تشويش إلكتروني بمقاتلات تركية ضد عمليات إسرائيل في الأجواء السورية

الرئيس نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

شهد الصراع السوري تصعيدا كبيرا عندما شاركت طائرات مقاتلة تركية، في عمليات تشويش إلكتروني ضد طائرات إسرائيلية كانت تعمل فوق الأجواء السورية. 

هذه الخطوة النادرة والاستفزازية، التي أكدتها مصادر إسرائيلية، تمثل فصلا جديدا في التنافس الجيوسياسي المعقد بين تركيا وإسرائيل، القوتين الإقليميتين الرئيسيتين اللتين لعبتا أدوارا بارزة في التدخلات السرية والعلنية في سوريا. مع استمرار تطور الصراع السوري عقب سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر ٢٠٢٤، يسلط هذا الحادث الضوء على الصراع المتصاعد من أجل النفوذ في دولة مزقتها سنوات من الحرب الاهلية، وفقا لموقع زيرو هرتيدج الأمريكي.

الطائرات التركية تعطل العمليات الإسرائيلية

وفقا لتقارير من موقع زيرو هيدج ووسائل الإعلام الإسرائيلية، أصدرت مقاتلات تركية إشارات تحذير إلكترونية وشاركت في عمليات تشويش إلكتروني في وقت متأخر من يوم الجمعة، الثاني من مايو ٢٠٢٥، لردع الطائرات الحربية الإسرائيلية التي كانت تقوم بغارات جوية عبر سوريا. 

وأكدت هيئة البث الإسرائيلية أن الطائرات التركية عطلت عمل المقاتلات الإسرائيلية من خلال التدخل في أنظمة الملاحة الخاصة بها، مما أجبر بعضها على التراجع عن الأجواء السورية. 

وتؤكد منشورات على منصة إكس هذه الادعاءات، حيث نقلت مصادر عن القناة ١١ الإسرائيلية أن الطائرات التركية، التي كانت تحلق على ارتفاع ٦ كيلومترات، أرسلت إشارات تحذير إلى الطائرات الإسرائيلية التي كانت تحلق على ارتفاع ٥٫٥ كيلومترات، مما أجبرها على الانسحاب.

وتزامن التدخل التركي مع موجة من الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع في مناطق حماة ودمشق، بما في ذلك المناطق القريبة من القصر الرئاسي في دمشق. هذه الضربات، التي تأتي ضمن الحملة الإسرائيلية المستمرة لتحييد التهديدات المتصورة في سوريا، أثارت انتقادات دولية لانتهاكها السيادة السورية.

وسبق أن أصدرت وزارة الخارجية التركية بيانا يدين العمليات الإسرائيلية، معتبرة أنها تقوض وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية. ودعت الوزارة إلى وقف الغارات الجوية، مما يعكس إحباط أنقرة المتزايد من التوسع العسكري الإسرائيلي في سوريا.

سوريا ساحة معركة جيوسياسية

كانت سوريا نقطة محورية للصراعات الإقليمية والدولية منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام ٢٠١١. لعبت كل من إسرائيل وتركيا أدوارا كبيرة في تشكيل مسار الصراع، وغالبا ما كانتا تتبعان أجندات متباينة. ونفذت إسرائيل مئات الغارات الجوية في سوريا على مر السنين، تستهدف بشكل رئيسي القوات المدعومة من إيران وحزب الله والبنية التحتية العسكرية السورية لمنع نقل الأسلحة المتطورة والحد من نفوذ إيران. من ناحية أخرى، دعمت تركيا فصائل متمردة مختلفة، بما في ذلك الجيش الوطني السوري وبشكل مثير للجدل، هيئة تحرير الشام، وهي جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة بقيادة أبو محمد الجولاني.

يمثل سقوط حكومة الأسد في ٨ ديسمبر ٢٠٢٤ ومنفاه اللاحق إلى موسكو نقطة تحول في الصراع. وقد أدى الفراغ السياسي الناتج عن رحيل الأسد إلى تكثيف التنافس بين إسرائيل وتركيا، حيث تسعى كل منهما إلى تأمين مصالحها الاستراتيجية في المشهد السوري الجديد. كثفت إسرائيل غاراتها الجوية، مستهدفة الأصول العسكرية السورية لمنعها من الوقوع في أيدي جماعات معادية، بينما تقدمت في عمليات برية في جنوب سوريا، بما في ذلك احتلال منطقة عازلة منزوعة السلاح بالقرب من مرتفعات الجولان. في الوقت نفسه، تحركت تركيا لتوسيع نفوذها في شمال ووسط سوريا، حيث أفادت التقارير بأنها أقامت أنظمة دفاع جوي بالقرب من تدمر وتتفاوض على السيطرة على قواعد جوية استراتيجية مثل قاعدة تي ٤ لتوفير غطاء جوي للحكومة الجديدة في دمشق.

الحسابات الاستراتيجية لتركيا

يعكس قرار تركيا بالمشاركة في التشويش الإلكتروني ضد الطائرات الإسرائيلية تصعيدا محسوبا مدفوعا بعدة اعتبارات استراتيجية:

١. مواجهة الهيمنة الإسرائيلية: أثارت الغارات الجوية الإسرائيلية المتكررة في سوريا، التي تُجرى غالبا دون عقاب بسبب انهيار الدفاعات الجوية السورية، إحباط تركيا التي ترى فيها تهديدا لمصالحها والاستقرار الإقليمي. من خلال تعطيل العمليات الإسرائيلية، تشير تركيا إلى استعدادها لتحدي حرية إسرائيل التشغيلية والتأكيد على دورها كقوة موازنة في سوريا.

٢. دعم الحكومة السورية الجديدة: برزت تركيا كداعم رئيسي للحكومة ما بعد الأسد بقيادة زعيم هيئة تحرير الشام، الجولاني. ويؤكد نشر أنقرة لأنظمة الدفاع الجوي ومفاوضاتها المزعومة لعقد دفاعي مع دمشق التزامها بتثبيت سوريا تحت حكومة تتماشى مع مصالحها. يهدف التشويش على الطائرات الإسرائيلية إلى حماية الأجواء السورية وتعزيز شرعية الإدارة الجديدة.

٣. إبراز القوة الإقليمية: سعى الرئيس رجب طيب أردوغان منذ فترة طويلة إلى وضع تركيا كلاعب مهيمن في الشرق الأوسط. تُظهر عملية الحرب الإلكترونية ضد إسرائيل، وهي خصم متقدم تقنيا، قدرات تركيا العسكرية وترسل رسالة إلى الجهات الإقليمية والعالمية حول عزم أنقرة. تتماشى هذه الخطوة مع السياسة الخارجية الأوسع لأردوغان، التي شملت قطع العلاقات مع إسرائيل والدعوة إلى فرض حظر على الأسلحة ضدها.

٤. موازنة العلاقات مع روسيا والغرب: يجب أيضا النظر إلى تصرفات تركيا في سياق توازنها الدقيق بين روسيا، الحليف السابق للأسد، والولايات المتحدة، التي دعمت تاريخيا القوات الكردية في شمال سوريا. من خلال مواجهة إسرائيل، قد تسعى تركيا إلى كسب ود روسيا ودول بريكس الأخرى مع الحفاظ على نفوذها في المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن قضايا مثل برنامج إف ٣٥ والعقوبات المتعلقة بشراء نظام إس ٤٠٠.

رد إسرائيل والتداعيات الإقليمية

وردت إسرائيل على تصرفات تركيا بتحذيرات قوية، مشيرة إلى أنها ترى تورط أنقرة المتزايد في سوريا كتهديد مباشر. 

حذرت حكومة نتنياهو تركيا بالفعل من تعميق وجودها العسكري، خاصة في وسط سوريا، حيث تسعى إسرائيل إلى الحفاظ على حرية العمليات لشن غارات جوية ضد أهداف إيرانية وحزب الله. بينما وصفت مصادر أمنية إسرائيلية الضربات الأخيرة على قاعدة تي ٤ الجوية بأنها رسالة إلى أنقرة، مما يشير إلى استعداد لاستخدام القوةـ لردع التوسع التركي.

يرفع حادث التشويش الإلكتروني مخاطر المواجهة المباشرة بين إسرائيل وتركيا، وهما دولتان حليفتان في حلف الناتو ولديهما تاريخ من العلاقات المتوترة. بينما يبقى الصراع الشامل غير مرجح بسبب الردع المتبادل ووساطة الولايات المتحدة، فإن احتمال الخطأ في الحسابات مرتفع. سيناريو افتراضي يتضمن إسقاط أنظمة الدفاع الجوي التركية لطائرة إسرائيلية قد يثير أزمة إقليمية، تجذب أطرافا أخرى مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة.

ووفقا للمراقبين، يمثل تدخل تركيا الإلكتروني ضد الطائرات الإسرائيلية في الأجواء السورية نقطة تحول في الصراع السوري، مما يبرز التنافس المتصاعد بين تركيا وإسرائيل على النفوذ في سوريا ما بعد الأسد. تعكس هذه الخطوة الجريئة حسابات تركيا الاستراتيجية لمواجهة الهيمنة الإسرائيلية، ودعم الحكومة الجديدة في دمشق، وإبراز قوتها الإقليمية. ومع ذلك، فإنها تزيد أيضا من مخاطر التصعيد، مما قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين قوتين إقليميتين قويتين. مع استمرار الصراع السوري في تطوره، فإن هذا الحادث يؤكد التعقيدات والمخاطر التي تنطوي عليها المنافسات الجيوسياسية في المنطقة، مما يجعل الطريق إلى الاستقرار طويلا وغير مؤكد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق