شهدت مخيمات تندوف، الأربعاء، توترا وُصف بـ”غير المسبوق”؛ فقد اندلعت مواجهات بين المحتجزين بالمخيمات والجيش الجزائري، على خلفية مقتل أحد المدنيين العزل بالرصاص وإصابة آخرين بالقرب من منطقة العركوب، حسب ما أوردته مصادر إعلامية.
وتداولت مقاطع فيديو على منصة “إكس” احتجاجات غاضبة، تضمنت تهديدات من المحتجين بالرحيل إلى المغرب، في ظل تصاعد الغضب من عنف الجيش الجزائري وقمع قوات “البوليساريو”؛ مما يبرز أزمة إنسانية وسياسية متفاقمة تهدد استقرار المنطقة التي تديرها الجزائر بدعمها للجبهة الانفصالية.
وسجل مراقبون أن هذه الأحداث تأتي في سياق تراكم الإحباط لدى سكان المخيمات الذين يعانون من ظروف معيشية قاسية، وسط تقارير عن تدهور المساعدات الدولية وتلاعب قيادات “البوليساريو” بها.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن الاشتباكات اندلعت بعد تدخل الجيش الجزائري بعنف لقمع تحركات احتجاجية؛ مما أسفر عن سقوط ضحايا، ودفع السكان إلى رفع شعارات تهدّد بالعودة إلى المغرب، في تحدٍّ علني لسيطرة “البوليساريو” والجزائر، مما يعكس فقدان الثقة في المشروع الانفصالي وتصاعد الرغبة في الانضمام إلى الحياة التنموية التي تشهدها الأقاليم الصحراوية المغربية.
عبد العالي بنلياس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن ما يظهر من أحداث في تيندوف “لا يعكس سوى جزء بسيط من معاناة الصحراويين المحتجزين هناك”، حيث يصف الوضع بأنه “احتجاز حقيقي يتسم بالإكراه والقهر وسلب الإرادة”.
وأكد بنلياس، ضمن تصريح لهسبريس، أن دعوات العودة إلى المغرب ليست مفاجئة، مشيرا إلى أن المواطن الصحراوي في المغرب يتمتع بحقوق سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وحرية تعبير وتنظيم؛ على عكس ما يعيشه سكان المخيمات، تحت سيطرة “البوليساريو” والجزائر.
واعتبر المتحدث عينه أن “البوليساريو” ليست سوى “غطاء سياسي ودبلوماسي”؛ بينما الجزائر هي الحاكم الفعلي للمخيمات، حيث تعمل أجهزتها الأمنية والعسكرية والاستخباراتية بلا هوادة لإسكات أي صوت يطالب بالعودة إلى الوطن.
وأبرز الأستاذ الجامعي المتخصص في العلوم السياسية أن “هذا القمع يعكس فشل الجزائر في فرض أطروحة الانفصال”، مشددا على أن السيطرة الجزائرية تحول دون تحقيق تطلعات السكان نحو الحرية والانضمام إلى المغرب.
وربط بنلياس بين هذه الاحتجاجات وبين توسع نشاط الحركات المعارضة للبوليساريو، مثل حركة خط الشهيد التي ترفض الانفصال وتدعم مبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب.
وفي هذا الصدد، أكد أن هذه التحركات تظهر “تآكل أطروحة الانفصال” و”انتصار الحكم الذاتي” كحل واقعي، مشيرا إلى أن الدعوة إلى العودة إلى المغرب ستتسع مع تزايد الوعي بفشل المشروع الانفصالي وسط السكان المحتجزين.
من جانبه، أوضح محمد شقير، محلل سياسي وأمني، أن قمع القوات الجزائرية و”البوليساريو” ضد سكان مخيمات تندوف “يعكس انسداد الأفق السياسي للمشروع الانفصالي والعزلة الدبلوماسية التي تعانى منها الجزائر”.
وأوضح شقير، في حديث لهسبريس، أن السلطات الجزائرية “تلجأ إلى العنف لإسكات أي صوت احتجاجي، خوفا من أن يؤدي أي تساهل إلى اشتعال المخيمات التي راكم سكانها سنوات من الإحباط ويعيشون ظروفا مزرية”، خاصة بعد تراجع مساعدات الدول المانحة بسبب تقارير فاضحة عن التلاعب بها.
وتابع المحلل السياسي والأمني أن غياب حماية دولية حقيقية أو مراقبة للمخيمات يشجع السلطات الجزائرية على استخدام العنف، مستندا إلى سلوكها المعروف بالشراسة في مواجهة الاحتجاجات، والذي تجلى خلال “العشرية السوداء”.
وأبرز المتحدث عينه أن الجيش الجزائري يتعامل مع أي تحرك احتجاجي كتهديد للسلطة؛ مما يفاقم معاناة السكان الذين لا يجدون من يحميهم من هذا القمع الممنهج.
ولفت شقير إلى أن تهديد السكان بالنزوح إلى المغرب أصبح “قناعة راسخة” لديهم، مؤكدا أنه “لو أتيحت لهم الفرصة لفتح الحدود الجزائرية، لاختارت الغالبية العودة إلى المغرب” بعدما قارنت ظروفها المعيشية داخل المخيمات وسوء المعاملة بالوضعية المختلفة التي تعيشها سكان الأقاليم الصحراوية في العيون والداخلة وبوجدور التي حوّلها المغرب إلى فضاءات استقرار وعيش كريم؛ مما يجعلها جاذبة لسكان المخيمات المستاءين.
وذكّر بموقف المغرب الذي يطالب بإحصاء سكان المخيمات وينبه إلى الانتهاكات التي يتعرضون لها، معتبرا أن أحداث أمس تؤكد صحة هذا الموقف الذي يدافع عنه في المحافل الدولية.
وخلص المحلل السياسي والأمني إلى أن هذه الاحتجاجات تعزز الحاجة إلى تدخل دولي لضمان حماية السكان وإنهاء معاناتهم، مؤكدا أن الوضع الحالي يكشف فشل الجزائر و”البوليساريو” في إدارة المخيمات وفرض أطروحتهما الانفصالية.
0 تعليق