تعد صناعة الحاصلات الزراعية في مصر ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، حيث تسهم بشكل كبير في تحقيق الأمن الغذائي، وزيادة الصادرات، وتوفير فرص العمل، وشهدت هذه الصناعة خلال السنوات الأخيرة طفرة غير مسبوقة، مدعومة بمشروعات قومية عملاقة، تقنيات زراعية حديثة، وتوسع في الأسواق الخارجية.
وفي هذا التقرير من بانكير، نستعرض أبرز ملامح صناعة الحاصلات الزراعية في مصر، وتأثيرها الكبير على النمو الاقتصادي، واهم التحديات التي تواجه هذه الصناعة في المستقبل.
أهمية القطاع الزراعي في مصر

يشكل القطاع الزراعي نحو 14.7% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، ويوفر حوالي 32% من فرص العمل، حيث يعمل به أكثر من 8.5 ملايين شخص، وتغطي الأراضي الزراعية حوالي 3.6% من إجمالي مساحة مصر، أي ما يعادل 9.8 ملايين فدان، معظمها يعتمد على الري من نهر النيل.
وتتميز مصر بتنوع محاصيلها الزراعية، التي تشمل القمح، والأرز، والذرة، والموالح، والبطاطس، والبصل، والطماطم، والبرتقال، والمانجو، والفراولة، بالإضافة إلى المحاصيل الزيتية والعطرية.
إنجازات الإنتاج والتصدير الزراعي في مصر
شهدت السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في إنتاجية الحاصلات الزراعية، حيث أصبحت مصر الأولى عالميا في متوسط إنتاجية القمح الربيعي، مع تضاعف إنتاجية القمح والأرز، كما حققت مصر اكتفاء ذاتيا في العديد من المحاصيل مثل الخضروات والفواكه، مع فائض للتصدير.
وفي الربع الأول من عام 2025، سجلت صادرات الحاصلات الزراعية نحو 2.7 مليون طن، بزيادة 22.7% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفي عام 2024، بلغت الصادرات الزراعية 6.4 ملايين طن حتى سبتمبر، بزيادة 529 ألف طن عن العام السابق.
وتتصدر الموالح قائمة الصادرات بـ1.3 مليون طن، تليها البطاطس (493 ألف طن)، الفاصوليا، البطاطس الحلوة، والفراولة، وتحتل مصر المركز الأول عالميًا في تصدير البرتقال، والثاني في البطاطس، والثالث في البصل.
وتستحوذ الأسواق العربية، خاصة السعودية والإمارات، على 47% من الصادرات الزراعية المصرية، بينما تمثل الأسواق الأوروبية وآسيا حصصا متزايدة، كما ساهمت الاتفاقيات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، والدول العربية في تسهيل الوصول إلى هذه الأسواق.
مشروعات قومية عملاقة تدعم التوسع الزراعي

تعد المشروعات القومية العملاقة، مثل "مستقبل مصر" و"الدلتا الجديدة"، من أبرز العوامل التي عززت هذه نهضة صناعة الحاصلات الزراعية، حيث يهدف مشروع "مستقبل مصر" إلى استصلاح مليوني فدان بحلول 2025، و4.5 ملايين فدان بحلول 2027، مما يعادل مساحة 3-4 محافظات كبرى.
وقد تم استصلاح 350 ألف فدان حتى الآن، تزرع مرتين سنويا باستخدام أنظمة ري محورية متطورة، مما ينتج محاصيل عالية الجودة مثل القمح، بنجر السكر، فول الصويا، والموالح.
أما مشروع "الدلتا الجديدة" فيستهدف إضافة 2.2 مليون فدان إلى الرقعة الزراعية، بينما يسهم مشروع "توشكي الخير" بـ1.1 مليون فدان.
هذه المشروعات لا تقتصر على الزراعة فقط، بل تشمل إنشاء مناطق صناعية متكاملة تضم مصانع للأعلاف، العصائر، المجففات، والبطاطس نصف المقلية، مما يعزز القيمة المضافة للمنتجات الزراعية المصرية.
صناعة الحاصلات الزراعية.. قيمة مضافة للاقتصاد
تعد صناعة الحاصلات الزراعية حلقة حيوية في سلسلة القيمة، حيث تسهم في تحويل المنتجات الخام إلى منتجات جاهزة للتصدير أو الاستهلاك المحلي، وتشمل الصناعات الزراعية تجفيف وتجميد الخضروات والفواكه، وإنتاج العصائر، والمركزات، والأعلاف.
وعلى سبيل المثال، تضم المنطقة الصناعية في "الدلتا الجديدة" مصانع تستخدم 3 ملايين طن من الخام سنويا لإنتاج 1.5 مليون طن من المنتجات، كما ينتج مجمع الصناعات الغذائية في قها وإدفينا 550 ألف طن من المنتجات سنويا.
وتسهم صناعة الحاصلات الزراعية في تقليل الهدر الزراعي، وإعادة تدوير المخلفات مثل قش الأرز، وتوفير فرص عمل تصل إلى 10 آلاف فرصة مباشرة و350 ألف فرصة غير مباشرة في مشروع "مستقبل مصر" وحده.
صعوبات تواجه صناعة الحاصلات الزراعية في مصر

تواجه صناعة الحاصلات الزراعية تحديات كبيرة، أبرزها ندرة المياه، حيث تستهلك الزراعة 85% من الموارد المائية المتاحة، ولكن لمواجهة هذا التحدي، استثمرت مصر 300 مليار جنيه في إنشاء محطات معالجة مياه الصرف الزراعي، مثل محطة بحر البقر (5.6 ملايين م³/يوم) ومحطة الحمام (7.5 ملايين م³/يوم)، بالإضافة إلى الاعتماد على تقنيات الري الحديثة، مثل الري بالتنقيط، لترشيد استهلاك المياه.
كما تعد التكاليف المرتفعة لاستصلاح الأراضي الصحراوية من أبرز التحديات التي تواجه صناعة الحاصلات الزراعية، حيث تصل تكلفة زراعة مليون فدان في مشروع "مستقبل مصر" إلى 250 مليار جنيه، إضافة إلى ذلك، يؤثر التغير المناخي والزيادة السكانية على الموارد الطبيعية، مما يتطلب استراتيجيات مستدامة للحفاظ على الإنتاجية.
مستقبل صناعة الحاصلات الزراعية في مصر

تتطلع مصر إلى تعزيز مكانتها كمركز عالمي للصادرات الزراعية بحلول 2030، وذلك من خلال:
- زيادة الرقعة الزراعية من خلال استهداف استصلاح 4.5 ملايين فدان إضافية بحلول 2027.
- تعزيز الصادرات، حيث يعتزم جهاز "مستقبل مصر" تصدير منتجات زراعية بقيمة 2 مليار دولار سنويا، تشمل البطاطس نصف المقلية، مركزات الرمان، والعصائر.
- التوسع في التصنيع الزراعي من خلال إنشاء مناطق صناعية جديدة وتطوير سلاسل التوريد لتقليل الاعتماد على الواردات.
- التكيف مع التغير المناخي وذلك عن طريق تطوير أصناف محاصيل مقاومة للجفاف وتحسين إدارة الموارد المائية.
ومما لا شك فيه فإن صناعة الحاصلات الزراعية في مصر، تعد نموذجا ناجحا للتنمية المستدامة، حيث تجمع بين التوسع في الإنتاج، وتحسين الجودة، وتعزيز القدرة التنافسية في الأسواق العالمية.
وبالرغم التحديات، تثبت الجهود الحكومية والاستثمارات الضخمة على التزام مصر بتحقيق الأمن الغذائي ودعم الاقتصاد الوطني، ومع استمرار هذه النهضة، تتجه مصر نحو ترسيخ مكانتها كقوة زراعية عالمية، قادرة على مواجهة التحديات واستغلال الفرص من إجل تحقيق النمو الاقتصادي في القطاع الزراعي.
0 تعليق