كيف يتجاوز الإنسان رهبة التغيير في مسار الحياة ويخطو خارج منطقة الراحة؟

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يُعتبر التغيير جزءًا لا مفرّ منه في مسار الحياة، حيث يطال ظروف الإنسان وعلاقاته ونظرته لنفسه وللعالم حوله، ويشكّل في أحيان كثيرة فرصة للنمو والتجدد، إلا أن العديد من الأشخاص يواجهونه بمشاعر متضاربة قد تصل إلى القلق أو الخوف أو الرفض، مفضّلين الركون إلى منطقة الراحة التي تتميّز بالاستقرار.

في هذا السياق تُطرح تساؤلات حول دوافع التمسك بالمألوف وتجنّب المجهول، وحول الميل إلى البقاء في منطقة الراحة باعتبارها ملاذًا نفسيًا يمنح الإحساس بالأمان ويُجنب صدمات التغيير. كما يُثار النقاش حول كيفية تحقيق التوازن بين الحاجة إلى الاستقرار والدعوة المستمرة إلى التجديد، إضافة إلى فهم مشاعر المقاومة باعتبارها جزءًا طبيعيًا من تجربة التحول.

رهبة التغيير

ندى الفضل، معالجة وأخصائية نفسية إكلينيكية، تقول إن “الإنسان يحسّ بالخوف من التغيير ويبحث عن الأمان والاستقرار، وعندما يواجه موقفًا جديدًا لا يعرف عواقبه، يبدأ في التفكير في الأفكار السلبية”، مشيرة إلى أن “هذا الخوف قد يكون أحيانًا ناتجًا عن تجارب سابقة سلبية مع التغيير أو بسبب ضعف الثقة بالنفس في التعامل مع المتغيرات”.

وأضافت أن “منطقة الراحة Zone de confort هي المساحة التي يعرف فيها الإنسان ما يتوقعه، حيث لا مفاجآت ولا تهديدات”، مبرزة أن “هذه المنطقة، التي تحتوي على الروتين والأحداث المألوفة والتحكم، تمنح الشخص شعورًا بالاطمئنان حتى لو لم تكن مثالية”، وأوضحت أن “الخروج منها يتطلب مجهودًا عقليًا وعاطفيًا، وأحيانًا مواجهة الفشل أو الخوف أو الرفض”.

ولفتت الفضل، في تصريح لهسبريس، إلى أنه “ليس كل تغيير ضروريًا، ولكن المرونة في تقبّل التغيير أمر أساسي للنمو الشخصي”، مشيرة إلى أن “الأحداث الحياتية تتغيّر باستمرار، ومن لا يتكيّف قد يبقى عالقًا في أنماط قديمة لا تصلح للمستقبل”، وأكدت في الوقت ذاته أن “السعي المستمر للتغيير يجب أن يكون مدروسًا، لا بدافع الهروب من الواقع أو الملل، بل بحثًا عن التحسين والتطور”.

وأوضحت أن “الاعتراف بالمشاعر هو أول خطوة للتعامل مع مقاومة التغيير”، مشيرة إلى أنه “لا بأس بالخوف أو القلق”، قبل أن تدعو إلى تحليل مصدر هذه المشاعر، متسائلة: “ما الذي يثير الخوف؟ فقدان السيطرة؟ الفشل؟ الرفض؟”. واعتبرت أن “هذا التحليل يُسهم في فهم أعمق للتحديات النفسية المرتبطة بالتغيير”.

وتابعت المعالجة والأخصائية النفسية الإكلينيكية قائلة: “تقسيم التغيير إلى خطوات صغيرة يجعل التقدم أقل رعبًا وأكثر قابلية للتحقيق”، مضيفة أن “طلب الدعم من أصدقاء أو مرشدين أو مختصين يساعد في تخفيف الضغط”، وأوصت بـ”التركيز على الفرص بدل التهديدات، مع التساؤل: ما الذي قد أكسبه من هذا التغيير؟”.

قبول التغيير

مها القادري، أخصائية في الطب النفسي، قالت إن “الحياة مليئة بالتغيرات التي قد تكون كبيرة أو صغيرة، متوقعة أو غير متوقعة، ومرغوب فيها أو غير ذلك، وهي التي تحدد مسارنا ومستقبلنا كالزواج، وازدياد مولود، والطلاق، والعمل، وفشل المشروع، ودخول الجامعة، والانتقال إلى بيت جديد، وفقدان شخص عزيز…، وبالتالي نحن نضطر دائما إلى التعقلم مع التغيرات التي تساعد على التعلم والتطور والنضج”.

وأضافت المتحدثة، في تصريح لهسبريس، أن “هذا التغير قد يكون صعبا حسب قدرات الشخص على السيطرة على الوضع الجديد، حيث إن بعض الأشخاص يتعرضون لمقاومة غير واعية، مع ظهور أعراض كالقلق والخوف وفي بعض الأحيان الاكتئاب”، مؤكّدة أن “الخوف من التغير هو رد فعل بشري شائع جدا وله أسباب نفسية وبيولوجية واجتماعية…”.

وأوضحت أن “دماغ الإنسان يحب التوقع والاستقرار، فهو مبرمج على البحث عن الآمان، وبالتالي يميل إلى الاستقرار وينظر إلى التغيير على أنه تهديد محتمل لأنه يُدخل عناصر من اللا يقين”، مشيرة إلى أن “التغيرات الإيجابية بدورها، كالوظيفة الجديدة أو الانتقال، يمكن أن تثير التوتر لأنها تهز الأنظمة المألوفة”.

وأبرزت الأخصائية في الطب النفسي أن “التغيير قد يولد شعورا بفقدان التحكم في الحياة أو عدم القدرة على التنبؤ بما سيحدث، وهذا الإحساس بفقدان السيطرة يؤدي إلى القلق، وأحيانا إلى تجنب المواجهة”، مشيرة إلى “المعتقدات السلبية والتوقعات المتشائمة كالأفكار مثل “سأفشل”، و”الأمر سيكون أسوأ”، التي قد ترتبط أحيانا بتجارب سلبية سابقة”، منبّهة أيضا إلى أن “التغيير قد يعني التعرض للحكم من قبل الآخرين أو الخوف من الفشل أمامهم، مما يشكل عائقا نفسيا لدى الكثير من الناس”.

وقالت الأخصائية ذاتها إن “الوضعية الحالية وإن لم تكن مثالية فهي مألوفة، وبالتالي مُطمْئِنة، لأن منطقة الراحة تخلق وهم الأمان، والخروج منها يتطلب جهدا نفسيا”، مضيفة أن “قبول التغيير ضروري في كثير من الحالات للمضي قدما، لكنه يعتمد على نوع التغيير”، وأبرزت أن “قبول التغيير لا يعني الاستسلام أو الخضوع له، لكنه يعني الاعتراف بالواقع كما هو دون أن يكون يحظى بالضرورة بالموافقة أو الخضوع له”.

وأفادت أن “القبول ضروري غالبا لأن مقاومة التغيير تستهلك الكثير من الطاقة النفسية، ويمكن أن تولد معاناة واضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب”، مؤكّدة أن “القبول يساعد على استعادة السيطرة على ما يمكن التحكم به وترك ما لا يمكن تغييره، إلا أن القبول لا يكون دائما فوريا، بل هو عملية تدريجية عوض أن يكون قرارا مباشرا، كما أنه غالبا ما يمر بمراحل الرفض والصدمة والحزن والغضب…”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق