أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر منصته "تروث سوشال"، جدلًا واسعًا بعد أن دعا متابعيه إلى "الشراء" قبل ساعات من إعلانه المفاجئ تعليق التعريفات الجمركية الجديدة، ما اعتبره خصومه السياسيون محاولة للتلاعب بأسواق المال لتحقيق مكاسب شخصية أو لفئة معينة من المقربين.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست بتاريخ 9 أبريل 2025، فقد كتب ترامب منشورًا في الساعة 9:37 صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة قال فيه: "هذا وقت رائع للشراء DJT"، قبل أن يصدر قرار تعليق معظم التعريفات بعد أقل من أربع ساعات، ما دفع الأسواق إلى قفزة حادة.
وفي تقرير آخر نشرته صحيفة الجارديان البريطانية في 10 أبريل، وُجهت اتهامات لترامب بالتورط في ما يشبه "التداول الداخلي"، وطالب عدد من أعضاء الكونغرس بفتح تحقيق رسمي للوقوف على ما إذا كان الرئيس أو أشخاص مقربون منه استفادوا من هذه التحركات الاقتصادية المفاجئة.
ونقلت الصحيفة عن النائبة الديمقراطية نانسي بيلوسي قولها إن "تصرفات ترامب تثير الشكوك حول نزاهة القرارات الاقتصادية التي تُتخذ على أعلى مستويات السلطة التنفيذية".
سياسة التعريفات الجمركية والاضطرابات السوقية
منذ بدء ولايته الثانية في يناير 2025، عاد ترامب لتفعيل نهجه في فرض التعريفات الجمركية ضمن استراتيجيته الاقتصادية "أمريكا أولًا"، إذ أعلن مطلع أبريل عن فرض رسوم بنسبة 10% على جميع الواردات، وتعريفات تصل إلى 50% على واردات محددة من دول مثل الصين. هذا التوجه، الذي وصفه ترامب بـ"يوم التحرير للاقتصاد الأمريكي"، تسبب في تراجع كبير في الأسواق العالمية، حيث خسر مؤشر "ناسداك" 4% من قيمته في مارس، وتراجعت القيمة السوقية للأسهم الأمريكية بما يقرب من 1.7 تريليون دولار خلال أسبوع واحد فقط.
إلا أن إعلان تعليق التعريفات فجأة في 9 أبريل قلب الأمور رأسًا على عقب. فقد قفز مؤشر "داو جونز" بمقدار 3000 نقطة، وارتفع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 9.5%، فيما صعد "ناسداك" بنسبة 12%. اللافت أن هذه القفزة ترافقت مع ارتفاع أسهم شركة ترامب الإعلامية "Trump Media & Technology Group" بنسبة 22%، ما سلط الضوء على تزامن لافت بين قرارات سياسية وتحركات استثمارية.
اتهامات الديمقراطيين: توظيف السياسة لخدمة المصالح
وجه الديمقراطيون اتهامات مباشرة إلى ترامب باستغلال صلاحياته السياسية لتحريك الأسواق بما يخدم مصالحه المالية. وخلال جلسة استماع في الكونغرس، تساءل النائب الديمقراطي ستيفن هورسفورد عما إذا كانت تلك التحركات "تلاعبًا بالبورصة"، مشيرًا إلى أن القرارات المفاجئة كبدت المستثمرين الأمريكيين خسائر ضخمة قبل أن تعود الأسواق للانتعاش المفاجئ.
من جانبه، دافع ممثل التجارة الأمريكي جيمسون جرير عن القرار، معتبرًا أن هدفه الأساسي هو "إعادة التوازن للتجارة العالمية"، إلا أن هذه التبريرات لم تلق قبولًا لدى خصوم ترامب، خاصة في ضوء منشوره الذي دعا فيه علنًا إلى "الشراء" قبيل التعليق. ونقلت مجلة تايم عن أستاذ القانون في جامعة جورج واشنطن، راندال إلياسون، قوله إن مثل هذه التصرفات تقع في "منطقة رمادية" قانونيًا، إلا أنها تبعث برسائل مقلقة بشأن احتمال استغلال معلومات داخلية لتحقيق مكاسب مالية.
وفي هذا السياق، طالب النائب آدم شيف لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية بفتح تحقيق فوري، مؤكدًا أن "مثل هذه التصرفات تهدد ثقة الأمريكيين في نظامهم الاقتصادي".
انعكاسات اقتصادية حادة
التحركات السريعة في سياسة التعريفات لم تمر مرور الكرام على الأسواق العالمية. فقد شهدت بورصات آسيا تراجعًا ملحوظًا، خاصة في هونغ كونغ وتايوان. كما حذر محللون في بنك "جي بي مورغان" من أن احتمالية دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود ارتفعت إلى 40% نتيجة هذه السياسات غير المتوقعة.
وبالمقابل، ساهم قرار تعليق الرسوم الجمركية في انتعاش ثروات كبار المستثمرين، حيث ارتفعت ثروات أغنى الأفراد في العالم بمقدار 304 مليارات دولار في يوم واحد فقط، ما أثار التساؤلات حول المستفيد الحقيقي من هذه القرارات المفاجئة.
من جانبها، انتقدت الخبيرة الاقتصادية كريستين بول من شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" هذه السياسات، مشيرة إلى أن "القرارات المتقلبة تعرقل تخطيط الشركات لسلاسل الإمداد"، في حين وصف الملياردير بيل أكمان التعريفات الجمركية بأنها "شتاء اقتصادي نووي" قد يدفع الاقتصاد الأمريكي إلى حافة الانكماش.
زلزال سياسي داخلي وتوترات دولية
سياسيًا، اعتبر خصوم ترامب في الحزب الديمقراطي أن هذه القضية تمثل فرصة لمحاسبته على استخدامه للسلطة التنفيذية لأغراض سياسية وشخصية. ودعا السيناتور روبن غاليغو، وفق ما ذكرته واشنطن بوست، إلى تحقيق فيدرالي شامل، في حين شهدت العاصمة واشنطن ومدن أمريكية أخرى مظاهرات تطالب بتحقيق شفاف ومستقل في قضية التعريفات وتقلبات الأسواق.
أما دوليًا، فقد جاءت ردود الفعل متباينة. فقد هددت الصين بالرد على استمرار التعريفات الجمركية، بينما دعت دول مثل كندا والاتحاد الأوروبي إلى العودة إلى طاولة المفاوضات لتجنب تصعيد الحرب التجارية. وحذرت وسائل إعلام دولية، مثل الجارديان، من أن هذه التحركات قد تدفع الاقتصاد العالمي نحو أزمة جديدة، مشيرة إلى أن الداخل الأمريكي ذاته بات يعاني من تداعيات هذه السياسات.
أبعاد قانونية وأخلاقية
من المنظور القانوني، فإن إثبات التلاعب في الأسواق أو التداول بناءً على معلومات داخلية يستلزم وجود أدلة واضحة على وجود نية احتيالية، وهو أمر معقد قانونيًا في سياق السياسات العامة. ورغم أن قانون الأوراق المالية لعام 1934 يشترط وجود سوء نية واضح لتثبيت التهمة، فإن التزامن بين تصريحات ترامب وقراراته وتحركات الأسواق يثير العديد من التساؤلات الأخلاقية.
وبينما قد لا تُشكل التصرفات المشار إليها انتهاكًا قانونيًا صريحًا، إلا أنها تُظهر -وفقًا لخبراء قانونيين- وجود تضارب مصالح محتمل، خاصة في ظل عدم فصل ترامب الكامل بين منصبه الرئاسي وأعماله التجارية. كما أن تصريحاته العلنية بشأن الأسواق تزيد من حدة الجدل حول التزامه بمعايير الشفافية والنزاهة.
الختام: جدل مستمر ومستقبل غامض
يرى محللون أن الجدل الدائر حول ترامب والتلاعب بأسواق المال يعكس عمق الانقسام السياسي في الولايات المتحدة. ففي حين يروج ترامب لسياسته كخطوة لتعزيز الاقتصاد الوطني، يعتبرها خصومه أداة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب استقرار الأسواق والمواطنين. وفي ظل غياب أدلة قانونية دامغة حتى اللحظة، يبقى الملف مفتوحًا على كل الاحتمالات، سواء من خلال تحقيقات رسمية أو عبر استمرار الضغوط السياسية والإعلامية.
ما هو مؤكد أن سياسات ترامب الاقتصادية ستبقى تحت المجهر، خاصة في وقت يتوق فيه العالم إلى نوع من الاستقرار المالي والسياسي بعد سنوات من الأزمات المتتالية.
0 تعليق