الموقف الأمريكي من الصحراء المغربية يعرّي تناقضات الخطاب الجزائري

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ظل التحولات المهمة التي تشهدها خارطة المواقف الدولية تجاه قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، تجد الجزائر، الداعمة للطرح الانفصالي في الصحراء، نفسها أمام واقع دبلوماسي جديد خلق لديها ارتباكًا واضحًا، خاصة في التعاطي مع موقف واشنطن التي أعادت تأكيد موقفها المؤيد لمخطط الحكم الذاتي كخيار أوحد لتسوية هذا النزاع الإقليمي.

ارتباكٌ ظهر جليًّا في النبرة المنخفضة التي تعاملت بها الخارجية الجزائرية مع هذا الموقف، عكس باقي المواقف الأخرى المؤيدة للطرح المغربي التي كان موقف الجزائر منها أكثر حدة، ما يكشف، حسب مهتمين، عجزا جزائريا في مجاراة توجهات قوة دولية بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، التي يخشى “قصر المرادية” إثارة غضبها أو معاكسة اختياراتها الاستراتيجية في المنطقة.

كما ظهرت هذه الازدواجية الجزائرية في كلمة أحمد عطاف، وزير خارجية هذا البلد المغاربي، بمناسبة افتتاح أشغال الدورة الجزائرية الإثيوبية المشتركة، التي أشار من خلالها إلى ما أسماه “المعاناة والمآسي التي تتفاقم في الصحراء بسبب جمود العملية السياسية، والمحاولات الأخيرة العلنية والوقحة لحرمان الشعب الصحراوي من حقه في تقرير مصيره”، في إشارة غير مباشرة إلى موقف إدارة دونالد ترامب.

وقال شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، إن “النظام الجزائري يواجه ضغوطًا دولية متزايدة بشأن موقفه السلبي تجاه ملف النزاع في الصحراء، خاصة من طرف الإدارة الأمريكية في موقفها الأخير الداعم لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط”، مضيفا أن “هذا الواقع الجديد وضع الجزائر في حالة ارتباك واضح، تجلى بوضوح في بيان الخارجية الجزائرية الصادر بعد إعادة تأكيد واشنطن موقفها، والذي كان مقتضبًا ومحتشمًا، عكس البيانات الصادرة بمناسبة موقف فرنسا أو إسبانيا على سبيل المثال”.

وأوضح المتحدث لهسبريس أن “النظام الجزائري متوجس كثيرًا من التحولات التي تحدث في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العديد من القضايا الإقليمية، وعلى رأسها قضية الصحراء، فهو متخوف من النهج المواجهاتي الذي يتبعه الرئيس دونالد ترامب، خاصة في ظل وزن الموقف الأمريكي، ووجود محاولات أمريكية داخلية لدفع واشنطن إلى وضع البوليساريو ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية”.

وأبرز شوقي أن “الموقف الجزائري اليوم خارج مسار التاريخ الذي يسير في تثبيت السيادة المغربية على الصحراء ويرفض الانفصال أو إنشاء جمهورية وهمية في الصحراء”، مؤكدا أن “التحولات التي تعرفها قضية الصحراء لا تعمق عزلة الجزائر الدولية على هذا المستوى فقط، بل تضر أيضا بصورتها وسمعتها الدولية، التي تضررت كثيرًا بسبب السياسة الخارجية الجزائرية التي جعلت العديد من الدول ترفض تحركات النظام ومواقفه المُقوضة للأمن والاستقرار في المنطقة”.

من جانبه، أوضح جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، أن “تباين رد الفعل الجزائري راجع إلى حسابات استراتيجية تأخذ في الاعتبار مكانة وثقل الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى، وطبيعة المصالح التي تجمع الجزائر بالأطراف الأخرى”.

وأضاف قائلًا: “إذا كانت الجزائر قد انتقدت مواقف كل من إسبانيا وفرنسا في مرات عديدة، وأبدت حدة في بعض المواقف، فذلك راجع إلى اعتقاد الجزائر بأنها تملك أوراقًا تمكنها من الضغط والمناورة (كالطاقة والتعاون الأمني والهجرة)، في حين إن الأمر مختلف مع الولايات المتحدة الأمريكية، فعلاقاتهما الثنائية أقل تشابكًا مقارنة بفرنسا وإسبانيا، ثم إن الدخول في مواجهة دبلوماسية علنية وحادة مع أمريكا له تداعيات أكبر بكثير وبمخاطر أعلى من مواجهة أي قوة أوروبية، والجزائر تدرك هذا الفارق جيدًا، خصوصا مع رئيس للبيت الأبيض مثل ترامب”.

وشدد القسمي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أن “الجزائر أصبحت واعية، وهي التي لم تستطع الوصول إلى مبتغاها بالضغط على فرنسا وإسبانيا، أنها لا يمكنها الضغط المباشر على الولايات المتحدة الأمريكية، وأن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية، لذلك فهي تكيف تكتيكاتها الدبلوماسية بما يتناسب مع حجم الفاعل الدولي. ثم إن نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية قادر على التأثير في مواقف المؤسسات المالية الدولية، وكذلك على الاستثمارات الأجنبية بشكل عام”.

وخلص الباحث في العلاقات الدولية إلى أن “الجزائر تأمل، من خلال عدم اتخاذ موقف حاد من الإدارة الأمريكية، الإبقاء على قنوات الحوار مفتوحة مع واشنطن، في محاولة لاستمالة موقفها، أو على الأقل جعلها تتراجع عن الاعتراف المعلن بمغربية الصحراء، وهي تخشى تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية، لما لذلك من تداعيات مباشرة عليها كدولة راعية للإرهاب”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق