لماذا تلعب إيران لعبة الوقت الطويل في المفاوضات النووية مع ترامب؟

الرئيس نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مع سعي الرئيس دونالد ترامب للتفاوض على اتفاق نووي مع إيران، تشير الديناميكيات الحالية إلى أن طهران تقترب من طاولة المفاوضات ليس بدافع الخوف، بل بحس استراتيجي ينتهز الفرص، وفقا لتحليل نشرته مجلة الناشونال إنترست بتاريخ ثلاثين أبريل ألفين وخمسة وعشرين.

فالجمهورية الإسلامية، بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، لديها أسباب مقنعة لإطالة أمد المفاوضات، وربما تمديد الجدول الزمني حتى خريف 2025، عندما قد تنتهي صلاحية تهديد العقوبات العالمية السريعة الإرجاع بموجب قرار الأمم المتحدة اثنان وثلاثون ومئتان وواحد. 

من خلال إطالة المحادثات، يمكن لإيران تعزيز طموحاتها النووية مع تخفيف الضغوط الاقتصادية التي تهدد استقرار النظام داخليا. يتناول هذا المقال الاعتبارات الاستراتيجية التي تدفع نهج إيران، والتحديات التي تواجه المفاوضين الأمريكيين، والتداعيات الأوسع على الأمن العالمي.

الحسابات الاستراتيجية لإيران: الفرصة فوق الخوف

يتشكل موقف طهران التفاوضي من خلال مزيج من الضغوط الداخلية، والطموحات الإقليمية، والتشكك في عزم الولايات المتحدة. على عكس واشنطن، التي تسعى إلى حل سريع لكبح البرنامج النووي الإيراني، ترى طهران أن إطالة المحادثات هي وسيلة لتحقيق أهداف متعددة:

١. تجنب العقوبات السريعة: بموجب قرار الأمم المتحدة اثنان وثلاثون ومئتان وواحد، الذي صادق على الاتفاق النووي لعام ألفين وخمسة عشر (خطة العمل الشاملة المشتركة)، يتعين على مجلس الأمن الدولي أن يقرر بحلول أكتوبر ألفين وخمسة وعشرين ما إذا كان سيعيد فرض العقوبات العالمية على إيران بسبب انتهاكها للاتفاق. يمكن لأي من الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا) أو ألمانيا تفعيل آلية الإرجاع السريع. ومع ذلك، فإن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في ألفين وثمانية عشر يثير تساؤلات حول سلطتها القانونية لتفعيل العقوبات بمفردها. من المرجح أن تعتمد طهران على العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وأوروبا — التي تفاقمت بسبب تعريفات ترامب، وجهوده لفرض تسوية سلمية موالية لروسيا في أوكرانيا، وانتقاده لحلف الناتو — لمنع بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا من تفعيل العقوبات. من خلال تمديد المفاوضات، يمكن لإيران أن تنجو من تهديد العقوبات دون تقديم تنازلات كبيرة.

٢. تعزيز القدرات النووية: توفر المحادثات المطولة وقتا إضافيا لإيران لتطوير برنامجها النووي. على مدار الربع قرن الماضي، واجهت طهران تهديدات أمريكية متكررة باللجوء إلى القوة، لكن الإدارات المتعاقبة — سواء جمهورية أو ديمقراطية — اختارت الدبلوماسية بدلا من القوة. هذا النمط سمح لإيران بتطوير برامجها النووية والصاروخية الباليستية دون عقاب يذكر. من المحتمل أن يرى المرشدون تهديدات ترامب بضرب المواقع النووية الإيرانية كلاما فارغا، خاصة بعد فشله في تنفيذ تهديدات مماثلة ضد حماس في غزة. من خلال المماطلة، يمكن لإيران مواصلة تخصيب اليورانيوم وتطوير التقنيات ذات الصلة، مما يعزز موقفها في المفاوضات المستقبلية أو كقوة نووية فعلية.

٣. تعزيز الاستقرار الداخلي: اقتصاد إيران في حالة يرثى لها، حيث تساهم العقوبات الأمريكية في انهيار العملة، وتضخم بنسبة أربعين بالمئة، ونقص متكرر في الطاقة والمياه، وارتفاع الفقر، وضعف فرص العمل للشباب. يتزايد السخط العام، كما يتضح من الانفجار الأخير في ميناء بندر عباس التجاري، الذي أسفر عن مقتل سبعين شخصا على الأقل وإصابة أكثر من ألف، مما يرجح أن يؤجج غضب الجمهور ضد النظام. توفر المفاوضات، حتى لو طالت، طوق نجاة لطهران. فالاتفاق المحتمل — أو حتى مجرد الانطباع بإحراز تقدم — قد يخفف الضغوط الاقتصادية من خلال تخفيف العقوبات أو جذب استثمارات أجنبية، مما يعزز قبضة النظام على السلطة في لحظة حرجة.

التحديات الأمريكية: النفوذ والمصداقية

ويواجه المفاوضون الأمريكيون مهمة شاقة لتأمين اتفاق يخدم المصالح الوطنية، حيث تتفاقم حوافز طهران للتأخير بسبب النقص الملحوظ في النفوذ والمصداقية الأمريكية:

تراجع مصداقية التهديد العسكري: قوبلت تهديدات ترامب العلنية باستخدام القوة ضد المواقع النووية الإيرانية، بما في ذلك رسالة إلى خامنئي، بالتشكيك في طهران. للولايات المتحدة تاريخ من التهديد بالعمل العسكري دون تنفيذ، من تحذيرات الرئيس كلينتون في التسعينيات إلى خطاب الرئيس أوباما بأن كل الخيارات مطروحة. سجل ترامب نفسه — مثل تهديده غير المنفذ بإطلاق الجحيم على حماس — يقوض مصداقيته أكثر. العواقب المحتملة لضرب إيران، بما في ذلك التصعيد الإقليمي والتداعيات الاقتصادية العالمية، تجعل العمل العسكري مخاطرة كبيرة، ومن المرجح أن تتوقع طهران تجنب واشنطن له.

 

موقف تفاوضي غير متسق: أرسلت إدارة ترامب إشارات متضاربة حول الحد الأدنى لمطالبها. اقترح المبعوث الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في البداية أن إيران يمكن أن تستمر في تخصيب اليورانيوم بمستويات منخفضة، مما أثار مقارنات بخطة العمل الشاملة المشتركة لعام ألفين وخمسة عشر، التي انتقدها ترامب وانسحب منها. بعد الانتقادات، أوضح وزير الخارجية ماركو روبيو أن إيران ستقتصر على برنامج نووي مدني يعتمد على الوقود النووي المستورد. هذا التناقض يضعف موقف الولايات المتحدة، حيث قد ترى طهران مجالا لاستغلال الانقسامات داخل الإدارة أو الدفع للحصول على شروط أقرب إلى الاتفاق الأصلي.

 

العلاقات المتوترة عبر الأطلسي: قدرة الولايات المتحدة على حشد الحلفاء الأوروبيين لتفعيل العقوبات السريعة الإرجاع غير مؤكدة. سياسات ترامب، بما في ذلك التعريفات الجمركية وموقفه المتعالي تجاه الناتو، قد أضرت بالعلاقات مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا. طلب إيران لعقد اجتماعات مع هذه الدول قبل مواصلة المحادثات مع واشنطن يشير إلى استراتيجية متعمدة لخلق انقسام بين الولايات المتحدة وحلفائها. إذا ترددت أوروبا في دعم العقوبات، ستفقد الولايات المتحدة أداة ضغط حاسمة لإجبار طهران على التوصل إلى اتفاق.

 

الضغوط الداخلية على ترامب: داخليا، يواجه ترامب انخفاضا في نسب التأييد، وتراجع ثقة المستهلكين، وتزايد مخاوف الركود الاقتصادي. هذه التحديات قد تدفعه إلى السعي وراء اتفاق، حتى لو كان دون المستوى الأمثل، ليحقق نصرا في السياسة الخارجية ويعزز مكانته السياسية. طهران، التي تدرك هذه الديناميكيات، قد تستغل رغبة ترامب في تحقيق فوز سريع من خلال إطالة المحادثات، متوقعة أنه سيقدم تنازلات مع اقتراب الموعد النهائي في أكتوبر.

توصيات للمفاوضين الأمريكيين

للتصدي لتكتيكات التأخير الإيرانية وتأمين اتفاق يعطي الأولوية للمصالح الأمريكية، تجد واشنطن إن عليها اعتماد نهج منضبط واستراتيجي:

١. وضع مهلة زمنية صلبة: ينبغي للولايات المتحدة تحديد مهلة زمنية واضحة لا تتجاوز بضعة أسابيع للتوصل إلى اتفاق يخدم المصالح الأمريكية بشكل حقيقي. هذا سيحد من قدرة إيران على المماطلة ويضمن إجراء المفاوضات بشكل مركز وهادف.

٢. توحيد الرسائل الدبلوماسية: يجب على إدارة ترامب تقديم موقف تفاوضي موحد وواضح، مع التأكيد على أن إيران يجب أن تلتزم ببرنامج نووي مدني يعتمد على الوقود المستورد، دون السماح بتخصيب اليورانيوم محليا. تجنب الإشارات المتضاربة سيحرم طهران من فرص استغلال الانقسامات الداخلية.

٣. إعادة بناء التحالف عبر الأطلسي: ينبغي للولايات المتحدة العمل على إصلاح العلاقات مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا لضمان دعمهم لتفعيل العقوبات السريعة الإرجاع إذا لزم الأمر. التنسيق الوثيق مع الحلفاء الأوروبيين سيرسل رسالة قوية إلى طهران بأن المجتمع الدولي موحد في مواجهة الانتهاكات النووية.

٤. تعزيز الضغط الاقتصادي: يمكن للولايات المتحدة زيادة الضغط على إيران من خلال فرض عقوبات ثانوية على الشركات والدول التي تتعامل مع طهران، مما يزيد من تكلفة المماطلة. كما ينبغي استكشاف خيارات دبلوماسية لتوسيع الدعم الدولي للعقوبات خارج إطار الأمم المتحدة.

 

وتعكس استراتيجية إيران في إطالة المفاوضات النووية مع إدارة ترامب موقفًا محسوبا يهدف إلى تعظيم مكاسبها مع تقليل تنازلاتها. من خلال الاستفادة من ضعف مصداقية التهديدات العسكرية الأمريكية، والتوترات عبر الأطلسي، والضغوط الداخلية على ترامب، تسعى طهران إلى تعزيز برنامجها النووي وتأمين استقرار نظامها. لمواجهة هذه التحديات، يجب على الولايات المتحدة تبني نهجا حازما يحد من قدرة إيران على المماطلة مع الحفاظ على الضغط الاقتصادي والدبلوماسي. إن نجاح هذه المفاوضات لن يحدد مستقبل البرنامج النووي الإيراني فحسب، بل سيؤثر أيضا على توازن القوى في الشرق الأوسط والأمن العالمي في السنوات القادمة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق