نظّم المجلس الأعلى للحسابات، مساء الخميس، لقاء تواصليا حول “مراقبة المجلس لاستخدام الأموال العمومية”، ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الثلاثين. أطّر اللقاء عضوا المجلس عبد الوهاب قادري وفيروزة جمال، بغرض رصد الآليات التي تفعلها المحاكم المالية لضمان نجاعة المراقبة، وكذا إسهامها في توجيه المال العام نحو الغايات التي خُصّص لها.
آليات واضحة
عبد الوهاب قادري، رئيس الغرفة الأولى بالمجلس الأعلى للحسابات، قال إن المجلس يأخذ بعين الاعتبار أنه يشتغل ضمن محيط يضم متدخلين عديدين، من بينهم الحكومة، والبرلمان، والقضاء، والمدبّر العمومي، والمنتخب، بالإضافة إلى هيئات الضبط، وهيئات الرقابة، وهيئات الحكامة، والأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، مضيفا أن “الصحافة تقدّم المخرجات للمواطن لتحفيز النقاش العمومي، لأن الأثر يجب أن ينعكس في النهاية على المواطن”.
وسجّل قادري أن للمحاكم المالية “اختصاصات متنوّعة ومتكاملة ومندمجة، منها ما هو قضائي، ومنها ما هو غير قضائي، بالإضافة إلى اختصاصات أخرى”، مبرزا أن هذه الهيئة الدستورية “تقدّم المساعدة أيضا للسلطات التشريعية، والقضائية، والتنفيذية”. وقال إن “المراقبة تهدف إلى التأكّد من أن استخدام الأموال العمومية يتماشى مع الأهداف المتوخاة من المساهمة أو المساعدة”.
وقدّم قادري بعض المؤشرات المتعلقة بتوزيع الدعم العمومي حسب المستفيدين خلال الفترة 2020–2022، مبرزا أن إجمالي الدعم العمومي الممنوح من الميزانية العامة للدولة بلغ 17 مليار درهم، نالت جمعيات المجتمع المدني منه 10.24 مليار درهم، أي ما يعادل 61%، ومؤسسات وجمعيات الأعمال الاجتماعية حصلت على 3.18 مليار درهم (20%)، تلتها المقاولات الخاصة بـ1.17 مليار درهم (7%)، ثم الأجهزة الأخرى بـ2.02 مليار درهم (12%).
وفيما يخص مجال المراقبة، شدّد قادري على ضرورة “التأكّد من أن استخدام الأموال العمومية يتطابق مع الأهداف المتوخاة من المساهمة أو الدعم العمومي”، موضحا أن الأموال العمومية الخاضعة للمراقبة تشمل جميع أشكال الإعانات والمساهمات العمومية، سواء تعلّق الأمر بدعم مالي مباشر، أو إعانات مالية في إطار طلبات مشاريع، أو دعم عيني، أو مساهمات في رأس المال، أو دعم موجه للمقاولات، باستثناء تلك التي تخضع لاختصاص المجلس في مجال مراقبة التسيير.
وشرح أن “مجال المراقبة يقتصر على الدعم العمومي الممنوح ومدى مطابقة استعماله للأهداف المتوخاة منه، ومقاربة مدى تحقيق النتائج المنشودة”، مشيرا إلى أن الأهداف المتوخاة تُحدَّد ضمن إطار قانوني أو تعاقدي، كاتفاقية شراكة، أو مذكرة تفاهم، أو قرار، بين الأجهزة المانحة والجهات المستفيدة، مع رصد طبيعة الأهداف، سواء كانت اقتصادية، أو اجتماعية، أو بيئية.
أما فيما يتعلق بمعايير المراقبة، فتحدث رئيس الغرفة الأولى عن “المشروعية”، مبرزا أهمية تتبّع مطابقة استعمال الدعم العمومي لمقتضيات الإطار القانوني أو التعاقدي، وإنجاز المشاريع موضوع هذا الدعم. كما أشار إلى معيار “النجاعة”، الذي يتمثل في تحقيق الأهداف والنتائج المرجوة، وأخيرا معيار “الأثر”، أي أثر البرامج والمشاريع المنجزة في إطار الدعم العمومي.
وناقش كذلك الحصيلة الرقابية من خلال أمثلة عن إحالات على النيابة العامة تتعلق بتدبير الأموال العمومية الموجهة للجمعيات، مشددا على أن “بعض المهمات الرقابية سجّلت حالات تمّت إحالتها على النيابة العامة بسبب سوء استخدام الدعم العمومي، سواء من قبل مدبّرين عموميين، أو رؤساء جماعات ترابية، أو جمعيات مستفيدة من هذا الدعم”.
حساب ضروري
من جهتها، قالت فيروزة جمال، رئيسة فرع بالغرفة الأولى بالمجلس الأعلى للحسابات، إن “حساب استخدام الأموال العمومية هو أداة رقابية يعتمد عليها المجلس لتتبّع استخدام الموارد التي تم تحصيلها من طرف الأجهزة المستفيدة في إطار الدعم العمومي”، مضيفة أنه “يمكّن كذلك من تتبّع صرف نفقات هذا الدعم”.
وعلى المستوى القانوني والتنظيمي، تنصّ المادة 87 من مدونة المحاكم المالية على أن جميع الأجهزة المستفيدة من الدعم العمومي، أو أي مساعدة كيفما كان شكلها من طرف جهاز خاضع لرقابة المجلس، مطالَبة بتقديم حساب استخدام الأموال العمومية إلى المجلس إذا كانت الجهة المانحة خاضعة لاختصاصه، أو إلى المجالس الجهوية للحسابات إذا كانت الجهة المانحة تابعة لاختصاصها.
وأشارت إلى أن منشور رئيس الحكومة رقم 13/2022، المتعلّق بكيفيات تقديم الحساب السنوي الخاص باستعمال الأموال العمومية التي تتلقاها الجمعيات، حدّد أجل الإدلاء بحسابات استخدام الأموال العمومية قبل 15 مارس من السنة الموالية للاستفادة من الدعم، كما بيّن البيانات والمعلومات التي يتضمّنها هذا الحساب.
وناقشت فيروزة كيفيات تقديم الحساب، موضحة أنه يتكوّن من أربعة بيانات: الأول يتعلّق بالموارد المحصّل عليها حسب مصدرها، والثاني باستعمالات الدعم العمومي، أي في ما تم إنفاقه، والثالث بيان مفصل للمشاريع المنجزة، أما الرابع فهو بيان مفصل للدعم العمومي العيني المحصَّل عليه.
وجاء في أرضية اللقاء أنه “في إطار ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، والشفافية، والمحاسبة، تتولّى المحاكم المالية مهمة مراقبة استخدام الأموال العمومية الممنوحة من طرف الأجهزة الخاضعة لرقابتها، بما في ذلك القطاعات الوزارية، والجماعات الترابية، والمؤسسات، والمقاولات العمومية”، موضحة أن هذه المراقبة تشمل مختلف أشكال الدعم العمومي، ولا سيما المساهمات في رأس المال، والمساعدات المالية والعينية.
وتندرج مراقبة استخدام الأموال العمومية، وفق الأرضية ذاتها، ضمن اختصاصات المحاكم المالية غير القضائية، وتهدف إلى التحقق من مدى مطابقة استخدام الأموال الممنوحة للأهداف المحددة عند منحها. ويشمل هذا الاختصاص مختلف الأجهزة المستفيدة من الدعم العمومي، بما فيها جمعيات المجتمع المدني، والتعاونيات، والنقابات، والمقاولات الخاصة، بالإضافة إلى سائر الهيئات المستفيدة من الدعم العمومي.
0 تعليق