في بداية طوفان الأقصى كتبت مقالًا بعنوان «ألم يئن للعرب أن يتحدوا؟!» وإلى الآن لم يستجيبوا للنداء!!، مع العلم أنه آن الأوان أن يتحدوا ليس بمحض إرادتهم بل جبرًا بعد ما أن توحشت إسرائيل في المنطقة وأبادت غزة شعبًا وأرضًا، وتحولت كالكلب المسعور للقضاء على حزب الله ودمار لبنان، وأعلنت بتبجح عن نيتها ضرب الأردن، وهمجيتها في ضرب سوريا يومًا تلو الأخر، واحتلالها لهضبة الجولان، وتدنيسها للقدس الشريف، فماذا بقى حتى يتحدوا ولو شكلًا دون مضمون أمام عدوهم؟!!.
الغريب ما حدث من أهل العروبة عند إغتيال الشهيد يحيى السنوار قائد حماس، فقد انقسم العرب على انقسامهم، فمنهم من شمت في موته واغتياله على يد الصهاينة الإسرائيليين، ومنهم من حزن عليه حزنًا شديدًا، ومنهم من وصفوه بالشهيد المقاوم البطل، وأخرون نعتوه بالعميل الذي دمر غزة، حتى حسم الأزهر الشريف الأمر وأصدر بيانه التاريخي الذي وصف فيه كل المقاومة في غزة وفلسطين بالأبطال، وأكد على أن قتلاهم شهداء.
والأزهر نعى «شهداء المقاومة الفلسطينية»، وقتها وشدد على أهمية فضح كذب الآلة الإعلامية الصهيونية وتدليسها، ومحاولتها تشويه رموز المقاومة الفلسطينية في عقول شبابنا وأبنائنا، وتعميم وصفهم بالإرهابيين، وأكد في بيانه أن المقاومة والدفاع عن الوطن والأرض والقضية والموت في سبيلها شرف لا يضاهيه شرف، وحسم الأمر حينها في محاوله منه للم الشمل العربي الممزق، وإعطاء الحق لأهل المقاومة الفلسطينية الضائع وسط الإنقسام العربي.
لقد عاثت اليد الصهيونية المجرمة في أرضنا العربية فسادًا وإفسادًا، فقتلت وخرَّبت، واحتلت واستولت وأبادت أمام مرأى ومسمع من دول مشلولة الإرادة والقدرة والتفكير، ومجتمع دولي يغط في صمت كصمت الموتى في القبور، وقانون دولي لا تساوي قيمته ثمن المِداد الذي كُتبَ به، وبعد ذلك كله ما زال العرب متفرجين متفرقين!!.
وخلال عام كامل من حرب الإبادة في غزة، وضرب إسرائيل للجنوب اللبناني وإحتلالها لأجزاء منه، وضربها المستمر في منازل المواطنين المدنيين في جنوب بيروت تعالت الأصوات العربية بهذا السؤال المهم، وهو: أين الأمة العربية من الحرب في لبنان وفلسطين؟ ولماذا لا تتدخل الجيوش العربية لحماية أمنها القومي ولنصرة الفلسطينيين واللبنانيين ضد العدوان الإسرائيلي الوحشي تطبيقًا لمواثيق واتفاقيات الدفاع العربي المشترك؟.
هذا سؤال يكرره الكثير من المواطنين العرب البسطاء وهم يرون إسرائيل تعيث فسادًا وقتلًا وتدميرًا في فلسطين ولبنان وسوريا، وتقول إن أياديها الطويلة قادرة على الوصول لكل مكان في الشرق الأوسط!، بل إنها تنوي تغيير المنطقة بأسرها، ولا تبالي لقرارات الأمم المتحدة، ولا القانون الدولي، ولا حتى مجلس الأمن الدولي، وضاربة مواثيق حقوق الإنسان عرض الحائط.
من حق الناس في الوطن العربي أن تسأل الأسئلة الطبيعية، ومن حقها أيضًا أن تعرف الواقع المرير الذي تعيشه الأمة العربية بأكملها تقريبًا، والذين يسألون هذه الأسئلة التي تبدو طبيعية ومنطقية يتعاملون ويفكرون باعتبار أن هناك جسدًا وجسمًا موحدًا اسمه الأمة العربية لديه نفس الأهداف والأفكار والآمال والطموحات.
طبعًا أؤمن إيمانًا أكيدًا بالأمة العربية من المحيط للخليج وأؤمن أن غالبية الشعوب العربية لديها نفس الآمال والأفكار وتتوق إلى التوحد، كما أؤمن بالجامعة العربية ودرها التاريخي في لم الشمل العربي في كثير من الأحيان، لكن أنا أتحدث اليوم عن الحكومات والأنظمة، والأمر الواقع، الذي يجعل من التوحد الآن أمرًا بعيد المنال للأسف الشديد.
السؤال الذي سوف يصدم كثيرين هو: إذا كانت غالبية الدول العربية غارقة في انقسامات وحروب أهلية وطائفية وعرقية وجهوية، وغير قادرة على توحيد نفسها، فهل ستكون قادرة على دعم ونصرة الفلسطينيين واللبنانيين ومواجهة إسرائيل؟!! بل إن السؤال الانكى والأصعب هو: إذا كان الفلسطينيون أنفسهم وكذلك اللبنانيين غير قادرين على إنهاء انقساماتهم لمواجهة العدو المشترك، فكيف يلومون الآخرين على عدم دعمهم؟!!.
أي مواطن عربي يسأل: أين دعم الدول العربية للقضية الفلسطينية؟ عليه أن يسأل نفسه عددًا من الأسئلة البسيطة والبديهية ووقتها سوف يدرك حقيقة الواقع المرير، ويبدأ في رؤية الصورة على حقيقتها وربما في هذه الحالة ربما تكون هناك أفكار للخروج من هذه الحالة المزرية، ومن بين هذه الأسئلة مثلًا ما الذي تملكه العديد من الدول العربية غير إصدار بيانات الشجب والإدانة لإسرائيل والتضامن مع الفلسطينيين؟ بل إننا وصلنا إلى مرحلة صرنا لا نجد فيها حتى بيانات الشجب!.
مثلًا لدينا ليبيا، هل يمكنها دعم الشعب الفلسطيني بغير البيانات؟ هي في حالة انقسام وحروب أهلية وجهوية منذ عام ٢٠١١، لا يوجد أساسًا جيش موحد في ليبيا حتى نتحدث عن إمكانية مساعدته للفلسطينيين، وأصبح مرتع للجماعات الإرهابية المسلحة التي تقتل المدنيين الليبيين بدم بارد، وباتت ليبيا مطمع للعديد من الدول التي تدعم هذه الجماعات لأغراض دنيئة منها: السيطرة على البترول الليبي، وغازها في البحر المتوسط.
وما الذي يمكن أن يفعله السودان وجيشه، وهو الذي يعاني حربًا أهلية طاحنة منذ إبريل ٢٠٢٣، حولت أكثر من عشرة ملايين من المواطنين السودانيين إلى نازحين ومئات الآلاف إلى لاجئين في دول الجوار، والغريب هو الدور الذي تلعبه بعض الدول التي من المفترض أنها صديقة للسودان في دعم ميليشيا الدعم السريع المنشقة عن الجيش الوطني السوداني!!.
نفس الأمر ينطبق على دولة الصومال التي لا تستطيع إعادة توحيد كل أقاليمها، بل إن إقليم أرض الصومال المتمرد والمنشق منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وقع على إتفاق منفرد مع إثيوبيا يعطيها حق إقامة ميناء وقاعدة عسكرية على شاطئ البحر الأحمر في مكان استراتيجي قبالة ميناء عدن.
وما الذي يمكن أن تفعله سوريا وهي تعيش حربًا أهلية منذ مارس ٢٠١١، جعلت كل جيوش القوى الكبرى موجودة على أراضيها، وتشن إسرائيل عليها هجمات واعتداءات وحشية ومتكررة دون أن يتمكن الجيش السوري المنهك من التصدي لها، والمجتمع الدولي محلك سر.
ونعلم تمامًا ظروف دول الخليج ومعظمها لا يملك جيوشًا كبيرة وقوية، ربما باستثناء الجيش السعودي الذي حارب طويلًا مع القوى الشرعية والتحالف العربي في اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران، والتي يعتبرها عدد كبير من دول الخليج خطرًا حقيقيًا على أمنهم القومي، والجزائر وصراعها مع المغرب وموريتانيا ودول الجوار بسبب الصحراء الغربية والحدود بينهم.
نفس الأمر ينطبق على لبنان، فحزب الله يدعم الفلسطينيين فعلًا، لكنه على خلاف جوهري كبير مع بقية القوى السياسية اللبنانية التي تتهمه بأنه اختطف الدولة اللبنانية ويخوض الحرب لمصالح طائفية ولم يستشر بقية القوى السياسية، وتونس التي طالها الإنقسام السياسي بسبب الثورات والصراع على الحكم والسلطة.
ونفس الأمر ينطبق على الحشد الشعبي في العراق، فهو يدعم الفلسطينيين باعتباره مقربًا لإيران، ومن دون موافقة الحكومة العراقية المرتبطة باتفاقيات رسمية مع الولايات المتحدة، ونعلم ظروف الأردن الصعبة وموقعه الجغرافي شديد الصعوبة، وهو ما يجعله يسير على حبل مشدود دائمًا، واليمن السعيد الذي طاله الخراب والدمار بسبب الإنقسام السني الشيعي وتمزق جيشه بعد سقوط الرئيس علي عبدالله صالح في ٢٠١١.
إذن من الذي بقى؟! فقط مصر، هي الوحيدة التي لديها إستقرار نسبي وجيش قوي، وبالتالي فحينما يتحدث كثيرون عمَّن يتصدى لإسرائيل فهم عمليًا يقصدون مصر، والسؤال ببساطة: هل تتصدى مصر وحدها، أم يفترض أن يكون هناك دعم عربي حقيقي، وهو للأسف غير موجود بالمرة، وما هي إمكانياتها ومواردها وظروفها وأزماتها ومشاكلها؟.
وبالتالي هل هناك بدائل وأوراق أمام مصر غير الحرب أم لا؟ وهل يجب أن تفكر ألف مرة قبل أي محاولة للتورط.. وهل من حق مصر أن تدافع عن حدودها وأمنها القومي فقط أم تنجرف إلى مغامرة غير محسوبة؟!!.. أسئلة كثيرة يجب أن يجيب عنها الخبراء والعلماء والمفكرون والمسئولون بهدوء ومن دون شطط يمينًا أو يسارًا وبعيدًا عن العواطف وانفعالات وجهالات السوشيال الميديا.
0 تعليق