سلطت شبكة يورونيوز، الثلاثاء 22 أبريل 2025، الضوء على كشف أثري مهم أعلن عنه فريق فرنسي من علماء الآثار، ويتضمن الكشف الجديد أنقاضًا لبلدة مصرية يعود تاريخها إلى 3400 عام، تقع بالقرب من مدينة الإسكندرية الحديثة، وتُعرف هذه البلدة باسم "كوم النقوس"، وتعود إلى عصر المملكة الحديثة (حوالي 1550-1292 قبل الميلاد)، وهي فترة تميزت بالازدهار والقوة والتحولات الدينية الكبرى في حضارة وتاريخ مصر القديمة.
ويُعتقد أن هذه البلدة قد أسسها الملك أخناتون، والد الملك الشهير توت عنخ آمون، وتضم معبدًا مخصصًا لرمسيس الثاني. من خلال اكتشافات مثل أختام تحمل اسم ميريتاتون، ابنة أخناتون، وشوارع مصممة بعناية، تكشف كوم النقوس عن تفاصيل جديدة حول المجتمع المصري القديم، اقتصادها، وعلاقاتها الملكية. يستعرض هذا المقال أهمية هذا الاكتشاف وسياقه التاريخي والقطع الأثرية التي تربطه بإحدى أبرز الأسرات في تاريخ مصر.
الأسرة الثامنة عشرة وإرثها
شهدت الأسرة الثامنة عشرة (1550-1292 قبل الميلاد) عصرًا ذهبيًا في تاريخ مصر القديمة، حيث قاد فراعنة مثل حتشبسوت، وتحتمس الثالث، وأخناتون، وتوت عنخ آمون مصر نحو التوسع العسكري والتجاري والثقافي اللامحدود.
ويُعرف أخناتون بثورته الدينية التي ركزت على عبادة إله الشمس "آتون"، ونقل العاصمة إلى العمارنة. إلى جانب زوجته نفرتيتي، أحدث أخناتون تغييرات جذرية في الفن والدين، بينما أعاد ابنه توت عنخ آمون لاحقًا النظام الديني التقليدي متعدد الآلهة. بحسب تقرير نشرته مجلة "أنتكويتي Antiquity" في 2025، يوفر اكتشاف كوم النقوس رؤى جديدة حول الأنظمة الإدارية والاقتصادية التي دعمت هذه الفترة الديناميكية. وتشير الموقع الاستراتيجي للبلدة على الحدود الغربية لمصر إلى جهود الأسرة للسيطرة على المناطق النائية وتنميتها.
إعادة كتابة تاريخ الحدود الغربية لمصر
تقع كوم النقوس على بعد 27 ميلًا غرب الإسكندرية، على حافة صخرية بين البحر الأبيض المتوسط وبحيرة مريوط. كان يُعتقد في البداية، وفقًا لتقارير مجلة "نيو ساينتستNew Scientist"، أن المنطقة استُوطنت فقط خلال الفترة الهلنستية بعد غزو الإسكندر الأكبر عام 332 قبل الميلاد. لكن الحفريات التي بدأت عام 2013 كشفت عن أصل أقدم بكثير يعود إلى المملكة الحديثة في الأسرة الثامنة عشرة. هذا الاكتشاف، الذي أبرزته دراسة نشرت في المجلة الأثرية، قلب المفاهيم السابقة حول دلتا النيل الشمالية الغربية.
وتشير أنقاض الطوب اللبن التي كشف عنها فريق من جامعة ليون والمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، إلى مدينة مخططة جيدًا ببنية تحتية متطورة، كما يؤكد ظهور بقايا ترجع لعصر المملكة الحديثة أن الحدود الغربية لمصر كانت أكثر تطورًا واستراتيجية خلال الأسرة الثامنة عشرة مما كان يُفترض سابقًا، مما يدفع إلى إعادة تقييم المعلومات التاريخية المتوافرة.
وصرح سيلفان دينين، من جامعة ليون والمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، لمجلة نيو ساينتست قائلًا: "يُعيد هذا الاكتشاف النظر في تاريخ الحدود الغربية لمصر في المملكة الحديثة بالكامل"، ويُرجّح أن تعود هذه البلدة القديمة إلى الأسرة الثامنة عشرة (حوالي 1550-1292 قبل الميلاد).
ونشر موقع يورونيوز صورًا لكتلة حجرية تحمل صورة رع حوراختي، إله شروق الشمس، من معبد رمسيس الثاني، ومن أبرز الاكتشافات التي عُثر عليها أثناء التنقيب شظايا جرار أمفورا مختومة باسم ميريتاتون، التي يُعتقد أنها الابنة الكبرى للفرعون الثوري إخناتون وملكته نفرتيتي، مما يجعلها أخت توت عنخ آمون أو أخته غير الشقيقة. تشير العلامات إلى أن البلدة ربما كانت منشأة لإنتاج النبيذ، وربما خُصصت لها، مما يشير إلى وجود علامات تجارية ملكية وترويج للمنتجات في مصر القديمة.
وصرح سيلفان دينين، وهو أيضًا عالم الآثار بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، لموقع لايف ساينس: "يشير وجود هذا الختم على الأرجح إلى إنتاج نبيذ ينتمي إلى طبقة ملكية". وأضاف: "ربما كانت مزارع الكروم الواقعة على أطراف مصر محمية من قبل الجيش، وشكلت جزءًا من جبهة رائدة لاحتلال هذه المنطقة باتجاه الصحراء".
وتشمل الاكتشافات الأخرى شظايا من لوحة حجرية تحمل خراطيش الفرعون سيتي الثاني (حكم من ١٢٠٣ إلى ١١٩٧ قبل الميلاد)، وبقايا معمارية مرتبطة بمعبد يُخلّد ذكرى رمسيس الثاني، في حين أن الحجم الكامل للبلدة لا يزال مجهولًا، فإن وجود شارع مصمم بدقة، ومنحدر بذكاء لتصريف المياه وحماية المباني من التآكل، يُشير إلى مدينة ذات مساحة وتطور كبيرين.
0 تعليق