يتدفق ملايين المسلمين من شتى بقاع العالم كل عام ليؤدوا مناسك الحج، في أرض الحجاز، وعلى الرغم من أن الطواف والسعي والوقوف بعرفة ورمي الجمرات، وغيرها من الشعائر تبدو أفعالًا محددة المراحل، إلا أنها تحمل في طياتها معاني روحية ورمزية عميقة، تعكس جوهر العلاقة بين العبد وربه، وبين الإنسان والحياة، والحج الذي يعد الركن الخامس من أركان الإسلام، لا يقف عند حدود الأداء الجسدي، بل يتجاوز ذلك ليصبح رحلة نحو الذات، وفرصة لمراجعة الروح وتطهيرها من شوائب الدنيا، فهناك رسالة في كل خطوة من خطواته، ولكل ركن من أركانه، مغزى.

أركان الحج.. مناسك وشعائر الحج بالتفصيل
الطواف حول الكعبة
يبدأ الحاج أول مناسكه بالطواف حول الكعبة المشرفة، حيث يدور سبع مرات حول بيت الله الحرام، فهذه الحركة الدائرية تعكس دورة الحياة المستمرة، وتضع الله تعالى في مركز الوجود، كأنما يقول الحاج بجسده "أنت المحور، وكل ما سواك يدور حولك".
والطواف لا يختلف كثيرًا عن حركة الكواكب في فلكها أو دوران الذرات في نواتها، فهو تجسيد حي لفكرة أن الكون بأسره يسبّح في انسجام تام، ويكون الحاج جزء من هذا الكون.
السعي بين الصفا والمروة
ينتقل الحاج بعدها إلى السعي بين الصفا والمروة، مسترجعًا قصة السيدة هاجر زوجة إبراهيم الخليل عليه السلام، حين كانت تبحث عن الماء لطفلها إسماعيل في صحراء قاحلة، فالطواف سبع مرات بين جبلي الصفا والمروة، يختزل معاني الصبر والإصرار والثقة بالله.
الوقوف بعرفة
تتجه القلوب بعد ذلك إلى صعيد عرفات، حيث يبلغ الحج ذروته، فالوقوف في عرفة هو الوقوف أمام الله في أسمى لحظات القرب والتجرد، وفي هذا اليوم، يتساوى الغني والفقير، الحاكم والمحكوم، فالكل يرفع يدًا واحدة، ويدعو بقلب واحد، والوقوف بجبل عرفات، هو صورة مصغرة ليوم القيامة، فبياض الإحرام يذكّر بالكفن، والانقطاع عن الدنيا والتضرع لله، مما يعيد للإنسان إحساسه بضعفه، وحاجته إلى الرحمة.
رمي الجمرات
يذهب الحجاج إلى رمي الجمرات في مِنى، حيث يرمون الحصى على ثلاثة أعمدة رمزية تمثل الشيطان، لكن المعنى الأعمق يتجاوز رجم كيان خارجي؛ فهو إعلان رمزي عن رفض وساوس النفس، والتمرد على الغرور والأنانية والضعف.
النحر والحلق
ثم يأتي يوم النحر، حيث يُضحّى تقربًا لله، تذكيرًا بقصة إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، ثم الحلق أو التقصير، علامة على التجدد، كأن الحاج يخلع عن جسده شعر الدنيا، ليعود نقيًّا كما وُلد.
0 تعليق