مصالح المراقبة بمديرية الضرائب تطارد المتملصين من "شهادات التسوية"

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

منذ دخول إجراء الحجز في المنبع للضريبة على القيمة المضافة (RAS) حيز التنفيذ قبل شهرين، استشعرت مصالح المراقبة التابعة للمديرية العامة للضرائب إشارات مقلقة تمثلت في تنامي المعاملات التجارية خارج قنوات الفوترة، المعروفة بـ”النوار”، خصوصا بين المقاولات الصغيرة والصغيرة جدا؛ ما أثار تساؤلات عديدة حول تأثير هذا الإجراء الضريبي الجديد على سلوكيات المقاولات ومدى نجاعته في مكافحة الغش والتملص الضريبيين، لا سيما تلك التي تعاني من صعوبات مالية وتواجه تحديات في الحصول على “شهادات التسوية الضريبية” Attestation de régularité fiscale.

وتم إقرار إجراء الحجز في المنبع للضريبة على القيمة المضافة بهدف رفع مستوى التحصيل الجبائي، من خلال تقليل مخاطر التهرب الضريبي وضمان التزام أفضل من قبل المقاولات بواجباتها الضريبية، حيث يفرض هذا الإجراء على المقاولات الملزمة الاحتفاظ بجزء من ضريبة القيمة المضافة المستحقة على مورديها، والقيام بتحويلها مباشرة إلى الإدارة الضريبية، بهدف ضمان الهدف تحصيل ضريبة القيمة المضافة وسدادها، دون الاعتماد على حسن نية المقاولات التي تجمع هذه الضريبة نيابة عن الدولة.

وكشف تطبيق الإجراء الجبائي عن آثار جانبية غير مرغوب فيها، خاصة بالنسبة إلى المقاولات الصغيرة والصغيرة جدا، التي بسبب عدم قدرتها على الحصول على شهادات التسوية الضريبية اللازمة اختار عدد كبير منها التحايل على نظام التحصيل الحالي للضريبة على القيمة المضافة، من خلال اللجوء إلى “النوار”؛ وهو التوجه الذي حذر خبراء من خطورته على وتيرة التحصيل الضريبي، وطالبوا بإجراءات عاجلة لإيجاد توازن بين نظام ضريبي عادل وبين اقتصاد متحرك، حيث يمكن لجميع المقاولات الملزمة، الكبرى والصغرى، التطور في انضباط تام للقانون، والوفاء بالتزاماتها الجبائية.

خطورة الضغط الجبائي

ركز المخطط الاستراتيجي للمديرية العامة للضرائب، الذي يغطي الفترة بين 2024 و2028، على تعزيز مبدأ الامتثال الضريبي؛ من خلال حزمة من البرامج والإجراءات التي تستهدف دفع الملزمين إلى تسوية وضعيتهم الجبائية بشكل تلقائي، عبر تعزيز نظام التدبير الضريبي العادل، وتقديم خدمة عالية الجودة وذات فعالية وشفافة قوامها الرقمنة والذكاء الاصطناعي عند معالجة وتحليل المعطيات والمعلومات الواردة على مصالح المديرية؛ إلا أن الشروع في تنفيذ أهداف هذا المخطط خلف في خطواته الأولى ضغطا جبائيا على الملزمين، خصوصا المقاولات الصغيرة والصغيرة جدا، ما ينذر بنتائج عكسية على مستوى التحصيل الضريبي.

وبهذا الخصوص، أوضح مصطفى نبغة، خبير محاسب في الدار البيضاء، أن “الضغط الضريبي المتزايد، إلى جانب الإجراءات الإدارية المعقدة، دفعا العديد من المقاولات الصغيرة إلى البحث عن بدائل للبقاء”.

وأكد الخبير ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “مقاولات صغيرة الحجم، التي تعاني غالبا من أزمات مالية، ترى في “النوار” مهربا من إجراء تعتبره صعب التطبيق (الحجز في المنبع للضريبة على القيمة المضافة)، مشيرا إلى أن العديد من هذه المقاولات ليست لديها القدرات المالية لتسوية وضعيتها مع المصالح الجبائية والحصول على شهادات التسوية الضريبية؛ وبالتالي يفضل أربابها تجنب المعاملات المفوترة لتفادي التعرض للعقوبات الضريبية أو التأخير في آجال الأداء.

في السياق ذاته، أضاف نبغة أنه عندما تواجه المقاولات ضغطا ضريبيا مرتفعا يصبح تجنب هذا النوع من الضغوط من خلال عدم الفوترة أحد الأساليب الجذابة للحفاظ على الربحية، موضحا أن هذا التحايل يوفر على المقاولات جزءا كبيرا من التكاليف التي كان يفترض توجيهها لتغطية الالتزامات الضريبية، مؤكدا أنه يؤدي في الوقت نفسه إلى انزلاقها نحو الاقتصاد غير المهيكل.

ونبه المتحدث إلى أن المقاولات التي تتملص من قنوات الفوترة تحظى بميزة تنافسية غير عادلة على حساب المقاولات التي تلتزم بالقوانين؛ وهو الوضع الذي يخلق بيئة تجارية غير متكافئة، حيث تصبح المقاولات المنضبطة للقانون معرضة للخسارة أو حتى الإفلاس، بسبب التكاليف الإضافية التي تتحملها مقارنة بالمنافسين الذين يعتمدون “النوار” في معاملاتهم.

انتعاش القطاع غير المهيكل

أنعش تنامي اللجوء إلى “النوار”، منذ دخول إجراء الحجز في المنبع للضريبة على القيمة المضافة، القطاع غير المهيكل. وعزز مخاطر تحول المقاولات، خصوصا الصغيرة جدا، إلى هذا القطاع وما يترتب عن ذلك من تأثيرات عميقة على الاقتصاد الوطني؛ من خلال تقليص المداخيل الضريبية وخلق منافسة غير عادلة بين المقاولات، حيث تجد الوحدات المهيكلة التي تلتزم بالقوانين نفسها في موقف غير مُوات للاستمرار والنمو بالأسواق، مقارنة بتلك التي تخرق القوانين؛ وبالتالي يساهم هذا الوضع في كبح الاستثمارات، ويؤثر سلبا على النمو الاقتصادي على المدى الطويل.

وبالنسبة إلى رشيد قصور، خبير اقتصادي، فإن اللجوء المتزايد إلى ‘النوار’ في المعاملات التجارية يعطل الاقتصاد المهيكل؛ ما يؤدي إلى تشويه المنافسة، حيث تجد المقاولات التي تحترم التزاماتها الضريبية نفسها في وضع غير مستقر مقارنة بتلك التي تعمل بشكل غير قانوني.

وحذر قصور من الآثار طويلة الأمد لهذا الوضع الذي قد يضعف القاعدة الضريبية للدولة ويعرقل جهود الحكومة لتحسين مستوى التحصيل الضريبي، مشيرا إلى أن تنامي المعاملات بـ”النوار” سيربك تنظيم الأسواق ويضعف إجراءات حماية حقوق المستهلكين، معتبرا أن اعتماد المرونة في تحصيل شهادات التسوية الضريبية وتخفيف القيود المرتبطة بها من شأنه مساعدة المقاولات الصغيرة جدا على البقاء تحت مظلة القطاع المهيكل.

وأفاد الخبير الاقتصادي، في تصريح لهسبريس، بأن الحكومة مطالبة، في إطار إعدادها لمشروع قانون المالية 2025، بضرورة وضع برامج دعم وتكوين لمساعدة المقاولات الصغيرة على الامتثال لمتطلبات الضرائب الجديدة، حيث يمكن أن يشمل ذلك ورش عمل للتوعية وخدمات استشارية.

وشدد المتحدث على أهمية تعزيز الرقابة المستهدفة في زجر المقاولات وتحويلها عن اللجوء إلى “النوار”، مع تبني الحوار لفهم مشاكل هذه المقاولات، إضافة إلى تقديم تحفيزات ضريبية مؤقتة لتشجيع الوحدات الصغيرة على الانتظام الضريبي، في شكل تخفيضات أو عفو جبائي، بما تتماشى مع القوانين، ويسري لفترة محددة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق