الثلاثاء 22 ابريل 2025 | 05:23 مساءً

صناعة الكاكاو حول العالم

تتجلى تجارة الكاكاو، أو ما يُعرف بـ "الذهب البني"، كنموذج تقليدي راسخ لاقتصاد المواد الخام الأولية؛ حيث تنسج خيوطًا معقدة تربط بين دول الجنوب المنتجة لهذه الثروة الطبيعية ودول الشمال الصناعية التي تستفيد منها بشكل أساسي.

تتضاعف القيمة الاقتصادية لحبوب الكاكاو بشكل ملحوظ بعد خضوعها لعمليات المعالجة والتحويل إلى منتجات نهائية فاخرة كالشوكولاتة وغيرها من المواد الغذائية الراقية.

اللافت للنظر أن هذه التحولات الصناعية غالبًا ما تجري خارج نطاق الدول التي تنتج الكاكاو في الأساس، مما يسلط الضوء بجلاء على فجوة هيكلية عميقة في كيفية توزيع القيمة المضافة على المستوى العالمي.

تعتمد اقتصادات العديد من الدول النامية، وبشكل خاص تلك الواقعة في منطقة غرب إفريقيا وأميركا الجنوبية، بشكل كبير على زراعة الكاكاو كمصدر حيوي للدخل القومي وتوفير العملات الأجنبية اللازمة، ومع ذلك، تبقى هذه الاقتصادات عُرضة بشكل كبير لتقلبات أسعار هذه السلعة الأساسية في الأسواق العالمية، بالإضافة إلى محدودية فرصها في الوصول إلى المراحل المتقدمة من المعالجة الصناعية، فضلًا عن ضعف قوتها التفاوضية في إطار سلاسل القيمة العالمية المعقدة.

في المقابل، تستثمر الدول المستوردة الكُبرى للكاكاو موارد كبيرة في تطوير التكنولوجيا وعمليات المعالجة المتقدمة وشبكات التوزيع الواسعة، وهو ما يمنحها سيطرة واضحة على الجزء الأكبر من الأرباح المتأتية من هذه التجارة العالمية.

مع تزايد الوعي العالمي بالقضايا المتعلقة بالعدالة التجارية وأهمية تحقيق الاستدامة في سلاسل الإمداد، بدأت تظهر تساؤلات جوهرية ومتزايدة حول مستقبل تجارة الكاكاو.

من يملك القدرة على تحديد قواعد اللعبة في هذا السوق العالمي؟ ولماذا يستمر المنتجون الأساسيون في الحصول على الحصة الأصغر من العائدات الناتجة عن هذه التجارة، على الرغم من أنهم يتحملون الجزء الأكبر من المخاطر المتزايدة الناجمة عن التغيرات المناخية والتقلبات الاقتصادية؟

خريطة الإنتاج والاستهلاك العالمية للكاكاو

تشير التقديرات الحالية إلى أن حجم الإنتاج العالمي من حبوب الكاكاو سيصل إلى حوالي 4,840 ألف طن خلال الموسم الزراعي 2024/2025. لا تزال هذه المادة الخام الثمينة تمثل حجر الزاوية الأساسي في صناعة الشوكولاتة العالمية، وهي الصناعة التي تُدر أرباحًا تقدر بمليارات الدولارات سنويًا.

وفقًا للبيانات الصادرة عن المنظمة الدولية للكاكاو (ICCO)، تتصدر جمهورية ساحل العاج (كوت ديفوار) قائمة الدول المنتجة للكاكاو على مستوى العالم، حيث يبلغ إنتاجها حوالي 1,850 ألف طن، أي ما يقارب 40% من إجمالي الإنتاج العالمي.

وتأتي في المرتبة التالية كل من غانا بكمية إنتاج تقدر بـ 600 ألف طن، ونيجيريا بـ 350 ألف طن، ثم الكاميرون بـ 320 ألف طن، والإكوادور في قارة أميركا الجنوبية بـ 480 ألف طن، وأخيرًا البرازيل بـ 210 آلاف طن.

توضح هذه الأرقام بجلية أن غالبية إنتاج الكاكاو العالمي يتركز في الدول النامية، وخاصة تلك الواقعة في المناطق الاستوائية في قارتي إفريقيا وأميركا اللاتينية، حيث توفر الظروف المناخية والبيئية المثالية لزراعة هذه المحاصيل الحساسة.

على الرغم من أن الدول المنتجة للكاكاو هي في الغالب دول ذات اقتصادات نامية، فإن الدول المستهلكة والمستوردة الرئيسية لهذه المادة الخام تقع في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية، الذي يضم الدول الصناعية الكبرى. وتبرز من بين هذه الدول هولندا بكمية استيراد تبلغ حوالي 880 ألف طن، وألمانيا بـ 249 ألف طن، والولايات المتحدة بـ 198 ألف طن، وكندا بـ 129 ألف طن، وبلجيكا بـ 117 ألف طن.

تُعتبر هولندا مركزًا عالميًا رئيسيًا لمعالجة الكاكاو، حيث تستقبل الحبوب الخام من دول إفريقيا وأميركا اللاتينية، ليتم طحنها وتحويلها إلى مسحوق وزبدة الكاكاو التي تُستخدم لاحقًا في عمليات تصنيع الشوكولاتة والحلويات المتنوعة.

تعكس هذه الخريطة الجغرافية لتجارة الكاكاو التفاوتات الكبيرة الموجودة في سلاسل التوريد والقيمة المضافة على المستوى العالمي.

فبينما يتم إنتاج الحبوب الخام في دول الجنوب بأسعار منخفضة نسبيًا، يتم تصنيع المنتجات النهائية ذات القيمة المضافة العالية وبيعها في أسواق دول الشمال بأسعار مرتفعة، مما يترك الدول المنتجة تعتمد بشكل أساسي على صادراتها من المواد الخام دون تحقيق الاستفادة القصوى من القيمة الاقتصادية الكامنة في هذه السلعة.

تقلبات أسعار الكاكاو في الأسواق العالمية

شهد العام الماضي ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار الكاكاو التي يدفعها مصنّعو الشوكولاتة الأوروبيون والمستهلكون النهائيون، وقد نتج ذلك بشكل أساسي عن نقص حاد في الإمدادات العالمية من الكاكاو.

ويُعزى هذا النقص بشكل رئيسي إلى موسم الأمطار الغزيرة بشكل استثنائي الذي شهدته مناطق الإنتاج، بالإضافة إلى انتشار مرض فيروسي خطير أثر سلبًا على محصول الكاكاو لموسم 2023/2024 في منطقة غرب إفريقيا بشكل بالغ.

ومع ذلك، يتوقع الخبراء العاملون في هذا القطاع تحسن الأوضاع خلال العام الحالي. ففي مذكرة تحليلية نُشرت في نهاية شهر فبراير الماضي، قدرت المنظمة الدولية للكاكاو (ICCO) أن الموسم الزراعي 2024/2025 سيشهد فائضًا في الإنتاج العالمي من الكاكاو، وذلك بعد ثلاث سنوات متتالية من تسجيل عجز في المعروض.

وقد انخفضت أسعار الكاكاو في الأسواق العالمية بأكثر من 30% بحلول عام 2025، وهو ما يعكس المكاسب الكبيرة التي شهدتها هذه الأسواق خلال العام الماضي. فبعد أن وصلت أسعار الكاكاو إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، شهدت انخفاضًا ملحوظًا خلال هذا العام.

اختتم سعر طن الكاكاو تداولات عام 2024 بارتفاع كبير بلغت نسبته 178.2%، ليغلق عند مستوى 11,675 دولارًا للطن، وذلك بعد أن وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 12,931 دولارًا، ومع ذلك، وخلال عام 2025 حتى الآن، انخفضت الأسعار بنسبة 33% على أساس سنوي، لتهبط إلى أقل من 8 آلاف دولار للطن.