الثلاثاء 22 ابريل 2025 | 05:00 مساءً

الصناعات العسكرية في أوروبا
كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن طفرة كبيرة في مسار شركات تصنيع الأسلحة في أوروبا، وذلك على خلفية التوترات الأخيرة بين القارة العجوز والولايات المتحدة الأمريكية، ومطالبة الأخيرة لدول القارة الأوروبية بزيادة الإنفاق الدفاعي والعسكري.
طائرات إيطالية أسرع من الصوت
وضمن تحالف شركات في بريطانيا وألمانيا وإسبانيا، انطلقت مقاتلتان من طراز "يوروفايتر" Eurofighter، بسرعة 186 ميلاً في الساعة من على مدرج تورينو في إيطاليا، وذلك عقب خروجهم من خط التجميع.
المقاتلات الأسرع من الصوت، التي انطلقت صوب جبال الألب المغطاة بالثلوج، تصنعها شركة "ليوناردو" (Leonardo) الإيطالية للصناعات الدفاعية "يوروفايتر".
الصحيفة الأمريكية في تقرير مطول أشارت إلى إمكانية أن تشتري دول أخرى هذه المقاتلة مع توجّه أوروبا نحو تعزيز دفاعاتها الذاتية في ظل الحرب التجارية التي يشنَّها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ومطالباته بأن تتوقف أوروبا عن الاعتماد على الولايات المتحدة في ضمان أمنها.
زيادة الطلب على الأسلحة في أوروبا
ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022، شهد الطلب على الأسلحة في أوروبا قفزة كبيرة، وفي الوقت الذي تنتج أوروبا المزيد من الأسلحة، وبمواصفات أفضل، فإنها تسعى كذلك إلى بيع منتجاتها على نطاق أوسع في السوق العالمية.
هذا التوجه الجديد نحو إنتاج الأسلحة، يُمثّل دليلاً على تحول جيلي أوسع نطاقاً في القارة التي قلَّصت جيوشها بعد الحرب الباردة، لصالح الاستثمار في قطاعات اجتماعية،
وبحسب "نيويورك تايمز"، فقد قال جانكارلو ميزاناتو، أحد كبار مسؤولي "ليوناردو"، والرئيس التنفيذي السابق لتحالف "يوروفايتر"، حتى ديسمبر الماضي، للصحيفة إن العداء الذي تبديه إدارة ترمب تجاه أوروبا من شأنه أن يشجع المزيد من الجيوش على شراء أسلحة أوروبية.
في غضون ذلك، تدرس بولندا وتركيا بالفعل صفقات بمليارات الدولارات لشراء طائرات "يوروفايتر"، المعروفة باسم "تايفون" Eurofighter Typhoon، بدلاً من توسيع أساطيلهما من الطائرات الأميركية.
وأضاف ميزاناتو: "الأمر يتعلق بمدى نجاح المنتجات، وبكيف تساهم التكنولوجيا في نجاحها بالأسواق"، واصفاً الوضع الراهن بأنه "عصر نهضة" لمقاتلات "يوروفايتر"، بفضل تحديثات ستحافظ على تفوقها حتى عام 2060، متابعا: "بالطبع هناك عوامل جيوسياسية، والتي تتأثر بشكل واضح بترمب".
رسوم ترامب الجمركية
وتقول "نيويورك تايمز"، إنه قبل أن يبدأ ترمب فرض رسوم جمركية "عقابية" على دول العالم هذا الشهر، كانت أسهم شركات الدفاع الأوروبية تسجل أداء قياسياً، جزئياً لأن المؤسسات الاستثمارية، التي طالما تجاهلت هذا القطاع، بدأت تعيد النظر في مواقفها، حسبما ذكرت "نيويورك تايمز".
وقفز مؤشر "ستوكس يوروب توتال ماركت إيروسبيس آند ديفنس"، الذي يضم كبار مقاولي الدفاع الأوروبيين مثل "ليوناردو" و"راينميتال" و"بي إيه إي سيستمز"، بنحو 24% منذ بداية العام، في حين خسر مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" أكثر من 10%.
ورغم أن حملة الرسوم الجمركية التي يقودها ترمب هزَّت ثقة المستثمرين في معظم القطاعات تقريباً، يرى محللون أن قطاع الدفاع "آمن"، لا سيما في ظل الضغوط السياسية لإعادة تسليح أوروبا.
خطة أوروبية واسعة لزيادة الإنفاق الجماعي
وفي مارس الماضي، أعلنت المفوضية الأوروبية عن خطة واسعة لزيادة الإنفاق الدفاعي بقيمة 840 مليار دولار، منها 165 مليار دولار على شكل قروض. كما كشف البنك الأوروبي للاستثمار عن خطط لمضاعفة تمويله لمشروعات الأمن والدفاع، وتوسيع نطاقه ليشمل تمويل المعدات العسكرية.
ووفق "نيويورك تايمز"، فقد أثار ذلك اهتمام المؤسسات الاستثمارية، ومنها صندوق التقاعد الحكومي العالمي النرويجي، الذي يُعد أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم. وهذه المؤسسات، التي ظلّت لفترة طويلة تتجنب الاستثمار في شركات صناعة الأسلحة، باتت تعيد النظر في قيودها،
ويجسّد هذا التحول تغييراً كبيراً في كيفية تعامل العديد من المستثمرين مع صناعة الدفاع في أوروبا، فبعد انتهاء الحرب الباردة عام 1991، عمدت الحكومات الأوروبية على تقليص جيوشها، ووجَّهت استثماراتها إلى صناديق التقاعد، والرعاية الصحية، والتعليم، والمشروعات البيئية، وأولويات اقتصادية أخرى، أعتُبرت آنذاك أهم من صناعة الأسلحة.
وعلى مدى عقود، حظرت العديد من صناديق التقاعد الأوروبية الاستثمار المباشر في شركات السلاح التي تنتج أسلحة مثل القنابل العنقودية، والأسلحة الكيميائية، والنووية، والبيولوجية، والألغام.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن معظم كبريات شركات الأسلحة الأوروبية مملوكة جزئياً للدول، ولكل حكومة أولوياتها وإنفاقها وقوانينها واستراتيجيتها الدفاعية الخاصة، ما أثار حالة من التشرذم بين الشركات المحلية التي تنتج كميات محدودة نسبياً من الأسلحة، وبتكلفة مرتفعة.
وبحسب معهد "بروجل" الاقتصادي في بروكسل، يتراوح سعر مدفع "هاوتزر" ذاتي الدفع من عيار 155 ملليمتراً المصنّع في أوروبا، بين 6 و19 مليون دولار، بينما يقل سعر نظيره الأميركي عن مليوني دولار.
ويراقب المحللون ما إذا كانت الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الصلب والنحاس والمعادن الأخرى اللازمة لبناء المعدات العسكرية.
0 تعليق