تعتبر المشروعات الصغيرة والمتوسطة العمود الفقري للاقتصادات الحديثة؛ حيث تشكل أكثر من 90% من إجمالي عدد الشركات في العديد من الدول، وتساهم فيما يزيد عن 50% من الناتج المحلي الإجمالي للدول النامية، وفي مصر تلعب المشروعات الصغيرة دورًا محوريًا في دعم الاقتصاد؛ حيث تمثل حوالي 75% من القوى العاملة في القطاع الخاص وتساهم بحوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي، ورغم هذه الأهمية تواجه المشروعات الصغيرة تحديات كبيرة مثل التمويل، البيروقراطية، والتضخم، والتي تؤثر على قدرتها على النمو والاستدامة.
أولًا: أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد المصري
تلعب المشروعات الصغيرة والمتوسطة أدورًا مختلفة في تعزيز الناتج المحلي للدول ودعم اقتصادها، ولعل مجالات وتعدد تأثيراتها يشير إلى الأهمية الكبيرة التي يمكن اعتبارها أحد روافد التنمية في الاقتصاديات المختلفة، وتتمثل أهمية هذه المشروعات فيما يلي:
1. خلق فرص العمل ومكافحة البطالة
تشير تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة وفرت أكثر من 3.5 مليون فرصة عمل جديدة خلال السنوات الخمس الأخيرة، كما يقدر عدد العاملين في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر بحوالي11 مليون شخص، وهو ما يمثل نسبة كبيرة من القوى العاملة الوطنية. ووفقًا للبنك المركزي المصري، فإن% 75 من العاملين في القطاع الخاص يعملون في مشروعات صغيرة ومتوسطة، مما يبرز دورها في تقليل معدلات البطالة، خاصة بين الشباب والنساء.
2. دعم النمو الاقتصادي وزيادة الناتج المحلي الإجمالي
تساهم المشروعات الصغيرة بنسبة 40% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، وفقًا لتقرير وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية؛ حيث تعمل المشروعات الصغيرة على تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، مما يساعد في دعم الاستقرار الاقتصادي للدولة، بالإضافة إلى ذلك تعتبر المشروعات الصغيرة المحرك الأساسي للنمو في القطاعات غير الرسمية؛ حيث يعمل جزء كبير من المصريين في أنشطة اقتصادية غير مسجلة تعتمد على المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.
3. تعزيز الابتكار وريادة الأعمال
توفر المشروعات الصغيرة بيئة مناسبة للمبتكرين ورواد الأعمال لاختبار أفكارهم وتحويلها إلى مشاريع اقتصادية ناجحة، وقد أطلقت الحكومة المصرية عدة مبادرات لدعم ريادة الأعمال، مثل مبادرة رواد النيل، التي تهدف إلى توفير الدعم الفني والاستشاري والتدريبي لأصحاب المشروعات الصغيرة. كما تلعب المشروعات الصغيرة دورًا مهمًا في دعم التحول الرقمي والتجارة الإلكترونية؛ حيث يتزايد عدد الشركات الصغيرة التي تعتمد على الإنترنت كوسيلة لتسويق وبيع منتجاتها.
4. تحقيق التنمية الإقليمية وتقليل الفجوة الاقتصادية بين المحافظات
تعتبر المشروعات الصغيرة أداة رئيسية في تحقيق التوازن التنموي بين المحافظات، حيث تنتشر بشكل واسع في المناطق الريفية والصعيد، مما يقلل من الفجوة الاقتصادية بين الحضر والريف، وتشير بيانات وزارة التخطيط إلى أن 60% من المشروعات الصغيرة والمتوسطة تتركز في المناطق الريفية، وهو ما يساعد على تحسين مستوى المعيشة في تلك المناطق. وهناك جانب آخر مهم ويتمثل في أن هذه المشروعات تدعم التنمية المحلية من خلال استخدام الموارد المحلية وتوظيف العمالة المحلية، مما يعزز التكامل الاقتصادي بين المحافظات المختلفة.
5. دعم الصادرات وتقليل العجز التجاري
وفقًا لبيانات وزارة التجارة والصناعة، تساهم المشروعات الصغيرة بحوالي 20% من إجمالي الصادرات المصرية، خاصة في قطاعات الملابس الجاهزة، والصناعات الغذائية، والمنتجات الحرفية، ومن ثم تلعب المشروعات الصغيرة دورًا في تعزيز القيمة المضافة للمنتجات المحلية، مما يزيد من قدرتها التنافسية في الأسواق الدولية. كما تساعد المشروعات الصغيرة على تقليل العجز التجاري من خلال إحلال المنتجات المحلية محل المنتجات المستوردة، مما يقلل الضغط على العملة الصعبة ويحسن الميزان التجاري للدولة.
6. المشروعات الصغيرة والمتوسطة والقطاعات الاقتصادية المختلفة
تمثل المشروعات الصغيرة حوالي 80% من إجمالي المنشآت الصناعية في مصر، وفقًا لاتحاد الصناعات المصرية. وتوفر هذه المشروعات مدخلات إنتاج أساسية للصناعات الكبرى، مما يعزز التكامل الصناعي ويدعم سلاسل التوريد المحلية، كما تساعد على تحسين الإنتاجية الصناعية من خلال الابتكار وتقديم حلول صناعية منخفضة التكلفة.
وفيما يتعلق بالقطاع الزراعي والصناعات الغذائية، تعد المشروعات الزراعية الصغيرة من أهم القطاعات التي تعتمد عليها التنمية الريفية، حيث تمثل حوالي 60% من إجمالي النشاط الزراعي في مصر، كما تساهم في تحسين الأمن الغذائي من خلال زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية وتحسين كفاءة التصنيع الغذائي.
وعلى مستوى الخدمات التجارية، فوفقًا لتقارير البنك المركزي المصري، تشكل المشروعات الصغيرة والمتوسطة حوالي 70% من قطاع الخدمات والتجارة، مما يعكس أهميتها في دعم الاقتصاد غير الصناعي، كما تلعب دورًا مهمًا في قطاع التجزئة والبيع بالتجزئة؛ حيث يعتمد عليها ملايين المصريين في تلبية احتياجاتهم اليومية.
التحديات التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر
على الرغم من الفرص المتاحة لتنفيذ المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلا أنها تواجه مجموعة من العراقيل التي يجب العمل عليها لتحسين بيئة عملها والاستفادة من كافة قدراتها، ويمكن الحديث عن هذه التحديات على النحو الآتي:
1. صعوبة الحصول على التمويل
تشير بيانات البنك المركزي المصري إلى أن 65% من المشروعات الصغيرة تواجه تحديات في الحصول على التمويل، رغم إطلاق مبادرة الـ200 مليار جنيه لدعم المشروعات الصغيرة. من ناحية أخرى، تطلب البنوك ضمانات مرتفعة وأسعار فائدة غير تنافسية، مما يعوق قدرة المشروعات الصغيرة على النمو والتوسع.
2. التعقيدات البيروقراطية والإدارية
تشير دراسات وزارة الاستثمار إلى أن استخراج التراخيص للمشروعات الصغيرة قد يستغرق أكثر من 6 أشهر، مما يعرقل بدء الأنشطة التجارية، في حين تتطلب المشروعات الصغيرة ما يقرب من 15 وثيقة قانونية لإتمام إجراءات التسجيل، وهو ما يزيد من التكاليف التشغيلية.
3. تأثير الغلاء والتضخم
يعد التضخم وارتفاع الأسعار من أكبر التحديات التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر، حيث تؤثر هذه العوامل على تكاليف الإنتاج، القدرة الشرائية للمستهلكين، وتوافر التمويل، مما يؤدي إلى تراجع معدلات النمو وزيادة معدلات الإغلاق، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، سجل معدل التضخم السنوي في مصر 33% خلال عام 2023، وهو ما انعكس سلبًا على مختلف القطاعات الاقتصادية، وبالأخص المشروعات الصغيرة التي تعتمد على موارد محدودة.
4. ارتفاع تكاليف الإنتاج والتشغيل
إن أحد أكبر التحديات التي تواجه المشروعات الصغيرة في ظل الغلاء هو ارتفاع تكاليف الإنتاج؛ حيث ارتفعت أسعار المواد الخام الأساسية بنسبة 40% خلال عام 2023، وفقًا لاتحاد الصناعات المصرية، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف التصنيع وتقليل هامش الربح، كما تأثرت المشروعات التي تعتمد على الاستيراد بارتفاع تكلفة الواردات بسبب انخفاض قيمة الجنيه المصري ونقص العملة الصعبة.
بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت أسعار الطاقة ومشتقاتها؛ حيث زادت تعريفة الكهرباء للمصانع بنسبة 15% وأسعار الوقود بنسبة 25%، مما شكل عبئًا إضافيًا على المشروعات الصناعية والخدمية، كذلك، ارتفعت أجور العمالة بنسبة 20-30% استجابةً للتضخم، مما جعل العديد من أصحاب المشروعات يعيدون النظر في عدد العاملين لديهم لتقليل النفقات التشغيلية.
5. انخفاض الطلب المحلي وتراجع القوة الشرائية
نتيجة للتضخم، انخفضت القدرة الشرائية للمستهلكين، مما أدى إلى تراجع الطلب على العديد من المنتجات والخدمات التي تقدمها المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، انخفض الطلب على السلع غير الأساسية بنسبة 30%، وهو ما أثر على قطاعات مثل الملابس الجاهزة، الأثاث، والصناعات الغذائية. كما دفع الغلاء العديد من المستهلكين إلى تقليل نفقاتهم على الخدمات غير الضرورية مثل السياحة الداخلية والترفيه، مما أثر على المشروعات الصغيرة العاملة في هذا المجال، حتى القطاعات الحيوية مثل الصناعات الغذائية شهدت تراجعًا في الطلب؛ حيث أُجبر العديد من الأسر على استبدال بعض المنتجات ببدائل أرخص أو تقليل استهلاكها.
6. تراجع القدرة على التوسع والاستثمار
تعتبر المشروعات الصغيرة الأكثر تأثرًا بارتفاع تكاليف التمويل؛ حيث رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة عدة مرات لمواجهة التضخم، وهو ما أدى إلى زيادة تكلفة الاقتراض، ووفقًا لبيانات البنك المركزي، ارتفعت أسعار الفائدة على القروض التجارية إلى 20-22%، مما جعل من الصعب على المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحصول على تمويل بأسعار معقولة، ونتيجة لذلك اضطر العديد من أصحاب المشروعات إلى تأجيل خطط التوسع أو تقليل حجم أعمالهم للحفاظ على سيولة مالية كافية لتغطية التكاليف التشغيلية، كما أصبحت الاستثمارات الجديدة أكثر خطورة في ظل عدم استقرار الأسعار، مما أثر على قدرة المشروعات الصغيرة على النمو والابتكار.
7. ارتفاع حالات الإغلاق والتصفية
نتيجة تزايد الضغوط الاقتصادية، شهدت مصر زيادة كبيرة في معدلات إغلاق المشروعات الصغيرة، حيث أفاد تقرير صادر عن اتحاد الغرف التجارية أن أكثر من 30% من المشروعات الصغيرة أغلقت أبوابها خلال عام 2023 نتيجة عدم القدرة على تحمل التكاليف التشغيلية المرتفعة. وقد كانت القطاعات الأكثر تأثرًا تشمل التصنيع الصغير، المطاعم والمقاهي، ومتاجر التجزئة؛ حيث تراجعت مبيعاتها بنسبة 35% بسبب انخفاض الطلب المحلي وارتفاع أسعار المواد الخام.
8. سلاسل التوريد والموردين
لم يقتصر تأثير الغلاء على المشروعات الصغيرة فقط، بل امتد إلى سلاسل التوريد والموردين الذين يعتمدون على هذه المشروعات كمستهلكين رئيسيين لمنتجاتهم، فقد تأثرت عمليات الاستيراد بسبب نقص العملة الصعبة، مما أدى إلى تأخير وصول المواد الخام وارتفاع أسعارها بنسبة 50%. كما عانت المشروعات الصغيرة التي تعتمد على التوزيع المحلي من زيادة تكاليف النقل، مما أدى إلى زيادة الأسعار النهائية للمستهلكين وتقليل القدرة التنافسية لهذه المشروعات في السوق.
ثالثًا: استراتيجيات التكيف مع الغلاء والتضخم
على الرغم من التحديات الكبيرة التي يفرضها التضخم، إلا أن بعض المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمكنت من التكيف مع الوضع الاقتصادي من خلال تبني استراتيجيات جديدة، وذلك من خلال:
1. تحسين كفاءة الإنتاج وتقليل الهدر: لجأت بعض المشروعات إلى استخدام تقنيات إنتاج حديثة لتقليل استهلاك المواد الخام والطاقة، مما ساعد في تخفيض التكاليف التشغيلية وتحسين الربحية، كما تم اتخاذ تدابير لترشيد استهلاك الكهرباء والوقود، خاصة في المصانع الصغيرة التي تعتمد على آلات كثيفة الاستهلاك للطاقة.
2. التحول نحو التجارة الإلكترونية: مع انخفاض الطلب في الأسواق التقليدية، اتجهت العديد من المشروعات الصغيرة إلى التجارة الإلكترونية كبديل لتعزيز المبيعات، ووفقًا لتقارير وزارة التجارة والصناعة، شهد قطاع التجارة الإلكترونية نموًا بنسبة 45% في عام 2023، مما ساعد العديد من المشروعات على الوصول إلى أسواق جديدة وتقليل تكاليف التشغيل المرتبطة بالإيجارات والنقل.
3. البحث عن مصادر تمويل بديلة: للتغلب على مشكلة التمويل، لجأت بعض المشروعات إلى التمويل الجماعي والاستثمارات عبر منصات التمويل الرقمي، كما استفادت بعض المشروعات من مبادرات التمويل الحكومية مثل مبادرة البنك المركزي لدعم المشروعات الصغيرة بأسعار فائدة مخفضة.
في الختام: تلعب المشروعات الصغيرة والمتوسطة دورًا أساسيًا في دعم الاقتصاد المصري من خلال خلق فرص العمل، دعم النمو الاقتصادي، تعزيز الابتكار، وتحقيق التنمية الإقليمية، ومع ذلك فإن هذه المشروعات تواجه تحديات كبيرة، أبرزها التمويل، التضخم، والتشريعات البيروقراطية لذا من الضروري تطوير سياسات داعمة للمشروعات الصغيرة لتعزيز مساهمتها في تحقيق التنمية المستدامة.
يُعد الغلاء والتضخم من أكبر التحديات التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر، حيث أدى إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية، انخفاض الطلب المحلي، وزيادة صعوبة الحصول على التمويل، ومع ذلك فإن تبني استراتيجيات مثل تحسين كفاءة الإنتاج، التحول الرقمي، والاستفادة من التمويل البديل يمكن أن يساعد هذه المشروعات على التكيف مع الظروف الاقتصادية الصعبة والاستمرار في لعب دورها المحوري في الاقتصاد المصري. ولضمان استمرارية المشروعات الصغيرة في ظل التحديات الاقتصادية الحالية، يجب اتخاذ عدد من التدابير الداعمة، مثل:
• تخفيض أسعار الفائدة على القروض الموجهة للمشروعات الصغيرة لتسهيل حصولها على التمويل اللازم.
• إطلاق برامج دعم حكومية موجهة لمواجهة الغلاء، مثل تقديم دعم لأسعار الطاقة والمواد الخام للمشروعات الصغيرة الأكثر تأثرًا.
• تبسيط الإجراءات الإدارية لتقليل التكاليف البيروقراطية وتحفيز رواد الأعمال على بدء مشاريع جديدة.
• تشجيع الرقمنة والتجارة الإلكترونية من خلال توفير دورات تدريبية مجانية لأصحاب المشروعات الصغيرة حول التسويق الرقمي والاستفادة من منصات البيع عبر الإنترنت.
د. محمد حسني دره
وكيل حزب الوعي للمشروعات
المصادر
• البنك المركزي المصري. (2023). تقرير أداء المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
• الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. (2023). تقرير عن الاقتصاد المصري.
• وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية. (2023). دور المشروعات الصغيرة في التنمية الإقليمية.
• عويس، راوية عبد القادر. (2016). المشروعات الصغيرة وأثرها في التنمية الاقتصادية: مصر نموذجًا. المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئية، 7(1)، 60-107.
• البنك المركزي المصري. (2023). تقرير عن أداء المشروعات الصغيرة والمتوسطة. القاهرة، مصر.
• الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. (2023). تقرير الاقتصاد المصري السنوي.
0 تعليق