قدّمت مبادرة “المثمر”، التي تحتضنها جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، خلال مشاركتها في فعاليات الدورة السابعة عشرة من المعرض الدولي للفلاحة في المغرب (SIAM 2025) ، نموذجا متكاملا يُظهر كيفية ترجمة أهداف استراتيجية “جيل أخضر” إلى واقع ملموس في الحقل الزراعي. تشكّل هذه المبادرة حلقة وصل فعّالة بين البحث العلمي واحتياجات المزارع؛ فقد استفاد منها أكثر من 40 ألف مزارع بشكل مباشر، وأكثر من 540 ألف مزارع عبر التطبيقات الرقمية.
ووسّعت “المثمر”، منذ انطلاقتها في شتنبر 2018، فرقها الميدانية؛ لتضم أكثر من أربعين مهندسا زراعيا وتقنيا موزعين على 43 إقليما، يعملون جنبا إلى جنب مع المزارعين لنقل التكنولوجيا والمعرفة العلمية. وقد أجرت فرق المبادرة أكثر من 167 ألفا و400 تحليل للتربة في المختبرات المتنقلة التابعة للجامعة وفي مركز بن جرير؛ مما مكّن المزارعين من تبني ممارسات تخصيب متوازنة قائمة على تشخيص دقيق لحاجيات التربة. وفي إطار الابتكار المستمر، تضمّن العرض في SIAM استعراض تجربة تقنية LIBS، التي تسمح بإجراء 200 تحليل طيفي للتربة يوميا وبخفض التكلفة لصالح الفلاح.
حرصت “المثمر” على ضمان جودة الأسمدة المتوفرة في السوق المحلي، فتعاونت مع شركاء صناعة الأسمدة لإنتاج أكثر من 3 آلاف و500 تركيبة مخصصة عبر شبكة “سمارت بلندر”. كما جددت شهادات ISO 9001:2015 لعمليات إنتاج وتوزيع الأسمدة من نوع “Blend” للمرة الثالثة على التوالي. إضافة إلى ذلك، نجحت تجربة “دامان صمد” في تتبع أكثر من مليون كيس أسمدة عبر رقائق إلكترونية ذكية؛ ما يتيح للمزارع التأكد من أصالة المنتج وجودته عبر منصة “سوق صمد” الرقمية.
على صعيد النقل التكنولوجي، نصّبت المبادرة نحو 29 ألفا و320 منصة عرض ميدانية في مختلف المناطق المناخية؛ شملت المحاصيل الحقلية، أشجار الزيتون، والخضروات، بهدف توضيح أثر ممارسات الزراعة الحافظة والزراعة بدون حرث على المحصول واستهلاك الموارد. ولتعزيز جمع البيانات وتحليلها، طُرحت تطبيقات رقمية مثل “أجريتريال” الذي يرصد نمو المحاصيل في الوقت الفعلي ويجمع بيانات دقيقة عن مراحل ونقاط الإجهاد النباتي، لتغذية البحوث وتوجيه السياسات الزراعية.
من ناحية بناء القدرات، استفاد المزارعون ونساء الفلاحة والشباب الزراعي من أكثر من 17 ألفا و500 ساعة تدريبية عبر مدارس الحقل وورشات عملية؛ بينما أتاحت منصة “أجريبيديا” للمعرفة الموارد الإرشادية والفيديوهات التعليمية والبيانات الإحصائية التفاعلية حول الزراعة المغربية.
وقد عززت “المثمر” حضورها الرقمي عبر تحديث تطبيق @tmar بإضافة خدمة طلب الأسمدة وخدمة “إري-سمارت” للري الذكي، بالتعاون مع المدرسة الوطنية الفلاحية بمكناس، والتي تعتمد خوارزميات تأخذ بعين الاعتبار عوامل مناخ–تربة–نبات–ماء. ولتمكين المزارعين من تسويق منتجاتهم مباشرة، أطلقت المبادرة منصة T@swiq بالشراكة مع مدرسة 1337 للبرمجة، لتكون سوقا رقمية لعرض وطلب المحاصيل والآليات والخدمات الزراعية.
كما جابت قوافل “المثمر” أكثر من 10 مواقع ضمن برنامج Al Mutmir Itinérant، حيث نظم خبراء المبادرة لقاءات مباشرة مع نحو 6 آلاف و500 مزارع في 30 إقليما و131 جماعة قروية، لتعريفهم بالتقنيات الحديثة وتعميق علاقات التعاون مع شركاء الأسمدة والتوزيع.
في مجال الزراعة الحافظة، غرست المبادرة أكثر من 30 ألفا و200 هكتار بنظام البذر المباشر دون حرث بالتنسيق مع أكثر من 4 آلاف و800 من المزارعين والشركاء المهنيين، إضافة إلى دراسات وطنية حول إمكانات تكديس الكربون في التربة، التي كشفت أن مناطق مثل المناطق الجبلية قادرة على تخزين ما بين 0.96 و1.40 طن كربون للهكتار سنويا، مقابل 0.63 إلى 0.86 طنا في المناطق الأقل رطوبة، مع تثبيت فعّال للركام النباتي في التربة.
ولتعزيز التنويع الزراعي، رافقت “المثمر” إدخال محاصيل عالية القيمة مثل الكينوا والزعفران، وأطلقت برنامجا تجريبيا لإنتاج الحيوان في مناطق رحامنة وسيدي بنور، بهدف تحسين تغذية الإنسان والحيوان وزيادة الدخل القروي.
أخيرا، جددت مبادرة “الميكنة الزراعية المستدامة” صورتها بعرض أربعة معدات مبتكرة خلال SIAM 2025 بعد نجاح ستة نماذج أولية عام 2024، منها جامع قش ومجمع مياه الأمطار وآلات طحن ومزج الأعلاف؛ ما يؤكد التزام “المثمر” بدعم ميكنة زراعية فعّالة ومقتصدة.
بالتعاون مع وزارة الفلاحة ومجموعة OCP والمؤسسات البحثية (INRA، IAV، ICARDA…) ومنظمات المزارعين، تؤكد مبادرة “المثمر” أن الزراعة المغربية تسير بخطى ثابتة نحو الاستدامة والابتكار وترسّخ مكانتها رائدة على مستوى إفريقيا والعالم.
0 تعليق