قال نور الدين بنسودة، الخازن العام للمملكة، إن “المرحلة التي نمر بها اليوم تتسم بتحولات عميقة لا رجعة فيها، وتفرض علينا إعادة النظر في أولوياتنا الجماعية، وتدعونا أيضا إلى إعادة التفكير في الأسس التي تقوم عليها السياسات العمومية”.
وأكد بنسودة ضمن كلمته خلال حفل افتتاح ملتقى “المشتريات العمومية الذكية مناخيا بالعالم العربي ومنطقة مينا”، الاثنين بمدينة سلا، أن “التحولات البيئية المتمثلة في الاحتباس الحراري والاستنزاف غير المسبوق للموارد الطبيعية وفقدان التنوع البيولوجي (…)، لم تعد مجرد تحذيرات، بل أصبحت وقائع ملموسة”، موضحا أن “هذه الحقائق تحتم علينا إعادة النظر في أنماط الإنتاج والاستهلاك”.
واعتبر المتحدث أن “الأمر لم يعد يتعلق بموضوع الشراء بثمن أقل، بل بالشراء بطرق أفضل، وهو ما من شأنه تحقيق آثار إيجابية على البيئة ودعم التشغيل المحلي وتعزيز التماسك الاجتماعي، ما دام أن المنتدى الاقتصادي العالمي يقدر نسبة المشتريات العمومية، التي لها بالمناسبة دور استراتيجي في الاقتصاد الوطني، في حوالي 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في مجمل البلدان، في وقت تظل هذه الأخيرة مسؤولة عن حوالي 15 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة بالعالم”.
كما بيّن أن “أخذ التنمية المستدامة بعين الاعتبار في الشراءات/الصفقات العمومية لا يُعد فقط خيارًا طوعيًا بل أصبح التزامًا قانونيًا، حيث عزّز الإصلاح الأخير لمنظومة الصفقات العمومية خلال 2023 من صلاحيات المشترين العموميين للقيام بعمليات شراء مستدامة، كما أن الاستراتيجيات الوطنية المعمول بها تنخرط في مسارات طموحة تهدف إلى بلوغ الحياد الكربوني بحلول سنة 2050 وتقليص التأثيرات البيئية خلال العقود القادمة”.
وبحسب الخازن العام للمملكة، فإن القرارات على المستوى الجهوي والمحلي “عادة ما تصطدم بقيود فورية، بما فيها الأجندات الانتخابية والضغوط الميزانياتية وضيق الآجال، فهذا التفاوت بين الإيقاعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية يزيد من تعقيد تنفيذ الصفقات العمومية الخضراء”، موضحا الحاجة إلى “منطق التدرج في دمج هذه الصفقات/المشتريات العمومية في أهداف الانتقال البيئي”.
وزاد: “لقد دُعي المشترون العموميون إلى ترسيخ ثقافة الشراء المسؤول من خلال تعميم المقاربة البيئية في الإدارات العمومية وتعميم اقتناء التجهيزات المُقتصِدة للماء والطاقة، وتقليص النفايات، وتعزيز قطاعات إعادة الاستعمال والتدوير”، مذكّرا بأن الإصلاح المشار إليه “يتضمن مبادئ جديدة، بما فيها الكفاءة الطاقية والحفاظ على الموارد العامة واحترام البيئة وتثمين التراث الوطني، وهي عبارة عن مبادئ وليست شعارات، يجب أن تُترجم إلى ممارسات يومية في عمليات الشراء”.
وقال نور الدين بنسودة أيضا إنه “أصبح من الممكن ــ بل من الطبيعي ــ إدراج أهداف التنمية المستدامة في جميع مراحل دورة حياة الصفقة، من تحديد الحاجيات إلى توقيع العقد ووصولا إلى تنفيذه وإغلاقه. ولذلك، فإن دراسة العروض لم تعد تعتمد على الثمن/السعر، وإنما باتت تستحضر المبادئ المذكورة”.
كما كشف أنه “يجري حاليا وضع اللمسات الأخيرة على دليل المشتريات العمومية الخضراء، ومن المقرر أيضا إنشاء بوابة لتحديد المناقصات المتضمّنة لاحتياطات تتعلق بالتنمية المستدامة، فضلا عن تحديد الممارسات السيئة في مجال هذا المجال من أجل متابعتها بانتظام”، موضحا أن “تحويل المشتريات العمومية إلى مشتريات خضراء يطرح تحديات حقيقية”.
من بين هذه التحديات، وفق الخازن العام للمملكة، “قواعدُ التجارة الدولية الآخذة في التغيّر، مما يفرض على الدول النامية التكيّف تحت طائلة الاستبعاد من سلاسل القيمة العالمية. ينضاف ذلك إلى تأثيرات ناجمة عن إدماج العلوم في المجال البيئي، فما يُعتبرُ اليوم أخضرًا أو نظيفا يمكن أن يُكشفَ غدا، مع تقدم الأبحاث، عن آثار غير متوقعة أو عوامل خارجية سلبية مرتبطة به”.
وختم المسؤول المغربي كلمته بالإشارة إلى أن “البلدان النامية يجب عليها أن تظل يقظة لتجنّب غدوّ مشترياتها العمومية ناقلا غير مقصود للتكنولوجيا غير المتوازنة أو الحلول التي تزعم أنها مستدامة، ولكنها غير ملائمة للواقع المحلي”.
يذكر أن الحفل الافتتاحي لملتقى “المشتريات العمومية الذكية مناخيا بالعالم العربي ومنطقة مينا”، الذي ينعقد يومي 5 و6 ماي الجاري، حضره، خصوصا، فوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، وأحمدو مصطفى ندياي، المدير الإقليمي لمنطقة المغرب العربي ومالطا بالبنك الدولي، فضلا عن مسؤولين آخرين يمثلون مؤسسات دولية، أساسا البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، الوكالة الفرنسية للتنمية، البنك الأوروبي للاستثمار، البنك الإسلامي للتنمية والبنك الجديد للتنمية.
" frameborder="0">
0 تعليق