مع اقتراب موعد استضافة المغرب نهائيات كأس العالم 2030، بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، تتزايد التوقعات بأن تشكل هذه المناسبة فرصة ذهبية لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر جذب الاستثمارات وتحسين البنية التحتية وتنشيط السياحة.
لكن هذا الطموح يصطدم بتحديات عدة تتعلق بارتفاع تكاليف الإنفاق العام على المشاريع المرتبطة بالحدث، في الوقت الذي تواجه الموارد المالية للمغرب ضغوطاً متزايدة بسبب المديونية والحاجة إلى تحديث القطاعات الحيوية، مما يثير تساؤلات حول كيفية تحقيق التوازن بين الاستثمار في مشاريع المونديال وتجنب إثقال كاهل الاقتصاد الوطني.
تشير التقديرات الأولية إلى أن تكلفة تطوير الملاعب والبنية التحتية قد تصل إلى مليارات الدراهم، في ظل اقتصاد يعتمد بشكل رئيسي على الضرائب والاستدانة الداخلية والخارجية لتمويل مشاريعه الكبرى. ومع توقعات بارتفاع الدين العام إلى أكثر من 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام بحلول 2030، يصبح من الضروري، وفق خبراء اقتصاديين، وضع استراتيجيات فعالة لضمان استدامة هذه الاستثمارات، مع الاستفادة من الشراكة مع القطاع الخاص، وتحسين نجاعة الإنفاق العام.
في هذا السياق، أوضح المحلل الاقتصادي محمد جدري أن الاقتصاد المغربي يعتمد على موارد محدودة تأتي من الضرائب (كضريبة الدخل والقيمة المضافة وأرباح الشركات) ومساهمات المؤسسات العمومية والاستدانة، التي يؤكد أنها “ليست عيباً في حد ذاتها”، مشيراً إلى تجديد خط الائتمان مع صندوق النقد الدولي بـ4.5 مليارات دولار، واستقطاب ديون خارجية بأسعار تنافسية.
وأوضح جدري، في تصريح لهسبريس، أن “المشكلة تكمن في نجاعة استخدام هذه الأموال”، خاصة مع الإنفاق الكبير على مشاريع المونديال، التي قد تثقل كاهل الأجيال القادمة إذا لم تُدر بحكمة، مستنداً إلى مؤشر دولي يبرز ضعف فعالية الاستثمارات العمومية في المغرب، حيث تُنفق البلاد 30 نقطة من الناتج الداخلي الخام لتحقيق 3 نقاط نمو فقط، بينما المعدل العالمي يتطلب 6 نقاط فقط لنقطة نمو واحدة.
ويعزو هذا الأمر إلى “البيروقراطية، والفساد، وغياب الدراسات الأساسية وضعف الرقمنة”، مما يؤدي إلى هدر الموارد وقلة خلق الثروة وفرص العمل، مؤكداً أن هذا الوضع “يتطلب إصلاحات جذرية لضمان أن تكون استثمارات المونديال منتجة وليست عبئاً”.
ويُقر المحلل الاقتصادي ذاته بأن مشاريع المونديال ستعود بالنفع على المواطنين عبر تحسين الخدمات الصحية، والتعليمية، والنقل (كالقطارات فائقة السرعة والطرق السيارة)، وتجديد الموانئ والمطارات والفنادق. لكنه يحذر من أن هذه الفوائد “لن تتحقق دون إعادة النظر في النموذج الاقتصادي للمنشآت الرياضية”، مشيراً إلى أن إنفاق مليارات الدراهم على ملاعب مثل ملعب الحسن الثاني ببنسليمان “قد يكون غير مجدٍ إذا بقيت مغلقة معظم الوقت”.
وخلص إلى أن “المشكلة ليست في الاستدانة”، التي تتبناها دول كبرى مثل اليابان (بمديونية 120 في المائة من الناتج الداخلي الخام)، بل في كيفية استخدامها، مؤكداً أن النجاح في استثمارات المونديال يعتمد على تعزيز الفعالية والشفافية لضمان تغطية تكاليف الصيانة وتحقيق عائدات إضافية تُسدد الديون.
من جهته، يرى المحلل الاقتصادي إدريس العيساوي أن تنظيم كأس العالم 2030 يمثل “فرصة استثنائية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية”، لكنه يحذر من التحديات الاقتصادية والأمنية والبيئية المرتبطة بهذا الحدث، مستنداً في ذلك إلى تقارير حديثة.
واعتبر العيساوي، في تصريح لهسبريس، أن تحقيق مردودية مستدامة “يتطلب سياسات ناجعة لمواجهة الضغوط الناتجة عن المنافسة مع إسبانيا والبرتغال، اللتين تتمتعان ببنية تحتية متطورة”. وشدد على “ضرورة معالجة التحديات الجوهرية المتعلقة بالنموذج الاقتصادي للملاعب وضبط المديونية، مع مواكبة التحولات الرقمية والعولمة”.
وأبرز في هذا السياق أهمية تطوير جودة الخدمات العامة والسياحية كتحدٍ أساسي، خاصة مع مقارنة المغرب بإسبانيا والبرتغال، اللتين لهما تجربة سياحية عالمية. ودعا إلى تحسين البنية التحتية والخدمات السياحية بما يتماشى مع متطلبات البطولة وتطلعات الشباب، مشيراً إلى أن الاستثمار في هذه المجالات “يجب أن يكون استراتيجياً لضمان استدامة العائدات بعد الحدث”. وأضاف أن الإنفاق “ينبغي أن يركز على مشاريع تخدم الاقتصاد على المدى الطويل وليس فقط على الحدث نفسه”.
وخلص المحلل الاقتصادي ذاته إلى أن نجاح المغرب في تجنب إثقال كاهله الاقتصادي “يعتمد على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وإدماج التقنيات الحديثة في تنفيذ المشاريع”، مؤكداً أن هذا النهج “سيخفف الضغط على الموارد العامة، مع ضمان تحقيق عائدات مستدامة من البنية التحتية والملاعب بعد 2030”.
0 تعليق