أصدرت المحكمة الابتدائية بالقنيطرة، الأربعاء، حكما بتغريم أستاذ يعمل مساعد مدير بإحدى المؤسسات التعليمية بالإقليم مبلغا قدره 3000 درهم على خلفية “تعنيفه” زميلة له قبل سنتين خلال اجتماع رسمي بالمؤسسة، في واقعة قوبلت آنذاك بانتقادات واسعة من لدن الفاعلين التربويين والحقوقيين، وامتدت ارتداداتها لتصل إلى البرلمان المغربي بعدما تأخر البت في شكاية الضحية ضد المتهم.
وفي تفاصيل الحكم الذي اطلعت على منطوقه جريدة هسبريس الإلكترونية، قضت المحكمة “بمؤاخذة المتهم من أجل ما نسب إليه، ومعاقبته على ذلك بغرامة مالية قدرها 500 درهم”، وأدائه تعويضا لفائدة المطالبة بالحق المدني قدره 2500 درهم مع تحميله الصائر، والإجبار في الأدنى.
وتكشفت فصول هذه القضية بعدما وجهت النائبة البرلمانية عن حزب الاستقلال، خديجة الزومي، سؤالا كتابيا إلى وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، في 3 مارس من السنة الماضية، حول مآل “شكاية تقدمت بها (أ.ب)، أستاذة التعليم الابتدائي بفرعية المنشية التابعة لمدرسة أولاد احمود والجماعاتية بدوار أولاد احمود وعامر السفلية، إقليم القنيطرة، لدى وكيل الملك بالمحكمة سالفة الذكر، بتاريخ 27 دجنبر 2022، ضد زميل لها يشتغل في الفرعية نفسها، مفادها أن هذا الأخير اعتدى عليها بالسب والشتم والضرب والجرح على مرأى ومسمع من عموم الحاضرين في اجتماع مسؤول”.
وقالت النائبة البرلمانية، التي واكبت هذه القضية، غداة صدور الحكم إن “المحكمة انتصرت للأستاذة التي عنفت في القنيطرة والتي كانت موضوع سؤال مرفوع إلى وزير العدل. لا للعنف ضد النساء”.
ورغم تأكيدهن “كون القضاء مبدئيا مستقلا وله السلطة التقديرية”، إلا أن حقوقيات علقن على الحكم بأنه “غير كافٍ وينطوي على منح الضحية تعويضا هزيلا لا يتلاءم مع مدة العجز التي تسبب فيها الاعتداء للضحية، وهي 38 يوما”، منبهات إلى أن ما يؤخذ على هذا الحكم، شأنه في ذلك شأن أحكام عديدة صدرت في قضايا مماثلة، هو أنه “لن يمحو ما لحق الأستاذة من ضرر وندوب نفسية لوحدها تستوجب تشديد العقوبة لوضع حد لإحساس المعنِّفين بالأمان من العقاب”.
جدير بالذكر أن جريدة هسبريس الإلكترونية تواصلت مع الأستاذ المساعد التربوي الذي جرت إدانته، لكنه رفض بشكل قاطع تقديم أي تعليق بخصوص هذا الموضوع.
“حكم غير كاف”
في تعليقها على الموضوع، قالت المحامية والحقوقية فتيحة شتاتو إن “القضاء مستقل وله السلطة التقديرية في نهاية المطاف، غير أن الحكم الصادر في حق معنف هذه الأستاذة يعتبر في تقديرنا غير كافٍ؛ فعجز 38 يوما لا يكفيه هذا التعويض”، مردفة بأن “غرامة 2500 درهم هزيلة جدا ولن تعوض الضحية عما مورس عليها من عنف جسدي وصحي من طرف المتهم”.
واستدركت شتاتو، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن “الإشكال الكبير هو أن هذه العقوبة لن تمحو ما لحق الأستاذة من ضرر وندوب نفسية، وهو إشكال تكرر في قضايا عدة مماثلة؛ إذ لا يتم تقدير التبعات النفسية للعنف ضد الضحايا، ما يجعلهن يكابدنها لوحدهن في نهاية المطاف”، مضيفة: “لهذا دعونا كجسم حقوقي إلى إجراء وقفة تقييمية بعد مرور حوالي خمس سنوات على دخول القانون 103.13 حيز التنفيذ، وتعديله لتوفير عقوبات ملائمة تضمن تعويض الضحايا وردع المتهمين”.
وذكرت المحامية والحقوقية ذاتها أن “تعرض الأستاذة المعنية للاعتداء في اجتماع وعلى مرأى من زملائها، يكشف بالملموس أن تعنيف النساء ما يزال أمرا سائغا ومستهانا به رغم بذل الدولة مجهودا مثمنا لتطويقه بإصدار القانون سالف الذكر. ولذلك، ثمة حاجة ملحة لتشديد العقوبات التي يتم إنزالها في حق المتهمين”.
ولفتت المتحدثة إلى أن “القانون وحده ليس كافيا للحد من الاعتداء على النساء في مؤسسات العمل، وعلى رأسها المدارس الابتدائية، بل يجب أن يتم نصب كاميرات مراقبة داخل هذه المؤسسات لأجل تمكينهن من الإثبات، خصوصا وأن ضحايا كثيرات يواجهن إشكالات كبيرة على هذا الجانب”، موردة أن “وقوع عبء الإثبات على المعنفات هو إحدى ثغرات القانون 103.13، التي نطالب بسدها، وتحمل النيابة العامة لمسؤوليتها في هذا الصدد”.
“ضرورة الردع”
على النحو ذاته سار تدخل الفاعلة الحقوقية بشرى عبدو، التي قالت إن “المبلغ الذي أقر للضحية في هذه النازلة لا يرقى إلى جبر الضرر، سواء ماديا أو نفسيا؛ فـ2500 درهم لن تعوض ولو نسبة ضئيلة من أتعاب المحامي، وبالكاد تمثل مقابل حصتين أو ثلاث عند معالج نفسي”، مردفة أن “منح الضحية شهادة طبية تثبت عجزها لمدة 38 يوما يؤكد أن الضرر الجسدي كان كبيرا، ومن غير المستبعد أن يكون مستداما، ولا يكفي المبلغ لتعويضه”.
وأضافت عبدو، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “ما يهمنا في نهاية المطاف ليس قيمة التعويض المادي، وإنما الإنصاف وجبر الضرر النفسي والمعنوي عبر إلحاق أقصى العقوبات المادية والسجنية لأجل وضع حد لاعتقاد المعنِّفين بوجود تسيب وبكون النساء حائطا قاصرا”، مشيرة بدورها إلى أن “تعنيف المتهم للضحية في وسط مؤسسة رسمية يكشف في نهاية المطاف أنه ما يزال هناك استهتار بالقانون وإحساس بالأمن من العقاب”.
وشددت الفاعلة الحقوقية ذاتها على “ضرورة تحمل الدولة مسؤوليتها في فرملة تعنيف النساء من خلال إنزال عقوبات بحجم الضرر الذي لحق الضحايا كيفما كان نوعه، جنسيا أو جسديا أو رقميا”، مضيفة أن “مواكبة هؤلاء والتقليل من معاناتهن النفسية، يتطلب من الدولة إحداث صندوق لأجل تقديم تعويضات مالية تمكنهن على الأقل من تغطية مصاريف حصص المواكبة والدعم النفسي”.
0 تعليق