صندوق النقد الدولي , وجه تحذيرًا لمصر بضرورة التروي وعدم التسرع في اتخاذ قرارات خفض إضافية في أسعار الفائدة، في ظل حالة عدم اليقين التي تسود الاقتصاد العالمي نتيجة التطورات الجيوسياسية، وعلى رأسها قرارات الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا، والتي أثارت موجة من الاضطرابات المالية حول العالم.
وفي الوقت الذي اتخذت فيه مصر خطوة جريئة بخفض أسعار الفائدة لأول مرة منذ خمس سنوات، دعا المسؤولون إلى ضرورة الحفاظ على سياسة نقدية متوازنة ومبنية على تحليل دقيق للبيانات، من أجل السيطرة على التضخم وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
مصر تبدأ أولى خطوات التيسير النقدي… وصندوق النقد الدولي يتحفظ
في الشهر الماضي، أقدم البنك المركزي المصري على خفض أسعار الفائدة بواقع 225 نقطة أساس، لتصل إلى 25%، وذلك بعد تراجع معدل التضخم السنوي إلى 13.6%، مقارنة بذروة بلغت نحو 30% في سبتمبر 2023. ويأتي هذا الخفض بعد فترة طويلة من التشديد النقدي بهدف كبح التضخم، وتحقيق استقرار في سوق الصرف وأسعار السلع.
لكنه يرى أن الأوضاع الاقتصادية العالمية، ولا سيما تصاعد النزاعات التجارية وقرارات ترامب الحمائية، تفرض ضغوطًا إضافية على الأسواق الناشئة، ومنها مصر، ما يتطلب توخي الحذر في اتخاذ قرارات خفض الفائدة.
وفي هذا السياق، صرح محمد معيط، المدير التنفيذي للدول العربية وجزر المالديف، من واشنطن قائلاً: “لا بد من التأكد التام من صحة القرار قبل اتخاذه، فالتراجع عنه لاحقًا يُفقد السياسة مصداقيتها، خصوصًا في ظل تقلبات الأسواق الحالية”.
التضخم لا يزال التحدي الأكبر وتحذيرات من صندوق النقد الدولي
رغم الانخفاض النسبي في معدلات التضخم، لا تزال المخاوف قائمة من احتمالات عودته للارتفاع في أي لحظة، خصوصًا مع استمرار التوترات العالمية. جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ، شدد على أن إدارة السياسة في هذه الظروف يجب أن تكون “يقظة ومدروسة”، خاصة وأن “التضخم لا يزال مرتفعًا، والهدف هو إعادته إلى مستويات مستقرة في خانة واحدة”.
وتهدف الحكومة المصرية إلى خفض التضخم بالتوازي مع الإصلاحات الاقتصادية المستمرة، والتي شملت تخفيض قيمة الجنيه بأكثر من 40%، ورفع أسعار الطاقة والسلع، من أجل جذب الاستثمارات وتأمين التمويلات اللازمة، وكان آخرها حزمة تمويلية بلغت نحو 57 مليار دولار بدعم من الإمارات .
الأسواق تترقب… والجنيه تحت الضغط
على الرغم من الخطوة الإيجابية المتمثلة في خفض الفائدة، شهدت السوق المحلية تقلبات كبيرة، تمثلت في خروج تدفقات استثمارية أجنبية تجاوزت المليار دولار في أبريل، وفقًا لتقديرات “جولدمان ساكس”، بسبب حالة القلق الناتجة عن الرسوم الأمريكية الجديدة.
وأدى ذلك إلى تراجع الجنيه المصري لأدنى مستوياته التاريخية، قبل أن يعاود الصعود بشكل طفيف. وتخضع الصادرات المصرية حاليًا لحد أدنى من الرسوم الأمريكية يبلغ 10%.
وفي ضوء هذا، ورغم الخفض الأخير، يبقى سعر الفائدة الحقيقي في مصر (بعد خصم التضخم) من الأعلى عالميًا، عند نحو 11.5%، مما يعكس حالة الحذر الشديدة في السياسة النقدية، والتزام البنك المركزي بتحقيق التوازن بين دعم النمو وكبح التضخم.
ويبدو أن المرحلة المقبلة ستتطلب مزيدًا من الحذر والمرونة في آنٍ واحد، مع اعتماد مصر على قراءة دقيقة لمتغيرات الاقتصاد العالمي، قبل اتخاذ أي خطوات جديدة في ملف أسعار الفائدة.
0 تعليق