في ظل سعي مصر المستمر لتعزيز مكانتها كمركز عالمي للتجارة واللوجستيات، يبرز مشروع "قناة طابا – العريش" كفكرة طموحة تهدف إلى تغيير خريطة الملاحة البحرية والتنمية في شبه جزيرة سيناء.
وهذا المشروع، الذي يُطلق عليه البعض "مشروع القرن الحادي والعشرين"، يثير جدلا واسعا بين المؤيدين الذين يرونه نقلة اقتصادية غير مسبوقة، والمنتقدين الذين يحذرون من تبعاته الاستراتيجية والاقتصادية.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض كل المعلومات المتاحة عن مشروع "قناة طابا – العريش"، وما النفع الذي سيعود به على الاقتصاد المصري.
فكرة المشروع وأهدافه
ومشروع قناة طابا – العريش هو اقتراح لشق قناة مائية تربط بين مدينة طابا على خليج العقبة في البحر الأحمر ومدينة العريش على ساحل البحر المتوسط، بطول يقدر بحوالي 231 كيلومتراً.
والفكرة، التي طرحها المهندس سيد الجابري - ضابط سابق بالقوات المسلحة - تتضمن إنشاء قناة بعمق يصل إلى 250 متراً وعرض يتراوح بين 500 و1000 متر، لتكون قادرة على استيعاب السفن العملاقة التي تفوق حمولتها 240 ألف طن، وهي السفن التي تعجز قناة السويس الحالية عن استقبالها بسبب قيود العمق والعرض.
ووفقاً لمؤيدي المشروع، فإن الهدف الأساسي هو تعزيز الاقتصاد المصري من خلال مضاعفة الإيرادات المتأتية من الملاحة البحرية، حيث يقدر أن القناة الجديدة ستجذب السفن التي تمر حالياً عبر طريق رأس الرجاء الصالح، والتي تمثل حوالي ستة أضعاف الدخل الحالي لقناة السويس.
كما يتضمن المشروع إنشاء ميناءين عملاقين في طابا والعريش، بالإضافة إلى خط سكة حديد يربط بين المدينتين، ومناطق لوجستية تشمل محطات حاويات ومخازن ترانزيت، مما يعزز من قدرة مصر على المنافسة عالمياً.
مراحل التنفيذ والجدوى الاقتصادية
ويقسم المشروع إلى ثلاث مراحل رئيسية، حسب الخطة المقترحة:
- المرحلة الأولى (5-7 سنوات): تشمل تسوية المسار إلى مستوى سطح البحر، وبناء ميناءين في طابا والعريش، ومد خط سكة حديد.
- المرحلة الثانية: استكمال الحفر وبدء تشغيل القناة جزئياً مع إنشاء البنية التحتية اللوجستية.
- المرحلة الثالثة: التوسع في الخدمات واستقبال السفن العملاقة بشكل كامل مع تعمير مناطق سيناء المحيطة.
ومن الناحية الاقتصادية، يروج للمشروع على أنه سيوفر ما يقرب من 8 ملايين فرصة عمل، وسيمول ذاتياً من خلال بيع المواد المستخرجة من عمليات الحفر، مثل المعادن والموارد الطبيعية في سيناء، ومع ذلك، تظل التكلفة الإجمالية للمشروع غير محددة بدقة.

نقلة تنموية واستراتيجية
ويرى المؤيدون، ومن بينهم خبراء اقتصاديون ومهندسون، أن المشروع لن ينافس قناة السويس بل سيكملها، حيث سيخدم فئة جديدة من السفن العملاقة التي تحتاجها التجارة العالمية.
كما يشيرون إلى أن تعمير سيناء سيكون أحد أبرز مكاسب المشروع، حيث سيسهم في إنشاء مدن جديدة ومناطق صناعية، مما يعزز الأمن القومي ويحد من التهديدات في المنطقة.
ويؤكد البعض أن المشروع يمثل استجابة استباقية للمشاريع الإقليمية المنافسة، مثل تلك التي تسعى دول أخرى لتطويرها لربط الخليج بأوروبا.
وفي هذا السياق، وجه الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، مناشدة عاجلة للمسؤولين في الدولة، جاء فيها: "إلى كل المسؤولين بالدولة، نكرر الدعوة لمشروع قناة طابا-العريش وضرورة التعجيل في تنفيذ هذا المشروع، حيث أكدت الدراسات العلمية استحالة توسيع قناة السويس، وبالتالي تأتي أهمية هذا المشروع الوطني".
وأضاف: "كما أنه لا تأثير لهذا المشروع على قناة السويس لأن القناتين في بلد واحد وتحت إدارة واحدة، وإن المشروع سيجعل إسرائيل عاجزة عن مجرد التفكير في العودة إلى سيناء مع وجود مانع مائي عرضه 550 متراً".
وتابع: "من خلال تلك القناة سيتم نقل خط الدفاع عن مصر إلى عمق 170 متراً، وميدانياً يتضمن مشروع قناة طابا-العريش حفر ممر مائي عملاق بين منطقة خليج العقبة والبحر المتوسط في المنطقة شرق العريش، مروراً بالمنطقة الحدودية المصرية بين مصر وإسرائيل بطول قدره 231 كيلومتراً وعرض يتراوح من 500 إلى 1000 متر، وبعمق يصل إلى 250 قدماً، مما يؤدي إلى تنمية سيناء خصوصاً منطقة وسط سيناء".
الواقع الحالي والمستقبل
وحتى اليوم، يبقى المشروع في مرحلة الفكرة والدراسات الأولية، دون إعلان رسمي عن بدء التنفيذ، ومع ذلك، تظهر تصريحات مسؤولين مثل وزير النقل كامل الوزير في 2023 تركيز الدولة على تطوير ممرات لوجستية في سيناء، مثل خط السكة الحديد "الفردان – العريش – طابا"، كجزء من رؤية أوسع للتنمية.
ويبدو أن مصير هذا المشروع يعتمد على توازن دقيق بين الطموح الاقتصادي والحسابات الاستراتيجية، في وقت تسعى فيه مصر للحفاظ على مكانتها كلاعب رئيسي في التجارة العالمية.
0 تعليق