سودان يكتب عن "عُقَد الجيران" .. عقلية الضحية وهوس الإنفاق العسكري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

قال الصحافي الفرنسي فرانسوا سودان، مدير تحرير مجلة “جون أفريك” البارزة، إن النزاع حول إنهاء الاستعمار في الصحراء الغربية (كما تدعي الجزائر) “ليس سبب الخلاف العميق بين المغرب والجزائر؛ بل هو نتيجة لذلك”، مضيفا أن “الشعور بالحرمان والخيانة الذي شعرت به الرباط في أعقاب الاستقلال والقطيعة التي أحدثتها حرب الرمال (التي انتصر فيها المغرب عسكريا) كانا قد قادا العلاقات الثنائية إلى الطريق المسدود قبل بداية المسيرة الخضراء في نونبر 1975”.

وأفاد سودان، في مقال افتتاحي بعنوان “المغرب- الجزائر.. طلاق طويل الأمد” لعدد 3140 المؤرخ بشتنبر 2024 من “جون أفريك”، بأن الجزائر تعتبر قضية الصحراء “وجودية”، موضحا أن الهدف بالنسبة للجارة الشرقية “هو الوصول إلى المحيط الأطلسي من خلال دولة تابعة، مما سيقطع المغرب عن أي امتداد نحو إفريقيا جنوب الصحراء؛ وكذا الحفاظ على ميزان قوى عسكري مُرْهِق ماليا للمملكة من أجل إضعافها، بينما يتم في الوقت نفسه تقوية المنظومة التي تشكل الدولة داخل الدولة، ألا وهو الجيش الوطني الشعبي، من خلال عمليات ضخمة لشراء الأسلحة”.

وأضاف الصحافي الفرنسي المعروف، في مقال ترجمه الأكاديمي المغربي لحسن حداد إلى اللغة العربية، أن “الصراع مع المغرب وظهور إحساس غير مُبرر بالحصار وعقلية الضحية، وذلك منذ أن قامت الرباط بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل يبرر، في نظر القيادة العسكرية الجزائرية، حجم الإنفاق العسكري الهائل: أكثر من 18 مليار دولار في عام 2023 (مقابل 5.2 مليار دولار للمغرب)، مما يجعل الجزائر تحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث نسبة هذه النفقات مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي”.

نص المقال:

هناك بعض الذكريات يُفضّل المرء ألا يَحتفِل بها أبدا. قبل ثلاثين عاما، في 27 غشت 1994، وبعد فرض الرباط تأشيرة دخول على المواطنين الجزائريين الراغبين في السفر إلى المغرب، قامت الجزائر، تحت قيادة ليامين زروال، بإغلاق حدودها مع المملكة المغربية بقيادة الملك الحسن الثاني وبقيت مغلقة منذ ذلك الحين إلى الوقت الحاضر. منذ ثلاث سنوات، في نهاية غشت – وهو شهر يبدو أنه كان دائما قاتلا لفكرة الوحدة المغاربية – اعتمدت الجزائر، تحت قيادة عبد المجيد تبون، الانفصال الجسدي والروحي المؤلم بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب. منذ ذلك الحين، لم يحدث شيء، ولا شيء على الإطلاق، رغم الدعوات الروتينية من العاهل المغربي للعودة إلى الوضع الطبيعي، يوحي بأن الإخوة الأعداء قد يتحدثون مرة أخرى، حيث يبدو أن التنافر قد أصبح هيكليا ومُزمِنا.

من منظور التاريخ، هذا يعتبر نوعا من التشويه. هل يتم تعليم التلاميذ في البلدين إلى أي مدى كانت العلاقات بين الشعبين يوما ما متضامنة وأخوية؟ لا شيء يؤكد هذا. منذ أربعينيات القرن التاسع عشر، لم يتردد السلطان المغربي من سلالة العلويين، مولاي عبد الرحمن، في تقديم الدعم لانتفاضة الأمير الجزائري عبد القادر ضد آلة الحرب الاستعمارية الفرنسية، وهو ما كلف المملكة غاليا، بما في ذلك قصف طنجة وموغادور والمعركة الدموية في إسلي.

بعد قرن من الزمان، ورغم أنه كان من الصعب أن نتخيل أن الأمور قد تكون مختلفة، كان تصرف الملك محمد الخامس، خلال حرب الجزائر، مُشَرفا بكل المقاييس؛ فقد رفض بشكل قاطع العروض الفرنسية لإعادة منطقة تندوف للمملكة مقابل القضاء على قواعد جبهة التحرير الوطني في المنطقة الشرقية المغربية، وأطاح بمشروع تقسيم الجزائر شمال-جنوب، الذي كانت القوة الاستعمارية تسعى إلى ضم المغرب إليه. كانت “الصفقة” مغرية بالفعل، حيث كانت الحدود بين البلدين لا تزال غير واضحة ومحل نزاع. وردّ على ذلك جد الملك الحالي بأن “هذه المشكلة ستُحل بعد استقلال الجزائر مع إخواننا الجزائريين. ليس معكم”.

استغرق الأمر خمسة عشر شهرا فقط قبل أن يتحول الشعور بالتضامن الناشئ عن الكفاح ضد الاستعمار الظالم إلى الفعل الأول من مسلسل الصراع الأخوي، ألا وهو حرب الرمال في أكتوبر 1963، والتي انتصر فيها المغرب عسكريا؛ بينما حققت الجزائر بقيادة أحمد بن بلة انتصارا دبلوماسيا. لقد كانت للملك الحسن الثاني الحكمة في عدم الاستماع إلى نصائح الجنرال الكتاني، والذي كان يصر على اصطحابه للصلاة في مسجد وهران؛ ولكن هذه المواجهات، التي استمرت أربعة أسابيع وأدت إلى مقتل 500 ضحية، أسهمت في تشكيل رؤية معادية بعمق تجاه المغرب لدى اثنين من القادة الجزائريين الرئيسيين اليوم، اللذين كانا في ذلك الوقت في الثامنة عشرة من عمرهما.

اعترف كل من عبد المجيد تبون والجنرال سعيد شنقريحة بأن هذه الأحداث كانت مصدرا لصدمة كبيرة لهما في ذلك الوقت. ويضاف إلى هذا الخلاف الذي لم يُحسم قط شعور المغاربة بعدم اعتراف القادة الجزائريين بالجميل، وعدم تلقي المغاربة مقابل دعمهم للكفاح من أجل تحرير الجزائر سوى الاستفزاز والاستهانة من الإخوة الجزائريين. إحباط زادت من تغذيته الفجوة المتزايدة والتناقض الحاد بين النظامين. وانتهى، بفعل كثير من الكبرياء، بتغذية تصور متعارض تماما فيما بين الطرفين: الملكية التي عمرها ثلاثة عشر قرنا، مقابل الجمهورية التي لا يتعدى عُمرُها ستة عقود، والشرعية المغربية الناتجة عن الدم والأرض ونقل السلطة بالوراثة والكل تبعا للإرادة الإلهية مقابل الشرعية الجزائرية المنبثقة من اختيارات رجال ونساء وتضحياتهم.

لا يمكن تكرار هذا بما فيه الكفاية: النزاع حول إنهاء الاستعمار في الصحراء الغربية ليس سبب الخلاف العميق بين المغرب والجزائر؛ بل هو نتيجة لذلك. إن الشعور بالحرمان والخيانة الذي شعرت به الرباط في أعقاب الاستقلال والقطيعة التي أحدثتها حرب الرمال كانا قد قادا العلاقات الثنائية إلى الطريق المسدود قبل بداية المسيرة الخضراء في نونبر 1975.

عند إطلاق هذا الرهان الجريء، الذي هو المسيرة الخضراء، والذي كان يجمع بين التحدي النفسي واستعراض القوة والإعداد الإعلامي، والذي مكن الحسن الثاني من تحقيق انتصار باهر، كان هذا الأخير يفكر في المكاسب الجانبية التي كان يأمل في تحقيقها: استعادة سلطته التي تزعزعت بسبب محاولات الانقلاب، وإقامة الوحدة المقدسة حول العرش، والتألق كمحرر مثل والده محمد الخامس.

لكنه اعتمد على قاعدة ثابتة: حتى لو اعتبروا الصحراء أرضا بعيدة عن المركز، فإن مواطنيه كانوا يعتبرون مسألة مغربية هذه الأرض محسومة، ببساطة لأنها لم تكن محل نزاع. أما الصحراويون، فكانوا مغاربة، وكانوا كذلك دائما. مغاربة لكن مختلفين قليلا، بلا شك، بموالاة متقلبة أحيانا، لكنهم كانوا أساسا يؤدون الصلاة باسم الملك لقرون عديدة ويشاركون في هذا الشكل الفريد من الانتماء إلى الأمة المغربية، سواء على المستوى الشخصي أو الديني.

بمعارضة استعادة المغرب للصحراء الغربية، كانت الجزائر، بقيادة هواري بومدين، أيضا لديها أفكارها الخاصة. بالأمس كما هو الحال اليوم، نرى أن الخطابات حول واجب التضامن النضالي وحق الشعوب في تقرير مصيرها ليست سوى تبريرات، والتي تخفي غالبا مصالح أكثر دنيوية حين تصدر من أفواه قادة الدول. في هذه الحالة، كان الهدف بالنسبة للجزائر هو الوصول إلى المحيط الأطلسي من خلال دولة تابعة، مما سيقطع المغرب عن أي امتداد نحو إفريقيا جنوب الصحراء؛ وكذا الحفاظ على ميزان قوى عسكري مُرْهِق ماليا للمملكة من أجل إضعافها، بينما تتم في الوقت نفسه تقوية المنظومة التي تشكل الدولة داخل الدولة، ألا وهو الجيش الوطني الشعبي، من خلال عمليات ضخمة لشراء الأسلحة.

هذه الأهداف، التي كانت منذ البداية أهداف قادة الجزائر، لم تتغير كثيرا بعد نصف قرن. كان هناك بلا شك بعض لحظات الهدوء بين عامي 1988 و1989، عندما جعلَنا الحسن الثاني والشاذلي بن جديد نعتقد أن النزاع سيتم حله في إطار اتحاد المغرب العربي، ثم نصف عام من “العسل” في عام 1992، عندما حاول محمد بوضياف، قبل أن يتم اغتياله، تجاوز ما أصبح بالنسبة للجنرالات الجزائريين مصدرا للربح عبر الانخراط في حوار جوهري مع المغرب؛ لكنها لم تكن سوى فترات مؤقتة.

اليوم، كل شيء متجمِد؛ لأن قضية الصحراء تعتبر مسألة وجودية من كلا الجانبين. هي كذلك بالنسبة للمغرب، وهذا أمر لا شك فيه. التخلي عن “الأقاليم الجنوبية” سيعني بالضرورة نهاية الملكية، وهذه الرؤية لا يمكن تصورها إلى حد كبير. وإذا كان المغاربة قد انتقلوا تدريجيا من الالتزام الثابت بمغربية هذه الأرض إلى جعل هذه المغربية جزءا من هويتهم ووجودهم، فإن ذلك يعود إلى الملك محمد السادس.

كما يجب على الصحراويين شُكْرَ الملك محمد السادس لحفاظه لهم على هويتهم الثقافية، وسن سياسة ناجعة مكنتهم من الاستفادة من التطور والنمو السريعين في منطقتهم – أشياء يمكن التحقق منها بسهولة لمن يبذل جهدا لزيارة الأقاليم الصحراوية.

وتعتبر هذه المسألة وجودية بنفس القدر بالنسبة للجزائر، وبالتحديد بالنسبة للثنائية السياسية-العسكرية المتربعة على هرم السلطة هناك. الصراع مع المغرب وظهور إحساس غير مُبرر بالحصار وعقلية الضحية، منذ أن قامت الرباط بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل يبرر، في نظر القيادة العسكرية الجزائرية، حجم الإنفاق العسكري الهائل: أكثر من 18 مليار دولار في عام 2023 (مقابل 5.2 مليار دولار للمغرب)، مما يجعل الجزائر تحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث نسبة هذه النفقات مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي.

بالنسبة للقيادة العسكرية في الجزائر، تُعد هذه الميزانية الضخمة بمثابة بوليصة تأمين على حياتهم السياسية، مما يسمح لهم بالبقاء في قلب السلطة ولعب دور الحَكَم. إذا تم تقليص هذه الميزانية بسبب عملية تهدئة مع المغرب فإن ذلك سيكون له تأثير في إضعاف نفوذهم وتحويلهم إلى مجرد قوة صامتة سياسيا، وهو ما يعتبرونه غير قابل للتصور.

هذا الجانب، الذي هو أيضا وجودي، يفسر إلى حد كبير لماذا الجزائر، والتي تقول نظريا بأنها مجرد «طرف مهتم» بقضية الصحراء الغربية، تتصرف كـ«طرف في الصراع» وتندد بالقرار الفرنسي بالاعتراف بخطة الحكم الذاتي المغربية كحل وحيد للنزاع.

المأساة في هذه القضية هي أن الشعبين لم يعودا يعرفان بعضهما البعض، ولا يتواصلان، ولا يحب كل طرف منهما الطرف الآخر. لقد اعتقد المغاربة لفترة طويلة أن الأغلبية العظمى من الجزائريين لا يتبعون قادتهم، وأن الأزمة مع المملكة لا تعنيهم، وأن قضية الصحراء الغربية لا تهمهم، وأن لديهم أمورا أخرى أكثر إلحاحا ليهتموا بها، وأن فتح الحدود سيكون كافيا لظهور مشاهد من الأخوة في كل مكان.

لكن عقودا من الشعارات وسوء الفهم أدت دورها، جيلا بعد جيل. واليوم، بين الشباب من الجانبين، تسود الأحكام المسبقة والشك وسوء الفهم المتبادل. لم تعد الميداليات في الألعاب الأولمبية سببا للفخر المشترك، بل أصبحت دافعا للمنافسة. ويقال إنه كان هناك وقت كان فيه الملك الحسن الثاني يدعو السفير الجزائري سعد دحلب لحضور مجلس الحكومة كلما كانت العلاقات الثنائية مطروحة. وقت كانت فيه الأسود وثعالب الصحراء يحتفلون معا بانتصاراتهم. وقت كان فيه الناس يسافرون من وجدة إلى تلمسان وكأنهم يزورون عائلاتهم. وقت قبل الخنادق، والأسلاك الشائكة، والستار الحديدي. تبا لك يا شهر غشت الملعون!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق