه التاريخي، التحديات التي يواجهها، والتوقعات المرتبطة به.

السياق التاريخي والدبلوماسي

لطالما كانت فرنسا لاعبًا نشطًا في الجهود الدولية لتسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. في عام 2017، استضافت باريس مؤتمرًا للسلام أكد على حل الدولتين كأساس لإنهاء النزاع، إلا أن هذه الجهود توقفت بسبب غياب توافق دولي قوي. 

من جانبها، برزت السعودية في السنوات الأخيرة كقوة دبلوماسية رائدة في العالم العربي، خاصة بعد إطلاقها مبادرة السلام العربية عام 2002، التي دعت إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. 

هذا التعاون الحالي بين باريس والرياض يعكس تقاطع المصالح بين رؤية فرنسا لدعم النظام المتعدد الأطراف والقانون الدولي، وطموح السعودية لقيادة تحالف دولي يعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة العالمية.

تأتي هذه المبادرة بعد سلسلة من التطورات الإقليمية، بما في ذلك التصعيد العسكري في غزة خلال 2024 وأوائل 2025، والذي أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية. 

كما أن إعلان السعودية في سبتمبر 2024، خلال اجتماع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن إطلاق "التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين"، يشكل أرضية لهذا المؤتمر المشترك. المؤتمر المرتقب يُعد امتدادًا لهذه الجهود، حيث يسعى إلى حشد دعم دولي واسع، بما في ذلك من دول أوروبية وإسلامية، لتحقيق تقدم ملموس.

أهداف المؤتمر وأهميته

يهدف المؤتمر إلى بناء "أفق سياسي واضح" لتنفيذ حل الدولتين، وفقًا لتصريحات قادة مصر وفرنسا والأردن في بيان مشترك صدر عقب قمة ثلاثية في القاهرة يوم 7 أبريل 2025. 

من المتوقع أن يركز المؤتمر على ثلاثة محاور رئيسية: أولًا، وضع خارطة طريق عملية تشمل خطوات زمنية لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، مع ضمانات أمنية لإسرائيل.

 ثانيًا، تعزيز الدعم الدولي للسلطة الفلسطينية من خلال إصلاحات مؤسسية تجعلها قادرة على إدارة الدولة المستقبلية. ثالثًا، مواجهة التحديات الإنسانية في غزة، بما في ذلك إعادة الإعمار ورفع الحصار.

أهمية المؤتمر تكمن في توقيته، حيث يأتي في ظل تراجع الثقة بالجهود الأمريكية التقليدية للتوسط في الصراع. السعودية، التي اشترطت إقامة دولة فلسطينية كشرط لأي تطبيع محتمل مع إسرائيل، تسعى من خلال هذا المؤتمر إلى إثبات قدرتها على قيادة مبادرة مستقلة عن واشنطن. 

في المقابل، ترى فرنسا في هذا التعاون فرصة لتعزيز دورها كوسيط دولي، خاصة مع رئاستها لمجلس الأمن الدولي في أبريل 2025، حيث أكدت على أولوية الحوار متعدد الأطراف.

التحديات المحتملة

رغم الطموحات الكبيرة، يواجه المؤتمر العديد من التحديات. أولًا، موقف إسرائيل يظل العقبة الأبرز. الحكومة الإسرائيلية الحالية، بقيادة أحزاب يمينية، رفضت مرارًا حل الدولتين، معتبرة أن أي دولة فلسطينية تشكل تهديدًا أمنيًا. في يوليو 2024، صوت الكنيست على قرار يعارض إقامة دولة فلسطينية، مما يعقد أي محاولة لفرض حل سياسي من الخارج. 

ثانيًا، غياب الولايات المتحدة كلاعب رئيسي في هذا التحالف قد يحد من فعاليته، حيث تظل واشنطن صاحبة النفوذ الأكبر على إسرائيل بفضل دعمها العسكري والاقتصادي الضخم.

ثالثًا، الانقسامات الفلسطينية الداخلية بين فتح وحماس تشكل تحديًا آخر. دون سلطة فلسطينية موحدة، قد يكون من الصعب تنفيذ أي اتفاقيات تخرج عن المؤتمر. أخيرًا، الوضع الإنساني المتدهور في غزة، مع استمرار الحصار والدمار الناتج عن الصراع، قد يصرف الانتباه عن الأهداف السياسية طويلة الأمد لصالح معالجة الأزمات العاجلة.

التوقعات والآفاق

في حال نجاح المؤتمر، قد يشكل نقطة تحول في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. السعودية، بثقلها الاقتصادي والدبلوماسي، وفرنسا، بدورها في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، تمتلكان أدوات ضغط كبيرة. من الممكن أن يؤدي المؤتمر إلى قرار في مجلس الأمن يدعم حل الدولتين، خاصة إذا انضمت دول مثل إسبانيا والنرويج، التي اعترفت بفلسطين مؤخرًا، إلى المبادرة. كما يمكن أن يشجع الضغط الدولي المتزايد إسرائيل على إعادة تقييم موقفها، خاصة إذا ارتبط ذلك بحوافز اقتصادية أو دبلوماسية من السعودية ودول الخليج.

وعلى الصعيد الإنساني، قد يسفر المؤتمر عن خطة دولية لإعادة إعمار غزة، مع تمويل من دول الخليج ودعم لوجستي من فرنسا وشركاء أوروبيين. لكن النجاح يعتمد على قدرة الدولتين على تحويل الالتزامات السياسية إلى إجراءات ملموسة، وهو ما سيحتاج إلى تنسيق مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.

دور مصر والدول العربية الأخرى

ومن المتوقع أن تلعب مصر، التي استضافت القمة الثلاثية في أبريل 2025 مع فرنسا والأردن، دورًا مساندًا رئيسيًا في المؤتمر. بفضل موقعها الجغرافي ودورها التاريخي كوسيط في الصراع، يمكن للقاهرة أن تسهم في ضمان تنفيذ أي اتفاقيات تتعلق بغزة، خاصة عبر معبر رفح. الأردن، بدوره، سيوفر دعمًا دبلوماسيًا قويًا، نظرًا لعلاقاته الوثيقة بالفلسطينيين وحرصه على حماية المقدسات في القدس.

ومن المتوقع كذلك أن تلعب دول الخليج، مثل قطر والإمارات، دورًا في تمويل المبادرات الناتجة عن المؤتمر، بينما يمكن أن تساهم تركيا، التي أبدت دعمًا لحل الدولتين، في تعزيز التحالف الإسلامي حول هذه القضية. هذا التعاون متعدد الأطراف قد يكون مفتاحًا للتغلب على العقبات التي واجهت المحاولات السابقة.

استضافة فرنسا والسعودية لمؤتمر مشترك حول حل الدولتين في يونيو 2025 تمثل خطوة طموحة لإعادة إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط. رغم التحديات الكبيرة، من موقف إسرائيل المعارض إلى الانقسامات الفلسطينية والغياب الأمريكي الملحوظ، فإن التعاون بين باريس والرياض يحمل إمكانات كبيرة لتغيير المعادلة. 

نجاح المؤتمر سيعتمد على قدرة الدولتين على حشد دعم دولي واسع وتحويل النوايا إلى خطوات عملية. إذا تمكنت هذه المبادرة من وضع أساس متين لدولة فلسطينية مستقلة، فقد تكون بداية لعهد جديد من الاستقرار في المنطقة، ينهي عقودًا من الصراع والمعاناة التي يتكبدها الفلسطينيون.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق