في مشهد صادم ومثير للذعر، عاشت مدينة ابن احمد، التابعة ترابيا لإقليم سطات، خلال الساعات الماضية، على وقع جريمة بشعة راح ضحيتها شخصان على يد من وصف محليا بـ”السفاح”، الذي تشير المعطيات الأولية إلى معاناته من اضطرابات نفسية سبق أن خضع بسببها للعلاج في مستشفى الأمراض العقلية مرات عدة.
مصدر محلي موثوق كشف لجريدة هسبريس الإلكترونية أن المعني بالأمر أحيل في أكثر من مناسبة على مصلحة الأمراض العقلية، غير أنه كان يُسمح له بالمغادرة دون تنسيق مع السلطات المحلية أو الأمنية أو إشعارها، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول آليات التعامل مع هذا النوع من الحالات، خاصة عندما يتعلق الأمر بأشخاص يحتمل أن يشكلوا خطرا على المجتمع.
الجريمة التي وقعت في ظروف غامضة، تزامنت مع اكتشاف أشلاء بشرية مجهولة المصدر داخل مرحاض ملحق بالمسجد الأعظم بالمدينة، ما زاد من حالة الاستنفار والقلق وسط الساكنة، ودفع مختلف الأجهزة الأمنية إلى رفع درجة التأهب والتدخل السريع.
وذكر مصدر موثوق أنه مباشرة بعد اكتشاف هذه الأشلاء البشرية، حلت بالمنطقة تعزيزات أمنية كبيرة تضم الشرطة القضائية، ومصالح الأمن العمومي، والشرطة التقنية والعلمية، والسلطات المحلية، والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، إضافة إلى فرق خاصة ذات خبرة عالية قادمة من مدينة سطات، وهي تكثف جهودها لفك لغز هذه الجريمة البشعة التي لم هزت المنطقة.
وبعد التحريات والأبحاث، تبين أن المشتبه فيه بارتكاب هذه الجريمة، الذي كان يتكلف أحيانا بالعناية بمكان الوضوء بالمسجد سالف الذكر، له سوابق طبية ترتبط بمعاناته من أمراض عقلية حادة، وقد اعترف بأنه قام بقتل الضحية الأول، قبل أن يتم العثور على أشلاء ضحية ثانية.
وبعد الاستماع إليه وانتهاء مدة الحراسة النظرية، قرر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بسطات إحالته على قاضي التحقيق بالمحكمة ذاتها مع ملتمس بمتابعته في حالة اعتقال وإيداعه السجن المحلي، وهو ما استجاب له قاضي التحقيق.
هذه الواقعة أعادت إلى الواجهة إشكالية تسريح المرضى نفسيا من المستشفيات دون ضمانات أو متابعة دقيقة، وهو الموضوع الذي لا يخص فقط مدينة ابن أحمد، بل يشمل مناطق عدة، من بينها جهة درعة-تافيلالت حيث يتم الإفراج عن مرضى نفسيا من المستشفيات دون تنسيق كاف مع السلطات المحلية والأمنية، مما يجعلهم يعودون إلى الشوارع دون مراقبة، ويظلون قنابل موقوتة تهدد سلامة وأمن المواطنين.
في هذا الإطار، قال عبد الصمد بنعيسى، باحث في علم النفس، إن الفراغ القانوني والتنسيقي بين المصالح الصحية والأمنية يجعل من هذا الملف أحد التحديات الكبرى في السياسة العمومية للصحة النفسية بالمغرب، حيث لا تزال المقاربة تفتقر إلى رؤية مندمجة تضمن حقوق المرضى وتحمي في الآن ذاته المجتمع من أخطار محتملة.
وأضاف بنعيسى، في تصريح لهسبريس، أن دعوات كثيرة صدرت عن جمعيات مدنية وحقوقيين لإعادة النظر في آليات التكفل بالمرضى عقليا، خاصة الذين يشكلون خطرا على أنفسهم أو على الآخرين، مع التأكيد على ضرورة إحداث قاعدة بيانات مشتركة بين المستشفيات والسلطات الأمنية، وتفعيل مقاربة وقائية تعتمد على الرصد والتتبع والمواكبة النفسية المستمرة.
وتابع المتحدث ذاته بأنه بينما تستمر التحقيقات الأمنية في كشف خيوط الجريمة البشعة التي كانت مدينة ابن احمد بإقليم سطات مسرحا لها، يبقى السؤال المطروح بقوة هو: “إلى متى سيظل الخطر النفسي صامتا بيننا؟ وهل تتحرك الجهات المعنية لإعادة ضبط السياسات ذات الصلة قبل أن تتكرر المأساة في ابن احمد أو في مدينة أخرى؟”.
0 تعليق