تخارج "بوينج" من قطاع الفضاء مكسب للجميع

الاقتصادية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف


نادرا ما تُتاح فرص تحقق مكاسب مشتركة لجميع الأطراف، إلا أن شركةBoeing قد يكون لديها خيار يحقق هذا الهدف من خلال بيع محتمل -أو بالأحرى فصل- أعمالها في قطاع الفضاء. وقد أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" يوم الجمعة أن "بوينج" تدرس خيار بيع أعمالها الفضائية، رغم أن الصفقة غير مضمونة بعد. كما ذكرت "بلومبرغ نيوز" أن الشركة تراجع الخيارات المتاحة أمام برنامج مركبتها الفضائية "ستارلاينر".
يُعد تخارج "بوينج" من هذا القطاع خيارا منطقيا لتحقيق مكاسب أكبر، إذ سيسهم التخلص من هذا النشاط في تخفيف الضغط عن شركة صناعة الطائرات خلال مرحلة حاسمة تتطلب تركيزها الكامل على إصلاح قطاع الطائرات التجارية. ولم تعد الشركة في وضع يمكنها من تحمل مزيد من التحديات أو عوامل التشتيت. كذلك، ستستفيد وكالة "ناسا" من هذا القرار، خاصة بعد فقدان بعض الثقة في "بوينج" جراء تعثرات متعددة متعلقة بمشروع "ستارلاينر". أما بالنسبة للمستثمرين، فيمكنهم جني مكاسب إذا تمكنت "بوينج" من بيع الوحدة أو امتلاك حصة في كيان فضائي مستقل في سوق فضاء تجاري لا يزال في مراحله الأولى.

النجاح يتطلب رؤية واضحة

لكن من أجل نجاح وحدة الفضاء ككيان منفصل، فإنها تحتاج إلى طاقة جديدة ورؤية واضحة. فقد أدت وحدة الفضاء في "بوينج" دورا بارزا في عالم الفضاء، حيث دعمت "ناسا" في إرسال رواد الفضاء إلى القمر ضمن برنامج "أبولو"، ما عزز هيمنة الولايات المتحدة في هذا المجال. ويشهد القطاع حاليا طفرة غير مسبوقة تتجسد في خطط إقامة قاعدة دائمة على القمر وزيادة الاستثمار في الأقمار الاصطناعية والخدمات الفضائية.
وفي هذا السياق، قال غلين لايتسي، أستاذ هندسة الطيران والفضاء بمعهد جورجيا التقني: إن "الأمر كان مثيرا بالنسبة لنا كعاملين في هذا المجال، فقد كنا نحلم بمثل هذه الفرص نوعا ما. ومع انخفاض تكلفة الوصول إلى الفضاء بشكل كبير، أصبح بإمكان مزيد من الأطراف المشاركة في هذا المجال".
ورغم أن "بوينج" لا تزال شريكا لـ"ناسا" وتطلعاتها بشأن القمر ضمن برنامج "أرتميس"، إلا أنها واجهت إخفاقات أكبر في برنامج الطاقم التجاري التابع لوكالة الفضاء. فقد وقعت "ناسا" في 2014 عقدا أوليا بقيمة 4.2 مليار دولار مع "بوينج"، وآخر بقيمة 2.6 مليار دولار مع SpaceX لتطوير أنظمة تنقل رواد الفضاء من وإلى محطة الفضاء الدولية، وتقليل الاعتماد على الصواريخ الروسية
.
"بوينج" تنسحب من العقود الخاسرة

حالياً، تتولى "سبيس إكس" نقل الطواقم إلى الفضاء وإعادتهم، حيث أعادت في 25 أكتوبر 4 رواد فضاء إلى الأرض، من بينهم رائد فضاء روسي. وفي حادثة لافتة، نقلت مركبة الفضاء "ستارلاينر" التابعة لـ"بوينج" رائدي فضاء إلى محطة الفضاء الدولية، لكن مشكلات تتعلق بتسرب الهيليوم وتعطل المحركات، دفعت "ناسا" لإلغاء خطتها لإعادتهما باستخدام المركبة.
أصبحت وحدة الفضاء في "بوينج" متأخرة عن الجدول الزمني وتتجاوز الميزانية المحددة لمشروع "نظام الإقلاع الفضائي"، وهو الصاروخ المخصص لنقل البشر إلى القمر ضمن برنامج "أرتميس". وقد ألمح الرئيس التنفيذي لـ"بوينج" كيلي أورتبيرج إلى احتمال رفض شركته مواصلة المشاركة في مراحل جديدة من المشاريع التي تتكبد فيها خسائر مالية ضمن وحدة الدفاع والفضاء والأمن. لكن هل يمكن أن يشمل ذلك عقود "ناسا"؟
عند سؤاله خلال مكالمة مع المحللين في 23 أكتوبر عن إمكانية الانسحاب من العقود الخاسرة المبرمة ضمن وحدة الدفاع والفضاء والأمن، أجاب أورتبيرج بنبرة غامضة قائلاً: "هناك بعض المجالات التي نعمل فيها وفق عقد واحد، وعلينا الجلوس وتقييم ما إذا كنا نرغب في المضي قدماً إلى المرحلة التالية".

تحديات وأزمات

يواجه أورتبيرج تحديات عدة، منها إضراب 33 ألف عامل فني أدى إلى إغلاق المصانع في منطقة سياتل، وتفاقم استنزاف السيولة. وعلى نحو مماثل للانقسامات الثقافية، التي شهدتها مصانع الطائرات، وتسببت في مشكلات في الجودة والسلامة، يبدو أن هناك أمرا غير طبيعي يجري في وحدة الفضاء أيضا.
بوصفها شركة مستقلة، ستركز القيادة الجديدة بشكل كامل على إصلاح مشكلات وحدة الفضاء. وستكون المهمة ضخمة، وستتطلب خبرات جديدة ورؤية طموحة لمواكبة "سبيس إكس"، التي رفعت المعايير في القطاع بنجاحها في إعادة استخدام الصواريخ.
اعتمدت "بوينج"، بالتعاون مع شريكتها في إطلاق الصواريخ Lockheed Martin على العقود الحكومية في تأسيس أعمالها الفضائية. وهذا يعني أن وتيرة العمل تعتمد على ميزانيات "ناسا" وقطاع الدفاع، وقد أدى هذا النهج إلى الإفراط في التصميم وغياب الحوافز للأفكار المبتكرة.

تغيرات قطاع الفضاء

يتغير قطاع الفضاء بشكل ملحوظ. رغم أن الحكومات لا تزال تؤدي دورا رئيسيا، فإن السوق التجارية تشهد توسعا بزيادة إطلاق الأقمار الاصطناعية والنقاشات حول العودة إلى القمر. ومع انخفاض تكلفة الإطلاق الفضائي، ستستفيد مزيد من الدول والشركات من هذه السوق الناشئة التي تشكل اقتصادا خاصا بها، بحسب لايتسي.
بينما يشرف مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي على تنسيق الأنظمة الفضائية، يبقى القمر منطقة مفتوحة قد تخضع لحقوق الأسبقية للمستوطنين الأوائل. ورغم إمكانية نقل الأقمار الاصطناعية أو التخلص منها عند انتهاء صلاحيتها، فإن البنية التحتية على القمر ستكون دائمة على الأرجح. ومن الضروري أن تحافظ الولايات المتحدة وحلفاؤها المقربون على الصدارة في هذا السباق الفضائي الجديد.

إعادة هيكلة وحدة الفضاء

يجب أن تؤدي وحدة الفضاء في "بوينج" دورا رئيسيا في هذا السباق. فاعتماد الولايات المتحدة على شركة خاصة واحدة ليس خيارا حكيما، لذلك، فإن بيع أو فصل وحدة الفضاء سيوفر الفرصة لإعادة صياغة رؤيتها. ورغم أن "بوينج" شركة ذات تاريخ عريق يمتد لأكثر من 100عام، إلا أنها لم تعد تثير حماسة المهندسين الشباب، بحسب لايتسي الذي قال: "نجد صعوبة في جذب المواهب بالقدر نفسه، الذي تحظى به الشركات التي تتمتع بسمعة مثيرة".
يعرف معظم الناس أن الملياردير جيف بيزوس يملك شركة Blue Origin، وربما علموا عن تعيينه ديف ليمب، أحد المديرين التنفيذيين السابقين في "أمازون دوت كوم"، كرئيس تنفيذي لتسريع التطورات.
والجميع يدرك أن إيلون ماسك هو مؤسس "سبيس إكس" ويشغل منصب رئيسها التنفيذي. أما وحدة الفضاء في "بوينج"، فهي تحت إدارة كاي سيرز، نائب الرئيس والمدير العام لأنظمة الفضاء والاستخبارات والأسلحة، حيث تدمج الشركة بين إطلاق الصواريخ والأقمار الاصطناعية وأعمال "ناسا"، وبين الذخائر والصواريخ وأنظمة الأسلحة والعمليات البحرية. ويتطلب فصل وحدة الفضاء فك ارتباط هذه الأنشطة عن بعضها.
ينبغي لـ"بوينج" المضي قدما في بيع أو فصل وحدة الفضاء الخاصة بها. ومن الضروري أن تصبح هذه الوحدة اسما بارزا لأسباب وجيهة، حيث سيحقق المشروع، بقيادة ذات رؤية مستقبلية، مكاسب لجميع الأطراف.

باختصار

يرى هذا المقال أن شركة "بوينج" تواجه خيارا إستراتيجيا، قد يعود بمكاسب كبيرة لجميع الأطراف، يتمثل في بيع أو فصل أعمالها الفضائية. يأتي هذا القرار وسط ضغوطات مالية وحاجة الشركة للتركيز على قطاع الطائرات التجارية، خاصة مع التحديات التي واجهتها في برنامج "ستارلاينر" التابع لـ "ناسا". يمكن أن يستفيد المستثمرون إذا تمكنت "بوينج" من تحويل وحدة الفضاء إلى كيان مستقل، إذ يشهد قطاع الفضاء نموا كبيرا.
ويرى الكاتب أن وحدة الفضاء لدى "بوينج" تتطلب رؤية واضحة وقيادة جديدة لمواكبة الشركات الناشئة مثل "سبيس إكس" التي حققت تقدما كبيرا. كما أن فصل الوحدة سيتيح لها فرص الابتكار والنمو المستقلين بعيدا عن التداخل مع عقود الدفاع والأعمال الأخرى. في ظل هذا التوجه، قد تتمكن "بوينج" من إعادة صياغة دورها في السباق الفضائي وتجنب الاعتماد على العقود الحكومية فقط، ما يعزز تنافسيتها في هذه السوق الناشئة.

خاص بـ"بلومبرغ"

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق