حزن جماعي يخيم على "آهات غالاتيا"

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

رواية “آهات غالاتيا” عمل سردي جديد للروائية سمية قرفادي التي نجحت في بناء لغتها واسمها في مشهدنا الروائي المغربي، يقودنا نحو عوالم تمتزج فيها الآهات الحزينة بالآمال المفرحة، تتصارع الأحداث في سياق من التوتر الدرامي يمنح سرد سمية قرفادي حركية تأخذنا بعيد نحو أعماق نفوش شخصيات ممزقة تواجه مصيرها مرة بانهزامية وأخرى بنفس ملحمي أسطوري.

ما يشدنا في رواية “آهات غالاتيا” هو اللغة الشاعرية المتميزة.. جمل سلسلة ولغة متينة، أسلوب جذاب وحبكة سردية محكمة أضفت على المشاهد الوصفية جرسا موسيقا عذبا ينساب بين حنايا الروح، لتولد الرواية من رحم مخيفة تضج بالأفكار، عصارتها تملأ فصولها بأنين شخوصها وأمزجتهم المتقلبة، وأرصفة وشوارع مدنها المتباينة. وتنوع غلافها الزمني وأحداثها المتناقضة أحيانا والمختلفة أخرى.

يقول الناقد عبد الرحمان بوطيب في تقديمه لهذه الرواية الآسرة: “نقول ـ نحن الراحلين، جمعا، في دروب معاناة وانكسار – ونحن نعيش مع “غالاتيا” حياتها/ حياتنا أننا في إبحارنا معها ورقيا سندرك جيدا، وحتما، أننا نموت أكثر من مرة، لكن العنقاء منا/ فينا ستحيا مرتين.

“غالاتيا / جلنار”، من صورتها في حياتها “الحقيقية” – وتعيين هذه الخلفية غير المشروعة مجازفة مصطلحية منا -عديدُ صورٍ من “غالاتيات / جلنارات”… ومن صورتها في حياتها، “المتخيَّلة المسرودة”، نموذج متفرد بصورة منه وبكيان… قد يكون في نموذجه المرجعي متحققا في واقع وتعبيرا عن كيان، وقد لا يكون في متخيله المسرود متحققا في واقع نحن منه، قطعا، الواقعَ والكيان.

بين حَدِّ خلفيةٍ روائية غير مشروعة وحد منجز روائي شاخص ورقيا، تعالقات وامتدادات تطرح علينا، في عمق تجربة التلقي، عديدَ تساؤلات نقدية… تساؤلات راهنة آنية، نكتفي منها بثلاث، تولد لنا من رحمها استنتاجات مشرعة على أبواب إشكالات طرحت سابقا… وتُطرح في هذا الهنا وهذا الآن.

-أول الأبواب، باب مفتوح على تساؤل مشاغب يروم خلخلةَ قضية نقدية ساخنة، قد يبدو أن أمرها قد حُسِمَ فيه نقاشٌ بانتهاءٍ إلى متفق عليه من أحكام… هل هناك رواية نسائية، أم إن هذه الرواية جنس هجين؟

– ثاني الأبواب، باب مفتوح على تساؤل حارق يبتغي محاورةَ قضية قيمية، قديمة/ جديدة، قد يبدو أن أمرها لم يحسم بعد بين فلاسفة ومفكرين ومنظرين… هل القيم متغيرة بتغير الظروف، أم أن لها جوهرٌ ثابتٌ راسخُ جذرٍ على أصلٍ له عنه لا يحيد؟

– ثالث الأبواب، باب مشرع على تساؤل جمالي يأمل ملامسةَ مسألة أدبية فنية مغرية بالتتبع والمعاينة… ما مدى جمالية اقتحام “لغة شعرية” صرح “لغة سردية”، وما جدوى وظيفيتها التعبيرية التأثيرية التواصلية؟

بدءاً، مغامرةً منا في محاولة فتح باب أول – بعيدا عن أي ادعاء بامتلاك صواب رأي – نقول: “غالاتيا” رواية حددت لنفسها ولنا “جنسها” بكامل الاصطفاف… هي الرواية النسائية الخالصة، يدعمها في ذاك مشيران اثنان:

– مشير أول/ مبتدأ متعلق بجنس مبدع / كاتب الرواية “الغالاتية”… الراحل بنا ومعنا كاتبة، وليس كاتبا… هي الكاتبة “سمية قرفادي”، الروائية القاصة الشاعرة”.

إنها رواية” آهات غالاتيا” للمبدعة سمية قرفادي التي نجحت في نحت صوتها السردي الخاص، فضاؤها متنوع. شخوصها يعيشون على حافة القلق، بطلتها مثقلة بأسئلة ملغزة وقلق لا يلين، زمانها مختلف، نحن أمام عمل أدبي متميز للروائية المغربية سمية قرفادي. عمل يجمع بين الحقيقة والخيال. بين الأسطورة والميثولوجيا، تقود بنيته السردية المتعددة الأصوات، بمجموعة من الرؤى الفلسفية وسط فضاءات مدينة سلا، مدينة التصوف والزهد، مدينة المجاهدين والمضطهدين… مدينة الرجالات السبع وأولياء الله الصالحين..

حيث تقدم لنا الرواية رحلة صاخبة مكتظة بضجيج الحدث ووفاء القهر حاملة في طياتها متناقضات الحياة من حب وكراهية استسلام وانتصار حبور وضياع. في قالب إنساني/اجتماعي/رومانسي.. واضطهادي أحيانا بكل السياسات والنزعات التهديمية والإنتقامية.. كل ذلك في قالب سردي درامي وبلغة شاعرية ماتعة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق