ترامب والحرب التجارية الكبرى: كيف تهدد سياساته الاقتصاد العالمي؟

تحيا مصر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

منذ تولّيه منصب الرئاسة، لم يتوانَ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن التلويح بسيف الحرب التجارية ضد خصومه الاقتصاديين، لكنّ ما بدأ كشعار انتخابي تحوّل سريعًا إلى سياسة اقتصادية متهورة تهدد النظام التجاري العالمي برمّته.

أحدث فصول هذه السياسة تجسّد في الضرائب الجمركية الواسعة التي فرضها ترامب على واردات أميركا، مدّعيًا أنها ستحمي الصناعة الوطنية، وتقلّص العجز التجاري المزمن الذي تعاني منه البلاد. غير أن ما غفل عنه الرئيس الجمهوري  أو تجاهله عمدًا  هو أن العجز التجاري ليس نتاج مؤامرة عالمية ضد أميركا، بل نتيجة خلل داخلي عميق في الاقتصاد الأميركي نفسه.

هل فعلاً يُسرَق الأميركيون؟ 

يُروّج ترامب لمقولة أن العالم "يسرق" أميركا عبر الفائض التجاري، وأن هذا يستدعي الرد برسوم جمركية عقابية. لكن هذه الفكرة تُعد خرافة اقتصادية باهظة الثمن.

فالعجز التجاري لا يعني أن الآخرين يخدعونك، بل يعني ببساطة أن أميركا تستهلك أكثر مما تنتج، وتنفق أكثر مما تجني. إنه انعكاس مباشر لعجزها المالي وسلوكها الاستهلاكي، وليس لسلوك شركائها التجاريين.

بلغة الأرقام: في عام 2024، استوردت الولايات المتحدة ما قيمته 5.9 تريليون دولار من السلع والخدمات، بينما بلغت صادراتها 4.8 تريليون دولار، لتسجّل عجزًا في الحساب الجاري يُقدّر بـ1.1 تريليون دولار. الفرق ببساطة سببه أن الدولة تنفق أكثر مما تكسب، وتسدّ الفجوة بالديون.
 

الرسوم الجمركية: دواء خطير لمرض مختلف

ترامب يعتقد أن فرض رسوم على الواردات سيحل المشكلة، لكنه يخوض معركة خاطئة بأسلحة خاطئة. فالرسوم لن تقلّص العجز التجاري طالما أن العجز المالي مستمر بفعل سياسات تخفيض الضرائب للأثرياء، والنفقات الضخمة على الحروب والبنتاغون.

وحتى لو انخفضت الواردات، فإن النتيجة ستكون انكماش الصادرات بالمثل، نظرًا لردود الفعل الدولية وفرض رسوم مضادة على المنتجات الأميركية. النتيجة؟ العجز يبقى، لكن الأسعار ترتفع، والتضخم ينتشر، والاقتصاد يتضرر.

ترامب ومغازلة الفوضى العالمية

تُظهر سياسات ترامب التجارية وجهًا آخر لحكمه: السعي لتقويض المؤسسات العالمية التي ساهمت أميركا نفسها في بنائها بعد الحرب العالمية الثانية. منظمة التجارة العالمية، والاتفاقيات المتعددة الأطراف، وحتى النظام المالي العالمي، كلها باتت تحت تهديد مباشر من شعبوية اقتصادية لا تملك استراتيجية واضحة سوى "أميركا أولاً" مهما كلّف الأمر.

الضرر لا يقف عند حدود الاقتصاد الأميركي. فالعالم بات رهينة لمزاجية قرارات البيت الأبيض، وسط تآكل الثقة في الاستقرار التجاري، واضطرابات في الأسواق الناشئة، وتراجع سلاسل التوريد العالمية.

من يدفع الثمن؟ العمال والفقراء وليس أصحاب المليارات

يُروّج ترامب لسياساته باعتبارها "مناصرة للعمال"، لكن الحقيقة أن الرسوم الجمركية ترفع أسعار السلع الأساسية، وتضعف القوة الشرائية للأسر المتوسطة. أما المستفيدون الحقيقيون فهم كبار الشركات التي تحصل على إعفاءات ضريبية، بينما يُسحق المواطن العادي تحت وطأة التضخم.

بل الأسوأ أن ترامب يسعى الآن إلى تمويل تخفيضات ضريبية جديدة على الأثرياء من خلال خفض برامج الرعاية الصحية والاجتماعية مثل Medicaid وSocial Security، ما يعني إفقار الفقراء لتمويل امتيازات الأغنياء.

الطريق البديل: كيف يمكن إصلاح الخلل فعلاً؟

بدلاً من إشعال الحروب التجارية، الحل يكمن في إصلاح جذري للسياسات المالية الأميركية:

إلغاء التخفيضات الضريبية للأثرياء.

استثمار واسع في البنية التحتية والطاقة الخضراء.

دعم برامج الرعاية الصحية والتعليم.

تعزيز دور النقابات ورفع الحد الأدنى للأجور.

واستعادة دور الدولة كمنظّم ومحرّك للنمو المستدام.

هذه السياسات، وليس فرض الرسوم، هي ما يعيد التوازن الحقيقي بين ما تنفقه أميركا وما تنتجه، بين ما تستهلكه وما تصدّره.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق