تحول أول مفاعل نووي خاص في العالم إلى معلمٍ تاريخي؛ في خطوةٍ تعكس تحولًا جذريًا في كيفية انتقال التقنية المحفوفة بالمخاطر من التطبيقات العسكرية السرية إلى البحث الأكاديمي والصناعي المفتوح.
وحصل المفاعل الملقب بـ"أتوميك فرنيس" (the atomic furnace) على هذا التصنيف الذي يُعد تكريمًا لإسهامه الحاسم في الأبحاث والابتكار، من قِبل الجمعية النووية الأميركية، لينضم بذلك إلى قائمة يقل عددها عن 100 موقع في عموم الولايات المتحدة، حصلت على هذا التكريم.
وحظي تطوير المفاعل بدعم تحالف من 15 مؤسسة صناعية رائدة؛ ما يسلط الضوء على دور المفاعل بوصفه مركزًا للأبحاث التطبيقية في مختلف القطاعات الصناعية.
وتمثّلت المهمة الرئيسة للمفاعل في تسهيل التجارب المتعلقة بإنتاج النظائر المشعة وتحليل المواد، وهي المساعي التي عكست الاهتمام المتزايد خلال ذلك العصر بالتطبيقات النووية في الطب والزراعة والعلوم الكيميائية.
علامة نووية تاريخية
صُنف أول مفاعل نووي خاص في العالم، الذي كان قد فتح آفاقًا جديدةً باستعماله المبتكر للوقود النووي السائل في القرن الـ20، معلمًا نوويًا تاريخيًا؛ لإسهاماته الرائدة في البحوث السلمية بالطاقة الذرية.
وبعد مضي أكثر من نصف قرن على غلقه، حصل مفاعل "أتوميك فرنيس" المشغل بوساطة معهد إلينوي للتقنية، رسميًا، على هذا التصنيف خلال احتفالية أقيمت يوم 23 أبريل/نيسان الجاري، في حرم ميس، وهو الحرم التاريخي للمعهد.
ولاقى المفاعل الذي كان قد بُني في عام 1966 الدعم من قِبل تحالف يضم 25 شركة كبرى، بما في ذلك آي بي إم (IBM) وإنلاند ستيل (Inland Steel)، وكيتربيلار (Caterpillar)، وكيمبرلي-كلارك (Kimberly-Clark)، ويو إس ستيل (U.S. Steel) إلى جانب ويرلبول (Whirlpool)؛ ما يعكس الدعم الصناعي الواسع الذي حظي به المفاعل آنذاك.

11 عامًا من التشغيل
خلال مدة تشغيله التي استمرت 11 عامًا، أسهم أول مفاعل نووي خاص في العالم بدعم الأبحاث في مجال إنتاج النظائر، وتحليل المواد والزراعة والطب، قبل وقف تشغيله خلال عام 1977 بسبب احتياجات البحث المطورة، وزيادة التكاليف التشغيلية إلى جانب الشروط التنظيمية الصارمة.
ويُعد المفاعل النووي المعروف رسميًا كذلك بـ"آرمور ريسرش فاونديشن ريأكتور" (Armour Research Foundation Reactor) الأول من نوعه عالميًا المملوك والمشغل بوساطة القطاع الخاص.
ومثّل المفاعل لحظةً تاريخيةً في تطور التقنية النووية؛ إذ نقلها من الاستعمالات العسكرية السرية إلى البحوث الأكاديمية والصناعية.
وقال أستاذ الفيزياء نائب رئيس جامعة إلينوي للتقنية لشؤون الأبحاث الدكتور جيف تيري: "تعكس قصة المفاعل التفاؤل والتحديات التي ينطوي عليها استعمال التقنيات الجديدة"، وفق تصريحات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وأضاف تيري: "ونحن إذ نواصل استكشاف إمكانات الطاقة النووية في الوقت الراهن؛ فإن هذا الجهد الرائد الذي يجري على قدمٍ وساق في جامعة إلينوي للتقية يعيد إلى أذهاننا التقدم المحرَز والإمكانات المستقبلية لتلك الصناعة".
مجالات بحثية عديدة
خلال عمره التشغيلي، دعم المفاعل الأبحاث في مجموعة واسعة من المجالات؛ من بينها امتصاص الأسمدة ومكافحة الآفات في الزراعة، ودراسات التحفيز والانتشار في الكيمياء، والتعقيم البارد وتعزيز العمر الافتراضي في سلامة الأغذية، وإنتاج النظائر التشخيصية قصيرة العمر للاستعمال الطبي.
وفيما يُعد تحولًا من قضبان الوقود الصلب التقليدية، اعتمد المفاعل على تصميم وقود سائل، واستعمَل نظام وقود سائل ابتكاريًا ممثلًا في اليورانيوم-235، وهو نوع من النظائر المشعة التي تشكل 0.72% من إجمالي اليورانيوم الموجود في الطبيعة، والمذاب بالماء في شكل كبريتات اليورانيوم.
ويُعد استعمال الوقود السائل في المفاعل خطوة تقدمية واسعة بمجال السلامة والكفاءة، باستعمال واحدة من أولى خصائص السلامة السلبية، وهو النهج الذي كان مناسبًا بشكل خاص لموقع المفاعل في البيئة الحضرية المكتظة بالسكان في شيكاغو.
وقال أستاذ الفيزياء نائب رئيس جامعة إلينوي للتقنية لشؤون الأبحاث الدكتور جيف تيري: "إذا انقطع التفاعل، سيتمدد السائل، وسيؤدي التغيير في الهندسة إلى إيقاف الحالة (النقطة) الحرجة"، مضيفًا: "لقد كان تصميمًا ذكيًا حقًا"، في بيان صحفي طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

نموذج يُحتذى به
على الرغم من انتهاء عملياته وخروجه من الخدمة في أواخر سبعينيات القرن الماضي وتحديدًا في عام 1967، بقي أول مفاعل نووي خاص في العالم مثالًا يُحتذى به في التعاون، والبحوث النووية القائمة على التطبيقات.
وأُقيم مؤخرًا حفل خاص في حرم ميس الواقع بضاحية برونزفيل في شيكاغو اعترافًا وتقديرًا لإسهامات المفاعل النووي على صعيد الابتكار والبحوث.
وحضر الحفل شخصيات رفيعة المستوى مثل رئيسة الجمعة النووية الأميركية ليزا مارشال التي أكدت الأهمية البالغة للمحافظة على تلك الأصول القيمة.
وقالت مارشال: "من المهم جدًا أن تكون لديك تلك المعالم المهمة، والشيء الأكثر أهمية بالنسبة لنا هو أن نتحدث عما حدث هناك".
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر:
0 تعليق