قال المفكر والفيلسوف المغربي محمد المصباحي، اليوم السبت، إن “المنجز الأساسي للتصوف الإسلامي أنه أثبت أن هذا الدين يستوعب الحب أيضًا، مع أن المسيحية هي دين الحب طبعًا، لأنه في السياق الإسلامي كان الحب هامشيًا إلى حدّ كبير، رغم وجود آيات رائعة وأحاديث هائلة” عن هذه القيمة، معتبرًا أن “المتصوفة، وخاصة ابن عربي، أخرجوا ما هو بالقوة في الإسلام، أي إنهم جعلوه دين الحب”.
وأورد المصباحي، صاحب “ابن عربي في أفق ما بعد الحداثة”، خلال مشاركته في ندوة “تجليات المحبّة في التراث العربي” ضمن الدورة الـ30 من المعرض الدولي للنشر والكتاب، أن “موضوع الحب هو المرأة”، لكن الشيخ الأكبر، “أضاف موضوعًا ثانيًا: الله”؛ فـ”أجمل وأكمل حب” بالنسبة لكاتب “الفتوحات المكية” هو “حب المرأة”، وهو كذلك “لأنها مرآة الله؛ وأكثر من ذلك، فابن عربي لكي يثبت أن الإسلام هو دين حب جعل العالم كله جوهره الحب”.
وتابع الفيلسوف المغربي البارز: “أي إن الشوق هو الذي يحرك المحبوب نحو مبدئه. المرأة تحب الرجل لأنها تحب مبدأها، بما أنها انفصلت عنه، والإنسان يحب الله لأنه انفصل عن الإله”، وزاد المصباحي: “حب الإنسان لله يعني حب الجزء للكل، أو حب الفرع للأصل، وحب المرأة للرجل من الطبيعة نفسها؛ وهذا الشعور لا يمكن أن يكون بدون مناسبة بين المحب والمحبوب. والإنسان بالنسبة لابن عربي هو صورة الله، نتيجة نفخه فيه”.
وذكّر المتحدث بمرتكزات التصوف الإسلامي، مشيرًا إلى أن “الإنسان يحمل شيئًا من ماهية الله، وهذه هي مناسبة الحب بينهما”، وتابع: “الإنسان يحب خالقه. ومحبة الله بالنسبة للمتصوف تقتضي الفناء فيه والاتحاد معه، أي إن الذات البشرية تتحقق عندما تفنى داخل الذات الإلهية”، مبرزًا أن الأمر نفسه “ينطبق على حب المرأة، فعلاقتها مع الجنس الآخر مبنية على مناسبة ما؛ إنهما يشتركان في ماهية واحدة. الرجل يعتبر المرأة صورة له”.
كما قال كاتب “فلسفة الخيال في الفكر العربي الإسلامي” إن الرجل الذي لا يحب المرأة وفقًا لهذا المعنى “ليس رجلًا”، موضحًا أن “المحبة تساند وحدة الماهية بين الجنسين”، وأردف: “من جهة أخرى المحبة التي تكون بينهما هي سبيل للمحبة التي ستكون، وهي الأصل، بين الإنسان والله. في هذه الحالة المحبة جوهر العالم، وجوهر العلاقة بين الإنسان والوجود، والأكثر من ذلك أنها غاية الوجود البشري”.
وشدد المفكر المغربي المهتم بفلسفة ابن رشد على أنه “لولا المحبة لما كان الإنسان، ولما كان العالم، لأن الله قال في أحد الأحاديث القدسية: ‘أحببت أن أُعرف فخلقت خلقا فعرفتهم بي فعرفوني’؛ فالمحبة أصل العالم، ولولاها لما كان، ولما كان الإنسان”، وواصل: “الله خلق الأخير كي يعبده، وكي يحبه أيضًا. والعلاقة بين الفلسفة والتصوف هي أن الأولى تسعى إلى الامتلاء بالوجود لتضفي عليه معنى”
ومَيّز المصباحي الفلسفة في هذا الباب عن التصوف من خلال “عدم سعيه إلى المعرفة”، مشيرًا إلى أنه “يبحث عن تحقيق الوحدة؛ وحدة وجدانية، ملؤها الشوق، والأمل، والمعاناة، التي تقتضي البُعد، الفراق، الألم، ولكنها كذلك تنتهي إلى أن تكون تجربة وجدانية وممتعة”.
ورفض المتحدث الإجابة عن سؤال مسيّر الندوة الأكاديمي عزيزي الحدادي بخصوص “ما الحب؟”، موردا أن “عادة التعريف من العادات السيئة عند الفلاسفة”، وقال: “التعريف يقتل الأشياء، والحب لا يمكن تعريفه ولا سجنه في نطاق خصائص محددة؛ إنه ينبغي أن يكون مفتوحًا؛ نحن لا نضمن نجاحه، ولا نضمن فشله. لأن الفشل في الحب حبٌ، والنجاح فيه حبّ، والبحث عن التعريف له يقضي عليه. ينبغي أن نظل شاعرين بالفراغ من أجل الامتلاء بالمرأة، أو الامتلاء بمحبة الله”.
0 تعليق